-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. ومضى الشّطر الأوّل من رمضان!

سلطان بركاني
  • 1133
  • 0
.. ومضى الشّطر الأوّل من رمضان!

أربعة عشر يوما انقضت من رمضان، وخمس عشرة ليلة رحلت، وها هي ساعات اليوم الخامس عشر تتوالى وتتعاقب.. فسبحان الله! ما أعجل رمضان! وما أسرع توالي أيام وليالي شهر الإحسان! كنّا ندعو الله أن يبلّغنا رمضان.. ثمّ كان الاستعداد لرمضان.. ثمّ حلّ شهر الإحسان.. وكان الحديث عن التّوبة والاستقامة على طاعة الله وبدء صفحة جديدة من الحياة.. ثمّ إذا بنا نفاجأ برحيل العشر الأولى من شهرنا الفضيل.. وها نحن نعدّ السّاعات الباقية من النّصف الأوّل من رمضان!

ما أقصر عمرك يا رمضان! وما أغلى أيامك التي تمرّ لكأنّما هي طيف زار في المنام! تعود في كلّ عام لتذكّرنا بحقيقة هذه الحياة الدّنيا وأنّها متاع زائل وأيام معدودات.. وتذكّرنا بأنّ أعمارنا في هذه الدّنيا قصيرة وأقصر بكثير ممّا نحسب ونؤمّل.. أعمارنا سنوات معدودات، وكلّ سنة منها تمرّ سريعا كما يأتي رمضان سريعا ويرحل سريعا.. أصبحت السّنوات في زماننا هذا تمرّ كما تمرّ الأشهر، والأشهر تتوالى كما تتوالى الأيام.. واليوم الواحد منها تمضي ساعاته لكأنّما هي لحظات.. ما أن تشرق الشّمس، حتّى تميل سريعا إلى الغروب!

هذا ونحن لا نزال في هذه الدّنيا؛ نحسّ ونشعر بأنّ أعمارنا قصيرة وسنواتها قليلة، كيف بنا يوم نبعث ونوقف للحساب بين يدي الله؟ يومئذ يعجب الواحد منّا كم كان عمره في الدّنيا قصيرا، حتّى إنّه ليخيّل إليه أنّه عاش يوما أو ساعات من يوم: ((قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)).

ذكر الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- في كتابه “المُدهِش” أنّ رجلًا كان يبيع الثلج، وينادي عليه فيقول: “ارحموا من يذوب رأس ماله”.. كان يستعطف الناس ويستدرّ أموالَهم بأن بضاعته تذوب مع مرور السّاعات قبل أن تفنى؛ فلو لم يبع الثلج لذاب وضاع رأس المال.. الثلج ماء متجمد، وقطرة الماء التي تنفلت لن تعود مرة أخرى. وهكذا الإنسان؛ عمره هو رأس ماله، والعمر في النهاية أيام معدودة، واليوم الذي يتصرّم وينقضي لن يعود أبدا، يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: “ابن آدم.. إنما أنت هذه الأيام، فإذا مضى منك يوم فقد مضى بعضك”.

إذا كانت أعمارنا هي هذه الأيام التي تمضي سريعا، فحريّ بكلّ واحد منّا أن يحسب لكلّ يوم من أيامه حسابه، ماذا عمل فيه؟ وماذا قدّم فيه لنفسه ودنياه وآخرته؟ هل ازداد فيه وبه قربا من الله، أم ازداد غفلة وذهولا عن ميعاده ومنتهاه؟ كلّ يوم تغرب شمسه سيسأل عنه العبد يوم القيامة ويندم عمّا فرّط فيه.. فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ يقول صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي”، ويقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- وهو يعظ ولده: “واعلم يا بني، أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسا، وكل نَفَس خزانة، فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء، فترى في القيامة خزانتك فارغة فتندم! وأنظر إلى كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تودعها إلا أشرف ما يمكن”. ويقول أحد الدّعاة: “الليالي والأيام هي رأس مال الإنسان في هذه الحياة؛ رِبْحها الجنة، وخسرانها النار. السنة شجرتها، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها؛ فمن كانت أنفاسه في طاعة الله فثمرته طيبة مباركة حلوٌ مذاقها، ومن كانت أنفاسه في معصية الله فثمرته خبيثة مذاقها مرٌّ وحنظل”.

إذا كان رأسُ المال عُمْرَك فاحترِزْ * عليه منَ الإنفاقِ في غير واجبِ

فبَين اختلافِ الليلِ والصبحِ معركٌ * يكرُّ علينا جيشُهُ بالعجائبِ.

نعم، هذه هي الحقيقة.. أعمارنا في النهاية هي هذه الأنفاس التي تخرج ولا تعود، وكلّ نفَس يمكن أن يحمل خيرا وأجورا وحسنات، كما يمكن أن يحمل شرا وأوزارا وسيئات.

المخيف والمفزع في أيامنا، أنّنا يمكن أن نعلم كم مضى منها، لكنّننا لا نعلم كم عددها، ولا كم بقي منها، ولا نعلم متى يكون اليوم الأخير منها.. لا ندري متى ينزل ملك الموت بساحة أحدنا يحمل أمرا من ربّه بقبض الرّوح، فتطوى الصّحيفة على ما فيها من سيّئات وغفلة وتقصير وأعمال كثيرة كان أحدنا يؤجّل التّوبة منها يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعاما بعد عام!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!