الرأي

… و”الأحمدية” أيضا!

سلطان بركاني
  • 3213
  • 16

حفلت الصحف الوطنية، منذ بداية النّصف الثّاني من العام المنصرم، بأخبار كثيرة تتعلّق بضبط أشخاص يروّجون لمعتقدات الطائفة الأحمدية، في عدّة مناطق من الوطن، كسكيكدة وعنابة وميلة وباتنة وبسكرة والبليدة والعاصمة وبلعباس. وقد ظنّ كثير من المتابعين في البداية أنّ تلك العناوين والأخبار لا تعدو أن تكون مبالغات وتهويلات صحفية، تنشد الإثارة، ويراد من ورائها إلهاء الرأي العامّ بقضايا لا صلة لها بالواقع، لكنّ الأخبار التي تنامت إلى أئمّة المساجد وإلى مديريات الشؤون الدينية، أكّدت أنّ هناك نشاطا متزايدا لهذه الطّائفة في ولايات كثيرة، وأنّها بدأت تكسب لها أتباعا في أوساط بعض الشّباب الذين لا يملكون من الثقافة الدينية والشّرعية ما يؤهّلهم لكشف زيف الدّعاوى التي تروّج لها هذه الطّائفة المنحرفة.

تمكُّنُ هذه الطّائفة من كسب أتباع لها بين شباب الجزائر، يعطي دليلا آخر على بطلان دعاوى طوائف أخرى بينها الطّائفة الشيعية التي يزعم دعاتها أنّهم كسبوا لهم بعض الأتباع وسط الجزائريين لأنّ حجّتهم هي الأقوى! فهل يمكن لعاقل أن يزعم الآن أنّ حجج الطّائفة الأحمدية حجج قوية ولذلك تبعها بعض الجزائريين؟ وهل يمكن التّسليم بأنّ حجج دعاة التّنصير هي أيضا حجج قوية استطاعت أن تنقل بعض الشّباب من الإسلام إلى النّصرانيّة؟ 

القضية لا علاقة لها بجودة البضاعة المعروضة، لكنّها تتعلّق بنشاط العارضين، واحترافهم الكذب والتّدليس والخداع والغرر والنّجش، وكلّ الحيل المحرّمة في البيع، وإلا ما كان لمسلم يملك الحدّ الأدنى من الثقافة الدينيّة أن يقتنع بما تدعو إليه هذه الطّوائف التي تخالف في معتقداتها المعقول والمحكم من نصوص القرآن والصّحيح من السنّة وما أجمع عليه أعلام هذه الأمّة؛ ما كان لمسلم أن يعتنق الديانة الأحمدية التي زعم مؤسّسها ميرزا غلام أحمد القادياني (ت 1908م) أنّه مسيح موعود ونبيّ آخر يوحى إليه، بُعث بعد خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد عليه الصّلاة والسّلام ليجدّد دين الإسلام!.. 

ما كان لمسلم أن يصدّق هذا وهو يقرأ في كتاب الله قوله جلّ شأنه: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)) (الأحزاب، 40) ويقرأ في صحيح الإمام مسلم قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: “فُضّلت على الأنبياء بستٍّ؛ أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرّعب، وأحلّت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طَهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافّة، وخُتم بي النبيّون” إلى جانب أحاديث أخرى كثيرة تبيّن بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ ختم النبوّة بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من القطعيات التي لا تقبل الاجتهاد والنّظر.. إنّه لولا قلّة اطّلاع هؤلاء الشّباب وقلّة معرفتهم بأصول الاستدلال ما أمكن دعاةَ هذه الطائفة المنحرفة إغراؤهم بتأويلات سمجة لا يقرّها السياق ولا اللّسان العربيّ لعشرات النّصوص الصريحة المحكمة في ختم النبوّة.

 

الأحمديّة صناعة استعمارية لإقعاد المسلمين

لا شكّ في أنّ شبابنا هؤلاء الذين انساقوا لدعاوى هذه الطّائفة، لا يعلمون أنّها صنيعة استعمارية بريطانيّة أريد لها أن تُخرج للمسلمين نسخة محرّفة من الإسلام تسوّغ لهم الرّضا بالاستعمار والقعود عن جهاده؛ فقد أبطل مؤسّسها الدعيّ ميرزا غلام الذي كان يبثّ دعوته بدعم الاستعمار البريطانيّ وبرعايته، فريضة الجهاد، ولا يزال كتابه “الحكومة البريطانية والجهاد” الذي ألّفه سنة 1900م يشهد إلى جانب كتب أخرى يتداولها أتباعه إلى يوم النّاس هذا، بعمالته للمستعمر البريطانيّ، حيث زعم أنّ الظروف التي دعت المسلمين الأوائل إلى الجهاد لم يعد لها وجود في العصر الحالي! ووصف الجهاد ضدّ الاستعمار البريطانيّ المحتلّ بأنّه غير شرعيّ وحرام! على اعتبار أنّ هذا الاستعمار فضل ورحمة من الله! وقال إنّ الذي يقاتل الاستعمار الإنجليزيّ عاصٍ لله ولرسوله، وادّعى أنّ الإنجليز من أولي الأمر الذين تجب طاعتهم، واعترف بأنّ إبطال الجهاد ضدّ المستعمر من أهمّ أهداف تأسيس جماعته، فقال: “وإنّي لعلى يقين من أنّه بقدر ما يكثر أتباعي، يقلّ المعتقدون بمسألة الجهاد، فإنّ مجرد الإيمان بي إنكارٌ للجهاد” (تبليغ الرسالة، 7/ 17). بل إنّه يغدق بالمدح والثّناء العطر على الحكومة البريطانية المحتلّة، فيقول: “أنا أشكر الله عز وجل أنّه أظلّني تحت رحمة بريطانيا التي أستطيع تحت ظلها أن أعمل وأعظ، فواجب على رعية هذه الحكومة المحسنة أن تشكر لها، وخصوصا عليّ أن أبدي لها الشّكر الجزيل، لأنّي ما كنت أستطيع أن أنجح في مقاصدي العليا تحت ظلّ أيّ حكومة أخرى سوى حكومة حضرة قيصر الهند”! (ضرورة الإمام، ص23).

 

مناظرات تُكلّل بمباهلة تفضح الدعيّ

شبابنا الذين غُرّر بهم واعتنقوا الديانة الأحمدية، لا يعلمون أنّ الدعيّ ميرزا غلام أحمد القادياني، قد ناظره بعض علماء أهل السنّة في الهند وأفحموه، لكنّه أصرّ على كذبه وخداع أتباعه، حتى مات شرّ ميتة، وكان من أبرز أولئك الذين تصدّوا له ولدعاواه، طالب علم من شباب الهند يُدعى “ثناء الله الأمرتسري” نسبة إلى “أمرتسر” بالهند، فضح كذب المدّعي وأبان جهله، فلم يجد الميرزا غير طلب المباهلة، بدعاء الله أن يموت من كان على الباطل أوّلا، فأجابه الشّيخ ثناء الله إلى مباهلة كانت نتيجتها أنّ ميرزا غلام مات سنة 1908م، وعاش بعده الشّيخ “ثناء الله” 40 سنة كاملة، وتوفي –رحمه الله- سنة 1948م. 

 

النّهاية كانت في بيت الخلاء!

أمّا عن الطّريقة التي مات عليها الميرزا غلام، فقد كانت وستبقى عبرة لكلّ معتبر؛ حيث أخزاه الله في سنوات عمره الأخيرة بعد مباهلته مع الشّيخ “ثناء الله” وأظهر آياته في تكذيبه وإخزائه؛ ففي الطّاعون الذي انتقل من الصّين إلى شبه القارّة الهندية في حدود عام 1896م، تنبّأ الدعيّ ميرزا غلام زاعما أنّ الوحي قد أخبره بأنّ قرية قاديان التي انطلقت منها دعوته، لن يصيبها الطّاعون، فأخزاه الله ودخل الطّاعون إلى قريته، فما كان منه إلا أن ألّف كتابا أسماه “سفينة نوح” وتنبّأ بأنّ “الله سيحفظه من الطاعون وكذلك مَن تفانى في طاعته والعملِ بتعاليمه حقًّا، وأنّ هذا سيكون آيةً له من الله تعالى”، فكانت آية الله -جلّ وعلا- عكس ما تنبّأ به ودخل الطّاعون إلى داره وفتك بمن لاذ بها مصدّقا كذبه، وأصابه الطّاعون كما أصاب أتباعه، ومات سنة 1908م وهو في المرحاض، جزاءً ونكالا من الله لهذا الذي كذّب كتابه ورسوله عليه الصّلاة والسّلم، وافترى على الله الكذب وزعم أنّه أنزل عليه الوحي!.. ولو كان أتباعه مخلصين له لأعملوا فيه حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: “ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يُحبّ أن يدفن فيه” (رواه الترمذي).

 

لمَ يغترّ بعض شبابنا بالمذاهب المنحرفة؟

الحقّ يقال، إنّ ظاهرة اعتناق بعض الشّباب لهذه النّحل الباطلة المنحرفة، هي إحدى جنايات سياسة التّجهيل التي مورست على هذا الشّعب المسلم لإبعاد الدّين عن قائمة اهتمامه، وربط همّه بلقمة العيش، وقد عرف سدنة هذه الطّوائف المنحرفة هذه الحقيقة، فاستغلّوا حاجة بعض الشباب الجزائريين ويأسهم وإحباطهم من الواقع وتوق بعضهم إلى أيّ تغيّر مهما كان شاذا، فراحوا يستنسخون تجربة مسيلمة الكذّاب، ويعزفون على عواطف الشّباب ويغرونهم بالأموال والمتع والبدائل الخادعة التي تُخفي وراءها كمًّا هائلا من الخرافات والدّعاوى التي لا يمكن أن تصدّق بعيدا عن تأثير الخدع والمغريات. 

وفي هذا الصّدد، كانت بعض الصّحف قد كشفت في الأيام القليلة الماضية أنّ محاكمة بعض المروّجين للأحمدية في ولاية سيدي بلعبّاس كشفت أنّهم يقدّمون إغراءات للشّباب وحتى للأطفال لأجل ضمّهم إلى الطّائفة، وهو ذات الأسلوب الذي يعتمده المنصّرون، ويعتمده أيضا دعاة التشيّع الإمامي الاثني عشريّ؛ فبالإضافة إلى دغدغة العواطف اعتمادا على روايات ملفّقة لبعض الأحداث التاريخية، فإنّهم لا يتوانون في إغراء الشّباب بالبدائل التي يوفّرها مذهب اللّطم والتّطبير والغلوّ والتّكفير، تبدأ بإباحة الزّنا باسم نكاح المتعة، وربّما تصل إلى رصد منح دراسية إلى إيران أو بعض الدّول الأخرى، تكلّل بمناصب عمل مغرية.

مقالات ذات صلة