الرأي
يستثقلونه ويشعرون فيه بالكسل والسّآمة والملل

يوم الجمعة.. المنحة التي أضاعها كثير من المسلمين

سلطان بركاني
  • 5836
  • 0

الجمعة، يوم ليس كسائر الأيام. إنه اليوم الأغر في جبين هذه الأمة. أفضل الأيام على الإطلاق. ما طلعت الشّمس ولا غربت على يوم خير من هذا اليوم. أمِرت الأمم قبلنا بتعظيمه فَضَلّت عنه، اختار اليهود يوم السبت واختار النصارى يوم الأحد واختار الله لأمّة نبيّه الخاتم عليه الصّلاة والسّلام هذا اليوم.

يوم جعله الله سيّد أيام هذه الدّنيا، وسيكون سيّد أيام الآخرة؛ ففي الحديث »أنّ الله جلّ وعلا يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها كما هي، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة لأهلها، فيَحُفّون بها كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضا، رياحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان، ما يطرقون تعجّبا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذّنون المحتسبون«، بل والأعظم من كلّ هذا أنّ المؤمنين ينظرون إلى ربّهم كلّ يوم جمعة.. فيزيدهم من نوره ونعيمه، فلولا أنّه سبحانه كتب أن لا موت بعد الموت لماتوا من شدّة السّعادة والفرح.

يوم أنعم به الله جلّ وعلا على عباده المسلمين المؤمنين؛ فهو فرصة لمحاسبة النّفس ومراجعة حصاد الأسبوع، وتصحيح المسار، وفرصة لمغفرة الخطيئات، والتزوّد من الحسنات، ورفعة الدّرجات وإجابة الدّعوات؛ يُكرم فيه الله من تعرّض لرضوانه، ويغدق عليه من فضله وآلائه وإحسانه. 

بإمكان العبد المؤمن أن يحظى في هذا اليوم بأجر صيام وقيام سنة كاملة، يقول نبيّ الهدى صلّى الله عليه وسلّم: “   من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكلّ خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها”..  

فيا الله!. قناطير مقنطرة من الحسنات يضيّعها كثير من المسلمين يوم الجمعة من كلّ أسبوع؛ من اغتسل يوم الجمعة وبكّر وصلّى في الصّفوف الأولى، وأنصت للإمام ولم يلْغ، كان له بكلّ خطوةٍ أجرُ عملِ سنة صياما وقياما، فما الذي جعل كثيرا منّا يضيّعون هذه الخيرات؟ إنه حب الدنيا واتّباع أهواء النّفوس وإيثار الرّاحة والإخلاد إلى الأرض.

في وسع العبد المؤمن أيضا أن يجعل حياته كلّها نورا. فقط أن يقرأ سورة الكهف كلّ جمعة مستحضرا قلبه مبتغيا الأجر والثواب من الله. يقول نبي الهدى صلى الله عليه وآله وسلم: »من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النّور ما بين الجمعتين«.

بإمكان العبد المؤمن أيضا أن يجعل يوم الجمعة يوم صلوات ورحمات تتنزل عليه من الله رب الأرض والسماوات؛ بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله في هذا اليوم. يقول عليه الصلاة والسلام: »إن من أفضل أيامكم يومَ الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه قبض، وفيه النّفخة وفيه الصّعقة، فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم يوم الجمعة معروضة عليّ«.

في يوم الجمعة أيضا ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله جلّ وعلا بشيء من خيري الدّنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وأكثر العلماء على أنها الساعة الأخيرة قبل غروب الشّمس. وهي مع كلّ أسف السّاعة التي يكون فيها كثير من شبابنا منشغلين بالكرة، وكثير من آبائنا منشغلين باجتماعات وحلقات هنا وهناك على حديث الدّنيا، وتكون فيها كثير من أمّهاتنا وأخواتنا المؤمنات منشغلات بالمسلسلات.

فإلى متى تضيع عنّا هذه الخيرات؟ متى يا ترى سيصبح يوم الجمعة أفضل أيامنا؟ متى تتعلّق قلوبنا بهذا اليوم؟ متى سنجعله يوما خالصا لله، يراجع فيه الواحد منّا نفسه، ويزن أعماله، ويتلمّس طريقه: هل يسير في مرضاة الله أم تراه يتقلّب في سخط الله؟ متى سنعرف لهذا اليوم قدره كما عرفته سائر المخلوقات من دوابّ وشجر وحجر وحشرات؟ ما من مخلوق في هذا الكون إلا ويصبح يوم الجمعة متأهّبا حذرا خشية أن تقوم السّاعة في هذا اليوم إلا الإنس والجنّ.

ماذا يخسر العبد المؤمن لو جعل يوم الجمعة خالصا لله؟ النّصارى يفرّغون أنفسهم يوم الأحد لكنائسهم، واليهود يفرّغون أنفسهم يوم السبت لديرهم، فلماذا لا نفرّغ أنفسنا يوم الجمعة لمساجدنا؟ هذا لا يعني أن ننسى ديننا سائر الأيام وإنّما يعني أن ينسى الواحد منّا هموم الدّنيا وغمومها التي شغلته أسبوعا كاملا، ويقبلَ على همّ الآخرة ويزدادَ تقرّبا إلى الله في هذا اليوم. إنّه بقدر ما ليوم الجمعة في قلوبنا وأحوالنا بقدر ما لنا عند الله، ومن أراد أن يعرف ما له عند الله فلينظر ما ليوم الجمعة في قلبه وحاله.

إنّه لأمر مؤسف حقا أن يصبح يوم الجمعة أثقل الأيام في حياة كثير منّا؛ يقضون ساعاته بين النّوم والرّاحة والقنوات، والرياضة والمقاهي والجولات، يضيّعون فيه صلاة الفجر، وينامون إلى منتصف النّهار، ينتظرون حتى تطوي الملائكة الصّحف ليأتوا المسجد، يجرّون أقدامهم كأنّما يساقون إلى الموت، ويجلسون خارج المسجد ينتظرون سلام الإمام على أحرّ من الجمر، يأنفون من سماع الخطبة وكأنّ ما يقوله الإمام لا يعنيهم، وكأنّهم حطّوا رحالهم في جنّة عرضها الأرض والسّماوات، يلتفتون ذات اليمين وذات الشّمال، ينظرون إلى السّاعات، يتأفّفون ويتململون، ولو أمكن الواحد منهم أن يخاطب الإمام لقال: هيا أرحنا يا هذا فإنّه لا وقت لنا لسماع حديثك.

ألا فلنتب إلى الله، وليعقد كلّ واحد منّا العزم أن يصحّح حاله مع هذا اليوم الأغرّ يوم الجمعة؛ ليعقد كلّ واحد منّا العزم ألا ينام أبدا عن صلاة الفجر يوم الجمعة ولا في غيره من الأيام، ليعقد العزم أن يجاهد نفسه على محبّة هذا اليوم، على الاغتسال والتطيّب والتجمّل فيه، على التّبكير فيه إلى الصّلاة، على لزوم الصّفوف الأولى، على سماع الخطبة والإنصات للخطيب، على تلاوة القرآن وبالأخصّ سورة الكهف. على كثرة الصّلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم، على كثرة الذّكر والاستغفار، ثمّ يختم يومه في آخر ساعة من ساعاته قبل غروب الشّمس بالدّعاء والإلحاح على الله فيه، راجيا أن يكون هذا اليوم يوم كرامة له عند الله.

مقالات ذات صلة