الرأي

هل لدينا شخصية؟

محمد سليم قلالة
  • 1372
  • 26

كنت مضطرا إلى البقاء أكثر من ساعة قرب إحدى رياض الأطفال بالجزائر العاصمة. صادف أن كانت تحتفل بنهاية سنة تعليمية في هذا المستوى. الأمهات والآباء بالعشرات، والموسيقى تتعالى من الداخل وفق البرنامج المسطر، ترافق الأطفال في أغانيهم ومسرحياتهم نشاطاتهم المختلفة. لم يكن ليحيِّرني ذلك، لو لم تتعالَ إلى مسامعي النشاطات تباعا بالفرنسية، من براعم أبرياء ما زالوا صفحة بيضاء نكتب عليها ما نريد.
لم أسمع العربية إلا نادرا، أما الأمازيغية، فلا وجود لها على الأقل في تلك الساعة. آباء وأمهات، شباب في معظمهم، سعداء، بهذه “التربية”! لقد أصبح أبناؤهم أخيرا، يتكلمون اللغة الفرنسية، ويرددون بلكنة أطفال المستعمَرات الفرنسية الإفريقية أغنية لـ”ماري مريم” “الطفلة والعصفور”، التي فازت بها فرنسا بجائزة “الأوروفيزيون” سنة 1977.. يا له من إنجاز!
لم يجبر أحدٌ هؤلاء على القيام بذلك، لو لم تكن القابلية للاستعمار مازالت تفعل فعلها فيهم. ما كان ليفعلها الصينيون ولا الكوريون ولا الفرس ولا الأتراك ولا أي جنس من أجناس العالم يؤمن بأن له انتماء حضاريا أو أنه انتصر في معركة ضد المستعمِر ضحى فيها بخيرة أبنائه. فقط هي الأمم التي لم تستعِد شخصيتها وثقافتها وهويتها التي تقبل بذلك، ولا وجود لها في هذا القرن إلا في القارة الإفريقية، وعندنا بالتحديد. إننا لم نتحرر بعد ثقافيا بعد 56 سنة كاملة من استعادة السيادة السياسية على هذه البلاد.
وإذا كان هذا هو الشأن مع براعم لم يدخلوا المدرسة بعد، فإننا لن نتحرر بعد 56 سنة أخرى من الآن. ولن نبني دولة ذات سيادة حقيقية، كما فعلتها الأمم الصاعدة، بل لن نبني اقتصادا وطنيا متينا يكون عنوان ازدهارنا كما حدث للشعوب التي استعادت هويتها وثقافتها وتاريخها جنبا إلى جنب مع بنائها المادي. لم تتحجج هذه البلدان قطّ بالأسباب التجارية، أو بالانفتاح على العالم، أو بأن لغتها لا تستوعب العصر.
هل ترى في الصين غير الصينية، وهي أول قوة اقتصادية في العالم؟ وهل ترى في تركيا غير التركية، وهي أول وجهة سياحية في العالم؟ ونحن مازلنا نصرّ على كتابة شعاراتنا ولوحاتنا بالفرنسية بحجة الانفتاح على العالم. وكأن لدينا ما ننفتح به على هذا العالم غير التبعية!
إنها ليست أبدا شوفينية، بل إلى تنبيهٌ إلى أننا لا يمكن أن نكون ما نريد إذا ما تساهلنا في مسألة الشخصية واللغة والهوية.
ولن نكون ما نريد ما دام هناك استصغارٌ لمثل هذه المسائل، ومادام مسؤولونا في غالبيتهم، هم أول من يشجعها، وأول من يُعبِّر عن قناعاته بجدواها في بلادنا.. ولولا ما ألاحظه من إصرار شعبي في مستويات عدة على تعليم أبنائنا لغة القرآن، ومن إصرار الكثير من العائلات على ألا يتكلم أبناؤُهم إلا بالأمازيغية، لقلت إنه لا أمل لنا أبدا في الانتصار على القابلية للاستعمار.

مقالات ذات صلة