الرأي

وزير ناجح أفضل من 40 حزبا فاشلا!

محمد يعقوبي
  • 14006
  • 39

لا ينكر أحد أن قرار مجلس شورى حمس القاضي بالإنسحاب نهائيا من الحكومة بعد 16 سنة من اعتماد “سياسة المشاركة”، هو قرر شجاع يكشف مدى الممارسة الديمقراطية داخل هذا الحزب الإسلامي، وسيساهم بشكل أو بآخر في إحداث ديناميكية سياسية في المشهد المترهل الذي نعيشه، بعد أن كره الشعب الجزائري من الوجوه الكالحة للمعارضة التقليدية، التي فشلت في هذه الانتخابات وسحق الشعب بعضها بطريقة مهينة، خاصة أن حركة حمس قدمت من النضالات والرجالات والمواقف ما يؤهلها للإنتاج السياسي سواء كانت في السلطة أو في المعارضة، ويكفي للتدليل على ذلك بأنها كانت ولاتزال تحقق نتائج مقبولة في الانتخابات حتى وهي مقسومة نصفين (رجل في السلطة وأخرى في المعارضة)، وأعتقد أنها لو ترمي بكل ثقلها في اتجاه واحد (سواء في السلطة أو في المعارضة) يمكن أن تصنع الفارق وتشكل البديل بما لديها من خزان أفكار ورجال لا تملكه جل الأحزاب مجتمعة.

وحزب تجلى إبداعه وهو يققف في منتصف نقيضين، يمكن له أن يبدع أكثر بوجوده أقصى اليمين أو أقصى اليسار بعيدا عن المنطقة الرمادية التي تكسر ظهر أي تنظيم في العالم ما لم يكن جامعا للمتناقضات قادرا على إعادة تركيبها وفق المتغيرات السياسية مثلما كان يفعل المرحوم محفوظ نحناح… لكن؟!

ألا يعتبر قرار حمس الخروج من الحكومة هدما لمكتسبات المشاركة التي حصدها الحزب على مدار 16 سنة؟ ألم يكن جديرا بالحزب أن يتريث إلى غاية تقديم الحصيلة وتقييم الحصاد واستحداث آليات تحافظ على ما حققه بعض وزرائها الناجحين في دواليب الدولة؟

أليس من حق الدولة على هذا الحزب أن لا يجهض ولا يوقف مسيرة وزير ناجح ومبدع مثل عمار غول، حقق في قطاعه ما لم يحققه سابقوه منذ الاستقلال؟ أمحكوم على الشعب أن يكون قدره بيد وزراء فاشلين تزول الحكومات ولايزولون؟ أمحكوم عليه أن يحرم من نجاحات أبنائه لاعتبارات سياسية ضيقة؟ ويرغم على حصد الفشل مع ديناصورات عمرت طويلا ولم تخلف سوى الفشل في قطاعاتها؟

هل تملك حمس الحق في قطع الطريق أمام وزرائها بعد 16 سنة من الخبرة والنجاح بحجة أنها اختارت طريق المعارضة؟ وهل على غول وبن بادة وميمون أن يلزموا الآن بيوتهم، لأنهم أصبحوا “رجال دولة” وقد لا يصلحون إلا في دواليبها؟

لماذا يكون البديل أن بقاء غول وبن بادة في الحكومة هو انقسام حمس؟ وما يمنع أن تتواصل مسيرة “رجال الدولة” في حمس مثلما تتواصل مسيرة رجال السياسة بعيدا عن ضيق أفق اللوائح الداخلية التي تتجلى في الانضباط والقيادة؟

ربما من محاسن غول أنه نجح كرجل دولة وقد لا ينجح كرجل سياسة، خاصة أن رجال السياسة في هذا الوطن كثر، لكن رجال الدولة قليل، خاصة النماذج الناجحة التي يتعين على الجزائريين أن يعضوا عليها بالنواجذ، فمن السهل أن تخرج لنا الأحزاب شخصيات سياسية تحسن الخطابة والتخطيط والتأثير في الجماهير، لكن إنتاج الرجال القادرين على التسيير والبناء يحتاج إلى الملايير، وإلى سنوات من التكوين، فلماذا لا يوضع كل رجل في المكان الذي يستطيع العطاء فيه، وما العيب في أن يستفيد الشعب من كل طاقاته بمختلف مشاربها السياسية، بعيدا عن التآمر السياسي الذي يدفع إلى توريط الأفلان في تسيير البلد منفردا بحجة أنه سرق الفوز من أصحابه.

عمر غول على وجه التحديد يمثل نموذج “الإسلامي” الناجح عملا لا قولا، وقد استطاع أن يحقق بمفرده فوزا انتخابيا عجزت عن تحقيقه الكثير من أحزاب المعارضة التي ظلت تجلد النظام منذ الاستقلال، ولم يفز غول، لأنه يحسن الخطابة أو يملك خطابا جماهيريا مثلما هل الحال عند الكثير من الإسلاميين، بل لأنه يحسن العمل والعطاء والبذل في الميدان، ولا يراه الناس إلا وهو منهمك في عمله، بينما يستهلك السياسيون بضاعتهم دون أن يستفيد منهم الشعب، وربما وزير ناجح أفضل عند الجزائريين من 40 حزبا فاشلا… لأن البلاد في حاجة إلى من يخدمها وليس إلى من يخطب فيها، وهي في حاجة إلى تثمين مكتسباتها والبناء عليها، وإذا لم تنجح الأحزاب في أن تكون خزانا من الأفكار والرجال، فلا مبرر لوجودها، ولذلك رأينا كيف نفر الشعب من العملية الانتخابية، لأنه أحبط من الحجم الهائل للنفاق السياسي، بينما رأيناه يلتف حول أشخاص تحديدا، لأنهم من النوع الذي يعمل ولا يتكلم.. فعلى حمس أن لا تردم حرثها بأرجلها، لأن المعارضة يقدر عليها كثيرون، بينما النماذج الناجحة قليلة وقادرة على صناعة الفارق.

مقالات ذات صلة