-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

03 أفكار مسبقة.. هل يمكن تجاوزها

محمد سليم قلالة
  • 3151
  • 16
03 أفكار مسبقة.. هل يمكن تجاوزها

يُسِرّ إليك البعض هذه الأيام ويُعلنون أحيانا أن الأيام القادمة وخاصة بعد الانتخابات ستختلط الأمور، ولا يتردد آخرون في القول إن الخروج إلى الشارع سيكون هو البديل للانتخابات إذا ما تم تزويرها.. وأن النار ستشتعل لا محالة.. تطابقت لدي مثل هذا الآراء في أكثر من مكان وبدا لي أنها ليست آراء بريئة، وعلينا أن نستبقها ببعض التحاليل لعلنا نساهم في توضيح الرؤية ودفع الناس إلى جلب بعض الماء لمنع شرارتها الأولى حتى من أن تشتعل.

 ليس غريبا أن يضعنا البعض بين خيارين لا ثالث لهما: التزوير أو الفوضى العارمة، إذا كنا لا نقدم لأنفسنا البدائل الملائمة التي تستجيب للتحديات الحاضرة والمستقبلية التي تعرفها بلادنا، وإذا كنا لا نسير باتجاه إيجاد المخارج اللاّزمة للمشكلة السياسية التي نعيشها هذه الأيام.

ينطلق هذا التحليل من ثلاث أفكار مسبقة ويضعها لنا كمسلمات غير قابلة للنقاش:

-الأولى: أن الشعب غير قادر على منع التزوير

-الثانية: أن مرشح السلطة فائز لا محالة

-الثالثة: أن التغيير السلمي لا يمكنه أن يحدث في بلادنا

وينسى أن يربط  هذه الأفكار المسبقة بما يمكن أن يجعلها تخرج عن دائرة المسلمات كأن يضيف عبارة “حتى ولو أراد” للفكرة المسبقة الأولى، وعبارة “في كل الحالات” للفكرة المسبقة الثانية، وعبارة “إذا لم نكن في مستوى ذلك” للفكرة المسبقة الثالثة.. بمعنى آخر أن الشعب يمكن أن يمنع حدوث التزوير إذا أراد وتجند لذلك، ويمكن أن لا يفوز مرشح السلطة في بعض الحالات وأنه يمكننا أن ننتزع التغيير السلمي إذا ما ارتقينا إلى مستواه.

ولعل هذا ما أردت أن أُعقِّب به على تلك الآراء التي تكاد تجزم اليوم أن الأمر محسوم لأحد البديلين: إما مرشح السلطة أو الفوضى.. والفوضى أقرب لا قدر الله، في شبه استسلام غير مبرر لواقع مفروض ومرفوض.

لقد عشنا في الجزائر تجربة سابقة لا نريدها أن تتكرر لكننا يمكن أن نأخذ منها عبرة: يمكننا أن نجري انتخابات نزيهة ونوجد الآليات اللازمة لمنعها أن تنقلب علينا خاصة وقد أصبحنا، بعد ما استفدنا به من درس، نملك من الإمكانات التكنولوجية ومن وسائل الاتصال الحديثة، ومن الوعي، ما يُساعدنا على ذلك. وهذا ليس بالأمر العسير اليوم. ومنه يتجلى الخلل في من لا يريد أن يراقب الانتخابات ومن استسلم بالقول: إنه لا يستطيع حتى إذا أراد. هؤلاء، من حيث يدرون أو لا يدرون، هم الذين يساهمون في تأكيد الفكرة المسبقة الأولى، ولهذا فليس من الحكمة أن لا يحاول المرء منع التزوير ويكتفي بالتنديد به أو انتظار أن يتحول إلى فوضى ليتباكى عليه أو ليكون من ضحاياه في المقام الأول. وبهذا الموقف يُصبح المواطن غير المساهم في منع التزوير جزءا من عملية التزوير إن لم يكن مدعما له. وإلى حد الآن نجحت السلطة في ذلك، عندما استغلت لامبالاة البعض وسذاجة البعض الآخر وكانت تقوم بما تريد… وأبقت من يدعي الإدراك والقدرة على التحليل ضمن مجموعة المتباكين على الوضع أو المستسلمين له.

الفكرة المسبقة الثانية التي يبدو أنها تكاد تُصبح مسلمة لدى غالبية من الناس: (أنه لا حَظَّ لمرشح معارض للسلطة القائمة)، تأخذ هي الأخرى بعدا آخر عندما نميز فيها بين بعض الحالات كالتي نعيشها اليوم ويتبين لنا بوضوح شديد أنه يوجد  فيها أكثر من مرشح لا يصنف نفسه ضمن المعارضة أو على الأقل المعارضة الراديكالية للسلطة. لماذا لا نعتبر هذه حالة مختلفة عما سبق من الحالات؟ لماذا نعتبر أنه يمكن في هذه الحالة أن تتبدل المعطيات وأن تقف السلطة على الحياد بين المرشحين؟

حقيقة عقولنا لم يتم تشكيلها على قبول هذه الفكرة ولكننا لا يمكننا أن نُلغيها كإمكانية محتملة يمكن الانطلاق منها لتحقيق أمر جديد. لماذا نُلغيها؟ لماذا نجمد عقولنا إلى هذه الدرجة؟ تلك بحق ظاهرة تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل.

يبقى بيت القصيد: لماذا نتجه مباشرة إلى التصديق بأننا لا يمكننا أن نحدث التغيير إلا إذا لم يكن سلميا؟ لماذا اعتبار ذلك مسلمة غير قابلة للنقاش؟

الفكرة المسبقة الثالثة  يبدو لي هنا أن المسألة تتعلق بالدرجة الأولى بكون النخبة التي يُفترض أن تقود عملية التفكير في التغيير هي الآن غائبة ومغيبة. وعندما تغيب النخبة يُصبح المجال مفتوحا لقبول البديل الأكثر شيوعا الذي ليس بعده بديل: العنف. أي عندما لا تحاول النخبة أن ترتقي إلى مستويات أعلى من التفكير في إيجاد حلول مناسبة للظرف الراهن أو تمتنع لا إراديا على ذلك يقفز العنف إلى المراتب الأولى. وهو ما يحدث اليوم.

بالرغم من المحاولات القليلة التي قام بها بعض الرموز من النخبة لكي تقدم نفسها كمنطلق للحل، (وقفات أساتذة بوزريعة وبعض المواقف المتناثر هنا وهناك لبعض المثقفين حتى من غير الجامعيين…) لم تتمكن من أن تقدم نفسها كحاملة لتصور للحل. وبدا وكأنها هي الأخرى عندما عجزت عن الأخذ بزمام المبادرة بدأت تقترب من اللجوء إلى الأداة الأكثر بساطة في التغيير أي التظاهر في الشارع.

وهنا نصل إلى السؤال المركزي الذي ينبغي أن يُطرح: لِمََ لا يقود مليون ونصف مليون طالب جامعي وملايين الطلبة الآخرين التغيير؟ لماذا لا ينطلق التفكير في بدائل أخرى غير العنف على مستوى الجامعة ويتم التفكير في ذلك على مستوى الشارع؟ أين هي هذه الملايين من المتعلمين الجدد؟ أم أنهم لا شيء في الساحة السياسية؟

تعيد هذه الأسئلة إلى الأذهان موضوع محتوى التكوين، وأي عقل شكلته منظومتنا التربوية من الابتدائي إلى الجامعة؟ ولماذا أصبحت الغالبية تفكر بهذا الشكل وتقبل بأن يكون بديل الاستسلام للأمر الواقع هو أفضل بديل. بل وتقبل سماع أن البلاد ستدخل في متاهة الفوضى في الأيام القادمة ولا تحرك ساكنا، وتعجز فوق ذلك عن اقتراح حلول أخرى غير الحَلّين المفروضين: النجاح حتى بالتزوير أو الفوضى بكل ما يحمل هذا المعنى من دلالات قاتمة بالنسبة إلى ذاكرة الشعب الجزائري القريبة جدا.

لذلك تجدني أقول، ولو من باب عدم الاستسلام على الصعيد النظري، إنه ليس بالضرورة اليوم أن ينجح مرشح السلطة وليس بالضرورة أن ندخل في الفوضى إذا ما نجح.. وأننا بدل أن نبشر بأن النار قادمة علينا أن نهيئ ولو دلو ماء لإطفائها… ولنا في قصة طائر الكولبري عبرة (انظر مقالنا الأسبق)..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • ذكي

    انا اظن صاحبنا يقصد كامرات مراقبة امام مراكز الانتخاب ومن ثمة نشرها في الانترنت حسب ترتيب الولايات ونقعدوا نحسبوا ومن ثمة نعرفوا العدد هذه الفكرة والله جاتني منذ مدة ولكن راني معقن روحي انا افكر اذن انا فكرون وعندي افكار نتاع جنون بصح السكوت حكمة

  • اسماء

    فعلا كلام رائع استاذ الفاضل ومنطقي فالشباب هم لبنة التغيير ولكن الوعي السياسي يلعب دوره في تحريك هذا العنصر المخدر وان نظرنا الى حالنا نجد اننا لا نمتلك وعيا سياسيا ذو درجة عالية لتدخل بالتالي المنظومة التربوية وقبلها الاسرية وبعدها الجامعية في ايطار الفرد او الشاب اذن نحن نريد ان نزيدمن وعي السياسي للشاب وان نجعله يطلق عبارة خاطيني والحلول تبدا من النخبة والمثقفين الذين يجب عليهم الاحتكاك بالشباب

  • khaled

    شيئ يخصه..

  • نورالدين

    و لكن التزوير يحدث بعد أخذ الصناديق أو الإتيان بها ، ففي كل الإنتخابات السابقة كان ممثلين من الأحزاب يراقبون يشاهدون حركة الإنتخابات من بدايتها إلى آخر المطاف ، زد على هذا العامة من الناس البسطاء يسحرهم النظام عن طريق الإعلام ، لأن تجمعات المرشحين من المستحيل أن تجمع كل قوم البلدة ، زد حاجة أخرى الثكنات كيف تراقبها و كيف يسمح لك بتصوير كل حركة و لفتة و هفوة ؟! فالمشكلة في النفوس لا في النصوص و الآليات . و تبقى فكرة تراود مكانتها بسبب صعوبة تضاريس أدمغة بعض العباد في حجبها لشمس الحق و النزاهة ؟!!

  • جلول

    السلام عليكم ياأستاذ
    باب عدم الاستسلام على الصعيد النظري،أقترح عليكم وعلى االشرفاء في الجزائر والمسؤولين النزهاء وضع شاشات مراقبة لصناديق الإنتخابات في المدن الكثيرة الكثافة ولنا في ذلك كثير الفوائد لعلي اشرحها في موضع آخر لعل من اهمها منع التزوير
    محمد جلال

  • ALI

    ...... ولكن وقوفك مع " بـــ ــن فــــ ـــــلـــ ـــيــ ـــس "

    هذا ما لم أهضمه !!!!

  • الزهرة البرية

    والله لا أخاف على بلدي أبدا .. بل وأحلم أن تلحق بركب الريادة مادام فيها أشخاص يفكرون هكذا.

  • ابو العلاء

    للاسف يا استاذ فان التزوير لن يكون في الصناديق بل سيكون بكل بساطة عند اعلان النتائج الرسمية يوم 18 و بكل بساطة يقال كل من لديه احترازفليتقدم بطعن وتعرفون البقية. اذ ان التائج جاهزة منذ اعلان المجلس لدستوري لقائمة المترشحين.الحل في انشاء لجنة مستقلة مسؤلة عن تنظيم الانتخابات مكونة من اشخاص لا يبيعون ذممهم عندئذ يمكن ان نامل في محاربة التزوير

  • برهوم

    المشكل هو أنك تعرف أن كل ما قلته غير صحيح، إلا أنك تجادل من أجل الجدال فقط لا غير.

  • بدون اسم

    "إنه ليس بالضرورة اليوم أن ينجح مرشح السلطة وليس بالضرورة أن ندخل في الفوضى إذا ما نجح.. وأننا بدل أن نبشر بأن النار قادمة علينا أن نهيئ ولو دلو ماء لإطفائها..."..نعم أستاذ...و أقول أنه إذا ما انساق الشعب وراء الحماقات كالتي أدت في الماضي القريب إلى ما يعرفه الجميع...فإن التاريخ سيكتب عن هذا الشعب أنه من أغبى شعوب العالم، لأنه لم يتعلم من المحن و لم تصقله التجارب الخاطئة؟ نرجو و نقول أنه أصبح من شأن السياسة هو كسب السلم و ليس كسب الحرب؟ هنا تظهر عبقرية الناس و ليس في التهريج المميت و القتال؟

  • محمد

    لا يمكن للتغيير أن يحدث من الشعب أو المعارضة .
    يمكن حدوثه من السلطة فقط لما تتلقى هي بدورها اشارات التغيير ممن يصنعون القرار من خارج البلاد أولا ثم الداخل ثانيا . لأسباب تضمن الحفاض على مصالحها الإقتصادية و السياسية بالمنطقة .

  • نورالدين الجزائري

    ذكَرتي الأية 11 الرعد . فتذكرت قول العقلاء: إن الله لا يتغيّر من أجلكم و لكن يجب أن تتغيّروا من أجل الله . فعندما يغَير اليشر المنهج القويم تتغير نفوسهم فلا منهاج و لا صيانة ، و العبد قد يبطش يزل يخطأ و يظلم .. فالصيانة تحت مطية المنهج تقوّمه ، فإذا ذهب المنهج إنطفئت معه. و جوارح العبد تفسد إذا فسدت النفس إذ هذه محركة لها و تنفعل تلك الجوارح لإرادة صاحبها، و تبقى النفس جوهر التغيير ! ليس مهما أن تكون ملكا و لكن أن تتصرف و كأنك ملكا و إذا صلحت النفوس فأقول : فليكن أخي ـ تي ـ سلطان و أنا وزيـره !

  • الزهرة البرية

    بخصوص المسلمة الأولى أنا لا أقبل بها لأن الواقع يؤكد أننا قادرون على منع التزوير شرط توحيد الجهود ووضع الإختلافات جانبا ولو مؤقتا.
    المسلمة الثانية سلمنا بها انطلاقا من التجربة الطويلة التي علمتنا أن مرشح السلطة هو من يفوز بالإنتخابات على مدى 52 سنة حتى أصبحت مثل التجارب العلمية ( نفس الشروط في التجريب تؤدي الىنفس النتائج).
    المسلمةالثالثة نستطيع تجنبها بتغليب صوت العقل والحكمة و محاولة تغيير أنفسنا للأحسن" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" والله الحافظ يحمينا بحوله وقدرته.

  • بلقاسم

    اذا كان هذا هو الحل لماذا لا تدعون صراحة الى التجنيد العام للذهاب الى صناديق الاقتراع و الحضور بكثافة عشية الفرز و يدافع الجميع عن صوته و اضن انه الاختيار الامثل شريطة تجند الجميع و الله الموفق

  • جزائري

    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و ياتيك بالأخبار من لم تزود

  • طالب جامعي

    انا اقول ببساطة المنظمات الطلابية بدون استثناء هي وفقط التي عندها الحق في غلق الجامعات..لكي تتحصل على رشوة ثم تفتح الجامعة ولا تجد المطالب المزخرفة حققت.اما انا والاغلبية لو نغلق الجامعة تاتينا القوات الخاصة و مكافحة الشغب و نديو القزولة ومن ثمة يطيرونا من الجامعة الى كوكب الهنود الحمر..هذه انا شاهد عليها مرة طالبت المنظمة ب100جهاز حاسوب و ستائر للاقسام وووو.وبعد 3شهر دخلنا ندرس واذا بهم 10حواسيب على الاكثر و الستائر لا توجد وبحكم دراستي للرياضيات 90 حاسوب 500مليون اذن نعطي 200ونربحو300