الرأي

هل نعرف المهم والعاجل من بين خياراتنا؟!

محمد سليم قلالة
  • 893
  • 6
ح.م

هناك مقولة للرئيس الأمريكي الأسبق “إيزنهاور” نسبها هو الآخر لغيره ممن سبقوه، تقول “نادرا ما يكون الأمر المهمّ مُستعجَلا، ونادرا ما يكون الأمر المُستعجَل مهمّا”. وقد استخلص محللون وباحثون من هذه المقولة مصفوفة سُمِّيت بمصفوفة “إيزنهاور”Eisenhower   Matrix لتنظيم الأولويات بين المُستعجَل وغير المستعجَل والهام وغير الهام، أَمكن استخلاص 04 احتمالات منها اتجاه أي موقف يتطلب اتخاذ قرارات: إما أن نختار المستعجَل والمُهِم، أو المُهِم وغير المستعجل، أو نختار غير المُهِم والمستعجَل، أو غير المُهِم وغير المستعجَل. وأوصى هؤلاء بأن أفضل خيار لنا هو الخيار الأول (المستعجَل والمُهِم) الذي ينبغي أن نُنَفِّذه فورا، أما غير العاجل والمهم فعلينا برمجته لوقت لاحق، في حين علينا تفويض الأمر العاجل وغير المهم إلى غيرنا ليقوم به، أما غير العاجل وغير المهم فعلينا التخلي عنه.

وقد اعتبر الرئيس الأمريكي أوباما أن من أهم الأسئلة التي ينبغي أن يطرحها على نفسه ومن شأنها أن تحكم فشل أو نجاح سياسته هي أن يعرف ما هو المهم والعاجل من بين الخيارات المطروحة أمامه، وبلا شك أن كل مؤسسات الدولة والمجتمع تجنّدت لمساعدته على الإجابة عن هذا السؤال، ونجحت فيه، لتستمرّ هذه القوة العظمى صامدة أمام التحديات والتهديدات المحيطة بها.

وبالرغم من أننا لسنا الولايات المتحدة، إلا أننا نحن أيضا نتعرّض لتحدّيات وتهديدات في حجم دولتنا، فهل استخدمنا العقل والتبصر والبصيرة للتعامل مع الخيارات المطروحة أمامنا وفق منطق مصفوفة “إيزنهاور”، أم أننا نسير خبط عشواء؟ أم أن هناك مَن يتلاعب باحتمالات “المُهِم” و”العاجل” عندنا؟

لِنضع ما شئنا من الخيارات أمامنا ولِنبحث عن العاجل والمهم بينها: اختيار رئيس للجمهورية، رحيل الحكومة، صياغة دستور، مكافحة الفساد، عقد مجلس تأسيسي، الحفاظ على أمن البلاد، مواصلة التظاهر،  المرحلة الانتقالية، طرح مسألة الهوية، الإصلاح المؤسساتي، حل البرلمان، تغيير النظام السياسي، رفع القدرة الشرائية، استقلالية القضاء، إصلاح التعليم، إطلاق سراح المعتقلين، رفض التدخل الأجنبي، حماية الحدود… الخ. بلا شك سنكون أقرب إلى الاتفاق حول المهم، ولكننا سنكون أكثر اختلافا حول العاجل، وهنا علينا أن نتصرف؟ ما العمل؟
إننا جميعا نعتبر هذه المسائل على سبيل المثال لا الحصر مُهِمّة، وهذا يُعَدّ نصف الحل، لذلك قلت في مقال سابق إنه ليس علينا التنازل لبعضنا البعض في المواقف إنما في الأولويات، وإذا ما تنازلنا في الأولويات سنكتشف العاجل والمهمّ بسهولة ولن نتيه في البحث عن غير العاجل وغير المهم.

وأزعم أننا مازلنا إلى حد الساعة قادرين كمجتمع أن نعرف الخيار العاجل والمهم الذي يُمكِن لبقية الخيارات أن تتجسد بعده، وقد استخلصته قبل شهور من اليوم لمن أراد أن يستأنس به… واليوم بعد كل التطورات التي حصلت يبقى في تقديري هو الخيار الأهم والأكثر استعجالا، إذا ما أردنا أن نبتعد عن حالة الخطر القصوى ونستعيد الأمل، وألا ندخل في مرحلة الاستعجال التي تَسقُطُ عندها كل الخيارات الهامة، وعندها ستنطبق علينا مقولة السياسي الفرنسي “تاليران” الشهيرة: “عندما يكون الأمر مستعجلا فقد فات الأوان”….

مقالات ذات صلة