الرأي

هل نعرف ما يجري؟!

محمد سليم قلالة
  • 1125
  • 8
ح.م

هل هناك مَن يعلم حقيقة ما يحدث في المجتمع، حتى نتحدث عن كواليس السياسة؟ يبدو لي أن التبدلات العميقة التي حصلت في العشرين سنة الماضية في الجزائر تحتاج مِنّا عناية خاصة إذا أردنا أن نعرف إلى أين نحن سائرون. الجانب السياسي هو الجزء البارز للعيان فقط، ما نراه في العلن هو ما طَفح إلى السطح فقط. أما عُمق المشكلات فيبدو أننا كثيرا ما ننساه أو نغضُّ الطرف بشأنه رغم كونه قد يُنذِر بمخاطر كبيرة..

هل نعلم حجم تأثير تكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصال على مجتمعنا؟ أي نوع من الشباب تصنع؟ وأي نوع من النساء والرجال؟ ما الذي أحدثته الإنترنت والهواتف الذكية من تبدل على مستوى القيم ونمط التفكير وأخلاق المجتمع؟ ما الذي زرعته من أسلوب حياة جديد؟ إلى أي وجهة سيأخذنا هذا التحوُّل؟ أي نوع من المجتمعات سنكون بعد عشرين أو ثلاثين سنة من الآن؟

يبدو لي أنها الأسئلة الأكثر إلحاحا اليوم من أن نعرف المستقبل السياسي لهذا أو ذاك، ذلك أن أيا كان، لن يستطيع القفز فوق الحقائق الجديدة التي أفرزها مجتمعُ ما بعد العشرية السوداء، إذ قلَّت فيه الضوابط الأسرية والمجتمعية وتقهقر دور المدرسة في تربية الناشئة، وتقلص دور الجامعة في مناقشة الأفكار، وحلَّت الوسائط المتعددة وشبكات التواصل الاجتماعي محل الجميع، تُوجِّه وتُعيد صناعة عقول ونفسيات الناس بالطريقة التي تريد، حتى بتنا لا نعرف في كثير من الأحيان أبناءنا وأحيانا حتى أنفسنا!

ماذا يُفيد صراع السياسيين حول المناصب السياسية، إذا لم يكن همهم الأول والأخير هو حالة المجتمع ومصيره؟ لماذا لا نسمع نقاشات في هذا المستوى ووجهات نظر؟ أم إن السياسة اليوم أصبحت تبادلَ مسؤوليات ومناصب عليا وبروتوكولات ومنافع غير محدودة، ولا يهم بعدها، مَن يصنع المجتمع ومَن يقوم بتوجيهه وإعادة تشكيله بالطريقة التي يُريد، قيما وفكرا وممارسة؟ أليس في هذا تهرب من المسؤولية وسعي إلى حُكم مجتمع يصنعه ويتحكم فيه الآخرون؟

إننا بالفعل نعيش مشكلة من هذا النوع، وهي من أكبر المشكلات التي ينبغي أن نجعل منها جوهر فكرنا السياسي المستقبلي إذا كان لدينا هذا النوع من الفكر.. أما إِبقاؤنا على الوضع كما هو، من خلال سياسة الهروب إلى الأمام، أو التقليل من شأن مَن بيدهم الآن القدرة على التأثير في عمق المجتمع، عبر التكنولوجيات الجديدة، مُدَّعين أن كل شيء على ما يُرام، فذلك هو الخطأ بعينه الذي سيمنعنا من التحكُّم في مستقبلنا وإعطائه المحتوى الملائم للمرحلة التاريخية التي يعيش، وقبل هذا وذاك تمكينه من الأمل اللازم في أن يكون هو نفسه وأن يبني بلده كما يحلم ويُريد.

مقالات ذات صلة