الرأي

هل مقاطعة الانتخابات هي الحلّ؟

صار مألوفًا مع كلّ استحقاق انتخابي أن تطفو إلى الواجهة تلك الأصوات العبثيّة التي لا رؤية لها تجاه المستقبل، بقدر ما يحرّكها قصور النظر في تقدير الواقع من جهة، وتصفية الحسابات السياسيّة من جهة أخرى، فضلاً عن دوافع الأنانيّة والاصطفاف الإيديولوجي.
ومع العدّ التنازلي للمحطة الانتخابية المرتقبة في 18 أفريل، لم تجد بعض الدوائر السياسيّة، والقوى الاجتماعية التي تدور في فلكها، سوى تدشين حملة إستباقيّة لمقاطعة الحدث، دون طرح أي بديل موضوعي وآمن للسّير بالبلاد نحو الأمام، مُنطلقين من تشخيص سوداوي في كافة الاتجاهات والمجالات، لا يرى الأشياء إلاّ بلونيْن لا ثالث لهما.
إنّ السبيل الأسلم لكل متطلع إلى تحسين الواقع، أو تثمين المكاسب المُنجَزة، سواء كان في موقع المعارضة أو الموالاة، هو الاحتكام إلى الإرادة الشعبية الحرّة والنزيهة عبر الانتخابات الديمقراطيّة، وكل دعوة لتجاوز هذه الآليّة الإجرائية هي مغامرة غير محسوبة العواقب للدفع بالجزائر نحو المجهول.
ما معنى أن يتشبّث المنتقدون للأوضاع بموقف سلبي وانهزامي لتكريس الانسحاب والاستقالة الجماعية للمواطنين من تقرير مصيرهم السياسي، عبر الترويج للمقاطعة الأبديّة، إلا أن يكونوا غير واثقين من قدرتهم على تجنيد الشعب لصالحهم في مواجهة دعاة الاستمرارية؟
سيقول هؤلاء إن الصناديق لا تفرز الرؤساء ولا النوّاب، بقدر ما تضفي الشرعيّة على التزوير ومؤسسات السلطة السياسيّة، ولو افترضنا أن هذه الدعاوى حقيقيّة، فهل يكون من المفيد مقاومة تهميش الإرادة الجماعية بتغييب الشعب، لتخلو ساحة الحكم لأفراد يقرّرون بدلاً عنه ما يخدم مصالحهم الضيّقة؟ أليست الانتخابات على مساوئها الكثيرة هي المخرج الوحيد للانتقال نحو البناء الديمقراطي مهما طال الزمن؟
إن رجل السياسة المتجرّد في العمل لمشروع الإصلاح يتفاعل مع الواقع برؤيةٍ موضوعية هادئة وعقلانيّة، يحكمها التوازن في التفكير والتجاوب مع الممكن والمتاح، دون تنطّع عدمي لا ترتجى منه أي فائدة سوى تسجيل الحضور الشعبوي، أو الانتقام، لأنه يمارس السياسة بحسّ المسؤولية الوطنيّة، فيحسب للخيارات والمواقف ألف حساب تجاه المصلحة العليا للوطن أولاً، ثم تأتي لاحقا الطموحات الحزبية والشخصيّة.
لذلك يبدو حتى الآن أنّ المهللين لتجاهل الاستحقاق الرئاسي لا يملكون مشروعًا سياسيّا واضح المعالم لفائدة البلاد، بل إنهم يهيمون مع العامّة أو هُمْ واقعون تحت تأثير رموز طوباويّة، لا يقنعها فارسٌ ولا حزب ولا جماعة ولا تيّار، تفكر بمثاليّة لا أثر لها حتّى في جمهورية أفلاطون!
إنّ ما نُبديه من اعتراض على منطق هؤلاء “العدميّين” ليس تخوينًا مبدئيّا ولا انتقاصًا من قدر أحد، بقدر ما هو دعوة للتفكير العملي، الذي يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرّق، يقوّي ولا يُضعِف، يغرس الأمل ولا يبثّ اليأس في نفوس المجتمع.
من المؤسف تصوير الجزائر على أنها أسوأ بلد في العالم، بينما الحقيقة مختلفة تمامًا؛ لقد أنجزنا الكثير في عديد الميادين، صحيحٌ أنّ بلادنا ليست على ما يُرام، والأسباب لا يمكن حصرها الآن، بيد أنّ تحقيق المزيد من التطلعات لا يكون بسبّ الظلام ولعْن الزمن، بل برفع الشموع وشحذ الهمم، أمّا أولئك الذين تملّكهم القنوط من تحسّن الحال، فقد تعطّل فكرهم وبطّأ بهم عملهم عن بلوغ الأحلام الوطنيّة، فلم تعُد خطاباتهم سوى تنفيس لا يقدّم في أمْرنا شيئا، بل إنه يؤخّرنا نحو الوراء.

مقالات ذات صلة