-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
خنادق عملاقة لمنع انتقال الجحيم إلى غابة بني ملول التاريخية

3000 هكتار تفحمت بغابات بوحمامة وشيليا بولاية خنشلة

الطاهر حليسي
  • 2088
  • 2
3000 هكتار تفحمت بغابات بوحمامة وشيليا بولاية خنشلة

الطريق من قايس نحو بلدية شيليا دائرة بوحمامة ولاية خنشلة، لوحة طبيعية خلابة، تجمع بين الجبال الخضراء والسهول الممتدة على الأطراف، الجائدة بأفضل أنواع التفاح، لكنها صارت منذ أسبوع، أرض معركة غير متكافئة، تخوضها أرتال الحماية المدنية وشاحنات رش المياه التابعة للدرك، وآلاف المتطوعين بالرفوش والمساحي وقواطع الخشب، ضد جيوش النار، التي حولت الديكور الساحر، وعلى طول كيلومترات لجبهة حرب وقتال، فسحب الدخان الكثيف المنتشرة على مرمى البصر مشكلة “أعشاش العقبان” شبيهة بصور القصف والحروب.

في منطقة “تواقات” وعند آخر منزل يواجه غابة صنوبرية كثيفة سمعنا زمهريرا مرعبا يشبه الريح لكن الفلاح المرابط هناك رفقة أبنائه وأفراد عائلته منذ أيام، لحراسة بساتين التفاح من التفحم الكلي نبهنا “إنه صوت النار الشرسة التي تأكل الأخضر واليابس على مقربة من عشرين مترا منذ عدة أيام، هذه أضخم محرقة رأيتها منذ ستين عاما، فآخر حريق مر من هنا كان زمن الاحتلال”،  قبل أن يحذرنا متطوعون من الولوج في الأعماق “احذروا أن تلتف حولكم النار من الأطراف، إنها فخ مطبق ثم لا تبتعدوا كثيرا، فأمس انفجرت قنبلتان قديمتان من عهد الاستعمار غير بعيد من هنا”.

أكواز صنوبر ناقلة للنار وانفجار بقايا ألغام

لا يبالغ الرجل في الوصف أبدا، فهواتفنا النقالة قرأت كتل الدخان كسحاب كثيف، وهذا يكفي للتوصيف، ففي عمق الغابة ترى أعمدة دخانية ملتهبة كأنها أعمدة مشاعل مصافي النفط، فالألسنة تمتد على عشرات الأمتار إلى الأعلى، تصعد وتخبو حسب حركة الريح، وتكثف الأوكسجين، كما أن فقاعات الدخان تثير انشطارا يقذف بشظايا النار على بعد عشرات لا بل مئات الأمتار، يقول لنا ضابط حماية مدنية كلف بتسيير شاحنتي إطفاء صعد فوق إحداها عون ليراقب بنظرات ميدان حركة النيران المتصاعدة قرب منطقة عامر “رأيت أمس شظايا تطايرت على بعد 500 متر، نظرا للطول الفارع للأشجار، هذا ما يساهم دون شك في توسع رقعة الحرائق، فأكواز الصنوبر “الزقوقو” تصبح والحال هذه مثل قنبلة يدوية، عندما تحترق تنفجر مثل أوراق ملتهبة لتنقل النار شذر مذر”.

يبدو أن هذا ما حول تلك الغابة لتنين ينفث نارا ذات صوت مفزع، ويبدو أيضا أنه لذات الأسباب توقف رجال الحماية المدنية، المنهكون، في خط التماس لحماية المنازل وبساتين التفاح وأملاك الناس، بدل الهجوم على ذلك الوحش، فليس للغابة من يحميها عدا طائرات الرش المنعدمة أو المطر القادم من المزن، إذ أن هدير طائرات عمودية لم يتوقف عن رش مناطق متاخمة للحد من توسع الرقع الملتهبة، نقول للحد لا للإنهاء، إذا لا تبدو حمولة 1000 لتر كافية للسيطرة على الوضع، كما أن خراطيم رش بعض فرق الحماية المدنية، وهي بطول لا يتعدى 80 مترا، داخل غابات تنصب فخخ النار بتواطؤ الرياح، في كل لحظة.

متطوعون بـ”البالات”

وفجأة يشير حارس نحو بؤرة نار قريبة، فيتقاطر متطوعون في محاولة لإخمادها بالرفوش والتراب لمنعها من الاقتراب من أشجار الصنوبر العملاقة والتي قد تتحول لأتون يقذف بالنار نحو مواقع أخرى، وفي الواقع يهب الناس في حركة عفوية للإطفاء وإن كانوا يعلمون أنها حركة فطرية تعبر عن اليأس أكثر عن الانتصار، ومع ذلك يؤدون واجب التحرك والوفاء للغابة والجبل، لمنع لحاقها للبساتين والمنازل والمواشي، ليقينهم بأنهم من يحاول حفر جبل بإبرة، وليس المظهر قاصرا على منطقة تواقات بل على طول خط التماس، الممتد عبر شيليا و بوحمامة.

وإيسومار وجعرير وبولغمان وقمودة حتى حدود التماس من الجهة المقابلة لحظيرة شيليا ولمصارة وغابة بني ملول الملتحمة مع ولاية باتنة عبر كيمل العظيم، فعلى طول الخط آلاف من المرابطين الذين يحرسون زحف النار، أو يقطعون مسالك، مستفيدين من هبة تضامنية واسعة النطاق تقاطرت من معظم بلديات ولاية خنشلة وباتنة وربما من ولايات أخرى مجاورة.

وأمام اقتراب النار من محيط قريب من مزرعة رجل بدا متوترا خائفا يسارع هو إلى حرث الأرض في منطقة عازلة، بهدف واضح هو ترطيب الأرض قائلا “إذا انفجرت اكواز أشجار الصنوبر إلى هنا فلن تجد الحشيش اليابس لتندلع فيه، إذ يكفي لجمرة واحدة أن تتسبب في معظم الشرر”، يهرع الإطفائيون بخراطيمهم لرش الأشجار القريبة استباقا للنار كي لا تلتبس بها، وتتقدم شاحنتا درك وطني متخصصتان في قمع الشغب بالمياه لقمع النار، ليس على سبيل الهجوم بل على سبيل الوقاية، بتبليل المحيط الغابي الفاصل بين النار والأشجار القريبة من البستان، قبل أن يلتزم الجميع وضعية التراجع، في انتظار الجديد، أما الغابات والجبال الواقعة في الداخل، فهي متروكة للنار حتى تشبع منها، حتى إنها تبدو من على قارعة الطريق كغربال محروم ببثور نارية، وطبعا لا تعدم أن ترى دموع الرجال والأهالي بسبب الإحساس بالعجز أولا ولعلم أخيرا أن لوحات طبيعية كانت مصدرا للفخر والبيئة والتوازن والحياة ستختفي ولن تعود كما كانت قبل أربعة أجيال كما يخبرنا إطار في قطاع الغابات.

طوارئ لإنقاذ أكبر غابة صنوبر حلبي بالجزائر

لم تنته النار بعد كي تتوقف جردة الخسائر الرئيسة والثانوية والتداعيات الوخيمة، إذ تشير صور جوية لمواقع أوروبية متخصصة أن ما يقارب 3000 هكتار مسها التلف، ناهيك عن خسائر حيوانية وفلاحية، دون حساب التأثيرات الإيكولوجية، ولذا بات الهاجس الأكبر للمصالح المختصة هو منع امتداد وحش النار الجائع لغابات محمية شيليا أرض الأرز الأطلسي الكثيف ونحو غابة أيث ملول لمصارة كيمل بباتنة، معقل القيادة التاريخية الأولى لجيش التحرير، وهي أكبر غابة صنوبر حلبي بالجزائر بمساحة 80.000 هكتار، لذا تجندت مصالح الغابات لولايتي باتنة وخنشلة، مدعومة بفرق وعتاد الجيش من أجل اقتلاع مساحات غابية متجاورة وإنشاء منطقة عازلة ذات خنادق كبيرة، لتوقيف النار عند حدها، إذ أن وقوع كارثة من هذا القبيل لا حد له في المدى المتوسط والطويل.

يحس الجميع بالقهر هنا، ويجمعون على أن الأمور ما كانت تصل إلى هذه الحال، في بلد بحجم الجزائر والتي تشكل نسبة غاباته 11 في المائة من مساحته القارية، ما يعادل 261.910 كيلومتر مربع، أي أن ثرواته الغابية بنباتها النادر تفوق مساحات دول، و مع ذلك لا يملك إمكانيات كافية، لحماية هذه الأوطان الغابية الضخمة، بدءا بمخطط عصري لتقطيع الغابات والدرونات المسيرة المستعملة للمراقبة والكشف المبكر عن الحرائق ثم الحواجز المائية المخصصة للغرض وغيرها. إنها أكبر الأسئلة التي تتطلب الإجابة قبل اختفاء عوالم خضراء ظلت رابضة هنا لآلاف السنين قبل أن تمحى في عصر السرعة وتوفر الإمكانات والأموال والوسائل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • طارق الجزائري

    يجب أن نصارح أنفسنا هناك ضعف كبير في وعي الكثير من المواطنين بأهمية الغطاء النباتي والغابات فهو غير مبالي بالانحسار الرهيب للأشجار ولا يتألم لاستحالة مساحات خضراء إلى منظر بشع لا يسر الناظرين هذا إذا لم يلتمس الأعذار لتجار الفحم وحتى التواطؤ معهم وعدم التبليغ عنهم فدائرة عيشه واهتمامه منحصرة ببيته وما يتعلق بها و المدينة التي يقطنها وما عداها خلاء بعيد عنه لا يعنيه في شيء.

  • بن بولعيد

    المتسبب الاكبر في هذه الحرائق والخسائر البيئية الكبري بمنطقةخنشلة والاوراس ولكل الجزائر هو تهاون المسؤولين المحليين عندنا من والي ولاية خنشلة الي رجال المطافئ ومدير الغابات والموظفون الفاسدون المرتشون بمديرية الغابات والمجلس الولائي وعدم مبالاتهم واحتقارهم لغابة تضم مختلف انواع الحيوانات والنباتات والاشجار النادرة جدا . نطالب بتنحية والي ولاية خنشلة ومدير الغابات وكذلك توقيف الموظفون بمديرية الغابات واحالتهم علي العدالة والتحقيق القضائي ومحاسبة اعضاء المجلس الولائي الذين لم يحركوا ساكنا وكان الامر لا يهمهم . الشكر والتقدير الاكبر لرجال المطافئ باتنةخنشلة وام البواقي ولجشنا الشعبي الوطني وقائد القطاع العسكري الخامس للولاية ولشباب المنطقة وحمامة ولمصارة