الرأي

ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا…

جمال غول
  • 1172
  • 3
ح.م

في الوقت الذي تكاد شعوب غير مسلمة أن تتحكم في الوباء، لا يزال فئات من المسلمين مصرين على التهاون في مجابهته، بل وينشرونه فيما بينهم، غير آبهين بحياتهم وحياة الآخرين من خلال عدم المبالاة في الالتزام بالأسباب الوقائية من هذا الوباء المتفشي خطوة بخطوة وذراعا بذراع!

فبعض هؤلاء غارق في استهتاره، جاهل بحقيقة التوكل، متباهيا ببعض الكلمات التي جرت على ألسنة البعض في غير سياقها الصحيح من مثل: الموت وحدة، واللي كاتبة تجي، وغيرها من العبارات المظلومة الموضوعة في غير محلها، الدالة على جهل عند العنتريين المستهترين الذين ضلوا سبيل الحكمة القائلة (الوقاية خير من العلاج) ولم يهتدوا إلى حقيقة المعنى النبوي في حديثه عليه الصلاة والسلام “أعقلها وتوكل على الله “.

ومنهم من استهان بالنفس البشرية التي يفتك بها هذا الوباء في أنحاء عديدة من العالم، ناسيا أن أي نفس بشرية ماتت فقد أفلتت من مسلم كان ينبغي أن يسارع إلى إنقاذها من نار الآخرة بدعوتها وهدايتها، فضلا عن إنقاذها من الوباء الذي فتك بها!

إن دين الله الحق لم يذم الحرص على الدنيا في حد ذاتها، بل ذم الحرص على مطلق الحياة كحياة الذل والهوان وذلك المقصود بقوله تعالى في ذم اليهود: (لتجدنهم أحرص الناس على حياة)، بينما جعل للحياة التي يرضاها رب العالمين شرفا وطاعة وفضلا، فجعل سلب الحياة من حق خالقها وحده سبحانه وتعالى إلا أن يكون بالحق الذي شرعه لعباده لتحي به المجتمعات آمنة، فكانت المعالم على ذلك متضافرة، متواترة، غير متناهية.

دين يُحرّم قتل الإنسان لنفسه تحريما شديدا ليكون من الكبائر التي تلي الإشراك بالله يجعل مصائب الدنيا مجتمعة لا ترقى لتكون مبررا للانتحار!

دين يأمر بالحفاظ على النفس البشرية كأمانة عند صاحبها لن يقبل بأي سلوك يكون ضمن التهاون في ذلك الأمر.

دين يُحرِّم الاعتداء على النفس ولو كانت جنينا مُشوّها لم يتجاوز أياما ما لم يُشكّل ضررا مُتيقّنا على الأم، فكيف سيقبل بالتهاون في حماية الأنفس للأحياء؟

دين يُحرّم أن تُجهز على جريح ولو كان غير مسلم أو أن تقتل عدوا محاربا اذا نطق بالشهادتين ولو اتقاء الموت، ولم يسمح لنا أن ندّعي علم نيّته وما في قلبه (أشققت على قلبه)!

أنه الدين الذي يحرص على الحياة إذا كانت تهدف إلى عبادة الله و مارة أرضه بالحق، فلم يجعل العيش في سبيل الله أهون من الموت في سبيله الذي يكون في سبيل غاية عظيمة يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ففيم الاستهانة بقيمة الحياة وتعريض النفس للهلاك نتيجة الاستهتار؟ ثم تجد من يجعل ذلك من الدين!!!

أن إهمالك أيها المسلم لإجراءات الوقاية هو استهانة بحياتك التي أنت مستخلف فيها وبحياة الآخرين عندما تتسبب في الفتك بهم من خلال التمكين للعدوى .

أننا في حاجة أكثر مما مضى على أن نحرص على حياة بعضنا البعض من خلال وقفة لا تتوقف عند حدود الوقاية، بل تتعداها إلى:

أولا: هبة تضامنية شعبية منظمة يُعين فيها بعضنا البعض بكل أشكال الإعانة المعنوية بنشر الوعي والتحسيس وقتل الإشاعات والمعلومات غير الموثوقة فضلا عن الكاذبة ونشر التفاؤل والتباشير و لنماذج الناجحة في التعامل مع الأزمة، والمادية بالمسارعة في تخفيف الوطأة عن الفقراء والمساكين والعمال الذين انقطع دخل عملهم بسبب الحظر وذلك بتقديم كل ما كان يقدم في شهر رمضان إلى الوقت الحاضر وذلك من اقتحام العقبة التي ندبنا الله تعالى إلى اقتحامها فقال تعالى (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة وإطعام في يوم ذي مسغبة).

ثانيا: تقديم العون للمرابطين المجاهدين من الأطباء والممرضين الذين هم بحاجة مُلحة إلى ما يكفيهم من جبهات اجتماعية ليتفرغوا لجهادهم في حماية الأنفس من هذا الوباء كتوفير وسائل نقل تنقلهم إلى أماكن رباطهم ومآوى تأوي من لا مأوى له وكذلك الإطعام أثناء عملهم في ظل غياب المطاعم والمحلات عموما وكذا التكفل بإيصال المؤونة إلى عائلاتهم.

ثالثا: التركيز في هذه المرحلة على التبرعات الموجهة إلى وسائل التعقيم والتنظيف وكذا المعدات الطبية وسيارات الإسعاف.

رابعا وليس أخيرا: الإكثار من الاستغفار والدعاء بالتوفيق لكل المرابطين على الثغور المتعددة لمجابهة البلاء من أئمة ومؤذنين وأطباء وممرضين وجنود ورجال أمن وعمال النظافة وإداريين وأن يرفع الله عنا هذا البلاء عاجلا غير آجل .

أن واجبنا جميعا اليوم أن نُحسن التعامل مع هذا البلاء كل من موقعه ومقدار وسعه لنضع خطوة في طريق الأهلية لقيادة البشرية التي عرّى هذا الوباء ضعف وسوءات الآخذين بزمامها من الدول الكبرى وذلك موضوع آخر لنا معه وقفة بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة