-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رؤية استشرافية من أجل الجزائر

التعليم: معركة شكل أم معركة مضمون؟

محمد سليم قلالة
  • 2092
  • 16
التعليم: معركة شكل أم معركة مضمون؟

يُفترض أن كافة المشكلات التي يَطرحها قطاع التعليم اليوم في بلادنا من أجور أو قوانين داخلية أو ترقيات أو سكن أو تقاعد… هي مشكلات شكلية يُمكنها أن تُنَاقش وتُحَل من خلال الأطر النظامية العادية ولا تَحتاج إلى كل هذا العناء من الأساتذة والتلاميذ والأولياء… الأسئلة الحقيقية والتي ينبغي أن تُطرَح، وتَحتاج ليس فقط إلى تضامن أهل المهنة معها، إنما لكافة مكونات المجتمع الجزائري هي تلك المتعلقة بمضمون ونوعية التعليم ودرجة كثافته والغاية منه، وهل بإمكانه تحقيق المطلوب منه اليوم أو غدا؟ ذلك هو السؤال.

يبدو وكأن مَركبة التعليم في بلادنا غرقت في الشكل ونسيت المضمون. غرقت في حل مشكلات لا تحتاج إلى كل هذا العناء والتأجيل والتماطل والتسويف. نمط ترقية الأساتذة، أو تحسين وضعيتهم الاجتماعية، أو ظروف العمل أو تطوير قانون أساسي للمهنة ليست بالمشكلات التي تحتاج إلى عبقرية كبيرة أو لسنوات لتحل، بل تحتاج فقط إلى إرادة فعّالة وشجاعة في تحمل المسؤوليات. المشكلات الحقيقية والمستقبلية مرتبطة بنوعية التعليم الذي يُقدَّم لأبنائنا، بذلك التناقض الكبير الذي نُعلنه في كل سنة بين نسب النجاح العالية في البكالوريا وضعف المستوى الملاحظ عند الالتحاق بالجامعات.

أحيانا يبدو لي وكأن هناك سياسة متعمّدة تجاه هذا القطاع ليبقى يتخبط في مشكلات الشكل كل سنة ولا يتمكن من الخروج منها إلى المسائل المتعلقة حقا بالمضمون. ما الذي نُقدِّمه لأبنائنا لكي يتعلموا في راحة من أمرهم، اللغات والمواد العلمية والثقافة العامة؟ كيف ينبغي علينا أن نجعل منظومتنا التعليمية مرتكزة على التعليم القائم على تثمين الذكاء والعبقرية بدل ذلك القائم على الحشو والحفظ الأعمى والتشجيع على النقل والغش ومكافأة البعض على شطارتهم في ذلك.

لا أتصور بأن هناك رضا لدى هيئة التدريس أو الإدارة في قطاع التربية على محتوى البرامج التي يُطلب منهم إتباعها لتعليم التلميذ. الكل يشتكي من كثافة المقررات ومن صعوبة تعميم فائدتها على كل التلاميذ، والكل يشتكي من ضعف  الإطار التربوي الذي يتحرك ضمنه المعلم والأستاذ والإدارة، بما في ذلك قطاع التفتيش الذي فقد صرامته وهيبته، أي أن الكل يعرف أن هناك مشكلة في المضمون، ولكنه لا يصل إلى طرحها مادام الشكل هو الغالب. أدنى الحلول للصعوبات المهنية المتعلقة بما يقدمه المعلم للتلميذ غير متوفرة، فكيف ينتقل إلى المطالبة بمستوى أعلى من التكوين للتلميذ أو حتى لنفسه كأستاذ.

وتنغلق الدائرة علينا في هذه القطاع وكأننا أردنا به شرا. لا يوجد طرف يحس بالرضا، أو يعمل في ظل محيط غير مناوئ: الإدارة المركزية، النقابات، الأساتذة، التلاميذ، الأولياء، إدارة المدارس والثانويات، المقتصدون، العمال، البلدياتالكل يعرف الخسارة اليوم. لا يوجد طرف رابح أو يدعي أنه يحقق ربحا حتى على حساب الأطراف الأخرى، إلا أن أكبر الخاسرين هو التلميذ رمز المستقبل الذي ينبغي أن تتمحور حوله ولأجله كافة السياسات. وهنا تكمن الإشكالية..

 هل تعتبر الوزارة نفسها قد قامت بمهمتها إذا ما توقف الإضراب وقبل الأساتذة الانتظار فترة أخرى؟ هل تعتبر أن القطاع يتحرك بفعالية ويؤدي مهامه إذا ما سكتت النقابات ودخلت في الصف؟ وهل نشعر جميعا بالراحة إذا ما عاد غدا أبناؤنا إلى مقاعد الدراسة؟

المشكلة تكمن في هذا المستوى، أننا مازلنا لم نتحرك بعد لأجل طرح مسألة مضمون التعليم بدل شكله. ثقل برامجه ولا جدواها في كثير من الأحيان. تعدد المعارف التي تتضمنها وضعف توزيعها على التخصصات، تعقيدها الزائد أحيانا وبساطتها المخلة أخرىمازلنا لحد اليوم لا نُكَوِّن لأجل الغد، لأجل أن يكون هذا التعليم سلاحا في يد متعلِّمه، يواجه به صعوبات الحياة وتحدياتها، لا تعليما من أجل التعليم وكفى.

لقد ولّى زمن ملء عقول الناس ورصّها بمعلومات بلا معنى، ونحن نعيش في زمن تشكيل العقول بطريقة جيّدة لكي تعرف ما تَملأ به نفسها.

 لقد طالبت اليونسكو منذ سنوات برفع شعار: رؤوس مُشََكَّلَة بطريقة جيدة، لا رؤوس مملوءة بطريقة جيدة، إلا أننا ربما لم نقرأه بالكيفية الصحيحة مادام القائمون على قطاع التربية عندنا مازالوا يتخبطون في مشكلات لها علاقة بملء قاعات التدريس، ملء المدارس وملء المقررات وملء البرامج وملء المساكن وأخير ملء الجيوب

 

ومادامت المشكلات بالنسبة لهم هي في هذا المستوى، ولم تصل إلى تناول موضوع المحتوى، فإننا ينبغي ألا نفرح حتى وإن وافقت الوزارة على تلبية كافة مطالب النقابات، لأننا ندرك أن المشكلة الحقيقية لم تُطرح بعد وحلولها هي التي تتطلب منا حقيقة الإشعار بالإضراب، ليس لأجل تحقيق مطالب هذه الفئة أو تلك، أو تحقيق هذه الأهداف الفئوية أو تلك، إنما للتنبيه أن مستقبل كل الدولة وكل المجتمع في خطر إذا لم تُعتمد مراجعة حقيقية وجذرية لهذا القطاع محتوى ومضمونا قبل أن يكون شكلا وآليات

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • حر من مسيلة

    كل ماقلته و ستقوله يا أستاذنا جميل و مهم و ضروري!!!! لكن تبقى الحركة و الفعل الواعي ليبعث فيه الروح و الفعالية وسط هذا الكم الهائل من المؤثرات الهائلة المضادة !!!!!!!! فمتى سنراك على رأس جمعية وطنية شبابية فاعلة أو على شاشة تفاعلية هادفة او مركز دراسات وبحث استراتيجي !!!!!!!!! فنحن في عصر الاعلام الجماهيري التفاعلي لمن أراد الاتصال و التأثير !!!!!!! هذا ما تعلمناه من عندكم أساذنا الحبيب .

  • Nabil

    تابع...مافياوية. هذا إضافة لظهور أشبه رجال أعمال، بعضهم لا يستطيع كتابة حتى جملة مفيدة، كدسوا المليارات بفضل الغش والسرقة والإختلاس، ومن قحالة قرائحهم يجهلون حتى ما يمكنهم أن يفعلوه بها، عدا تهريبها إلى الخارج. والطامة الكبرى هي أن المجتمع إنقلب في ظرف عقدين من الزمن، ب180 درجة، فقد خلالها قيَّمه وطموحه وأصبح يعبد المادة كإحدى ركائز وجوده. الكل يلهث وراء القروض، الكل يلهث وراء السكنات، الكل يلهث وراء المشاريع الوهمية. شعب كامل يشحذ، لا يحب العمل ويحتقر الإجتهاد والدراسة. إلى الهاوية نحن ذاهبون.

  • Nabil

    تابع...والذكاء سيسترد هيبته عندما يصبح المتعلم في نظر المجتمع هو الناجح، وهو الذي يحكم وهو الذي يترقى في المنصب وهو من توكل له المهمات السيادية، وهو الذي يجمع الأموال بطرق شرعية حلال. وهذا يختلف تماما عما هو عليه الحال في يومنا هذا. ولا توجد اي بوادر لتغير هذا الوضع! لأن القائمين عليها تسلقوا للمناصب ب"الكحيز" والمحسوبية والغش وحولوا المؤسسات إلى حضائر لعائلاتهم، وفاقد الشيئ لن يعطيه. كما أن الأحزاب أصبحت تنشأ كملك لمؤسسيها، تكرس الشمولية وتقزم الديمقراطية والتداول وتحولت إلى عائلات ...يتبع

  • Nabil

    تابع...الدراسة أبدا)، ويرى جاره وقد جمع الملايير بطرق مريبة رغم أن قدماه لم تطأ المدرسة، وفي المقابل، جاره الآخر، الذي كان ذكيا ومجتهدا في دراسته وحصل على عدة شهادات يراه مهمشا، محتقرا، يعيش حياة قريبة إلى الفقر، قلت لما يرى هذه النتاقضات، تنتابه تساؤلات عدة، وتزرع في نفسيته إحباطا وكراهية للدراسية ويصبح يراها مجرد مضيعة للوقت لا قيمة لها. وهذا مايؤدي بالكثير من أبنائها، خاصة الذكور، إلى الفشل في الدراسة ويبررون تخليهم عنها بالمقولة المشؤمة:"الليقراو شتاداروا".
    الدراسة ستستعيد مكانتها ...يتبع

  • Nabil

    مشكل أو مشاكل التعليم في الجزائر ليست فقط شكلية أو مضمونية بل هي أعمق من ذلك بكثير. مشكل التعليم الأكثر إيلاما هو تغير المعايير والقيم المجتمعية. أصبح المواطن يرى أن نسبة النجاح في حياته تقاس بنسبة الأموال التي يجنيها (بغض النظر عن طريقة جنيها)، وليس بنسبة الذكاء والتحصيل العلمي والثقافة والمهنية التي يكتسبها من خلال إجتهاده في الدراسة. التلميذ أو الطالب أو حتى المدرس لما يرى أن الكثير من حكامه يتكلمون بلغة غير لغته وبأسلوب ركيك لا يشرف بتاتا المنصب الذي يحتله (وكأنهم لم يلتحقوا بمقاعد ...يتبع

  • انس

    نعم هي الحقيقة ايها الاستاذ الفاضل نحن بحاجة الى المضمون ومواكبته للعصر ومدي تاثيره في سلوك الفرد حتى ننتج فرد صالح لنفسه ووطنه وله من القدرات ما يؤهله الى قيادة البلاد لكن المؤسف
    هو عقلية المنتسبين الى هذا القطاع الرافضين الى كل ماهو جديد
    كيف لمدير مؤسسة يطالب ويحث الاساتذة عاى استخدام الوسائل لتربوية وهم فنيانين واقع مر لازم تغيير العقليات والذهنيات واعادة هيبة التفتيش

  • ابوعبادة

    التعليم مستهدف منذ مدة .وقد بدأت ثمار ذلك تقطف ..تهميش إطارات القطاع : التفتيش ، الإدارة،(عدم الأخذ بآرائهم ومقترحاتهم المنبثقة من الميدان في جل اللقاءات التي تجمعهم بالوصاية).. تصنيف الأستاذ والمعلم في ذيل ترتيب السلم الاجتماعي.. تأليب المتعلم والولي على المدرس بفعل القوانين والتشريعات التي لاتكرس الانضباط بل تشجع على التسيب..إغراق السلك بمن لا يحق له أن يتولى تحمل وتبليغ الرسالة بحيث تحول إلى مهنة..وشتان بين المهنة والرسالة.. إغراق الأسبوع بساعات دراسة كثيرة على حساب نوع ومحتوى التعليم..

  • بنت عمران

    سيدي لقد كررت كلمة يبدو عدة مرات لمعالجة هذه المعضلة يجب ان نتحلى جميعا بالشجاعة ونقول ان ما يحدث في قطاع التعليم مخطط له وباتقان ليصبح جيل ما بعد هذه الديناصورات تائها لا يفقه شيئا وتكون البلاد لقمة سائغة لهم ولابنائهم ولاحفادهم ولاعداء الامة فبعد الستقلال كانت نصوص الابراهيمي ومالك بن نبي وكانت الكتب مجلدة لنشعر بقيمة محتواها اما الانهي نصوص منالانترنتمجهولة المصدر وكتب مهترئة كما محتواها أرجوك سيدي وامثلك ان تقوموا بدوركم اتجاه هذا الجيل واتجاه امانة الشهداء والمجاهدين المخلصين

  • زكريا

    شكرا على الإثارة ...
    أنا من الميدان ، درستُ في النظام الأساسي والنظام المتوسط ... وبكل بساطة لا أجد الفرق ... حتى أنه توجد دروس بحذافيرها في البرامج: كتدريس نظرية فيثاغورس لحساب المثلثات، أو الجداءات الشهيرة أو نص تمقاد أو موقع الجمل من الإعراب أو ... ما الفرق؟ مجرد هراء عن التدريس بالكفاءات لا أحد يفهمها ، فكيف يطلب منهم تطبيق ما لا يفهمون؟

  • صالح

    التعليم الجبد ليس في المتناول.
    كما تمنع شعوبنا من امتلاك صناعةنوويةقادرة على رفع التحدي تمنع كذلك من كل وسيلة توصل إليها وفي مقدمتهاالتعليم الجيد.
    إن الاهتمام بالمضمون وهو الاساس يقتضي استقلالية القرار، فالمناهج تملى ولورأينا الاخراج جزائري وإلا كيف يستبعد المعنبون من تقرير المناهج وتسند المهمة إلى لجنة لاخلاق لها فيه.
    لايمكن لشعوبناأن تبقى في تبعيتها للغرب والتعليم بها جيد ولذلك تفرض برامج لاتسمن ولاتغني لتبقى التبعية مطلقةفهم يسدون الذرائع التي تفك قيود التبعية
    فلا تكلفوا الناس مالا يطيقون

  • زكريا

    الشيء الأكيد أننا في كوكبين مختلفين.
    شتان بين نظام يحترم الإنسان، ونظام يرى الإنسان شيئا.
    شتان بين نظام يرى مسؤوليه المسؤولية أمانة وفرصة للرقي بأممهم، ومسؤولون يرونها مغنما وفرصة للثراء...

  • algerien

    السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
    أشكرك أستاذي الفاضل،فلقد أوجزت و وفيت و ذكرت لب الحقيقة،فإني تيقنت مع مرور السنوات أن المسؤولين على هذا القطاع مأمورون بمهمة تدمير التعليم في الجزائر.

  • ناصح أمين

    أُصبتُ بالدهشة وأنا أقرأ في إحدى الصحف ذات يوم بأن مضيفات الطيران في طايوان ( أو سنغافورة ) قمن بالإضراب ، وأي إضراب ، لقد قررن ألا يبتسمن في وجه الزبائن أثناء الرحلات ، سبحان الله، أي حضارة وأي رقي فكري هذا ؟! لم يخرجوا إلى الشارع ويحرقوا العجلات وووو ... كما نفعل نحن بل عبّروا عن تذمرهم بحرمان الزبون من الابتسامة ! شتّان بين هذا وذاك ، كأننا نعيش في كوكب وهم يعيشون في كوكب آخر .

  • نور

    شكرا جزيلا دكتور قلالة على هذا المقال الثمين الذي نورت به عقولنا وجعلتنا نعيد النظر وندقق في كل الجوانب الخاصة بالتعليم وخاصة المحتوى وأنا أتسائل كيف تتم معاجة جذور المشكلة؟ ومتى بدأت؟ ومسؤولية من؟ أنا شخصيا متخرجة من الجامعة ليسانس كلاسيك وملتزمة بأخلاق التعلم في مساري التعليمي وثقافتي محدودة نوعا ما وأطالع بعض الكتب ولكن لاأرغب في التعليم كوني غير مؤهلة جيدا وعندي إرادة قوية للتحسين والتغيير

  • علي

    شكرًا جزيلا لك أستاذي الكريم على هذا التحليل الممتاز ، فأنت من وضعت الأصبع على الجرح كما يقال ، فالأمر ليس بالهين كما يراه الكثيرون ، فالقطاع مقصود ضربه فعلا، فالإعلام والأولياء والنقابات والوزارة ، كل سنة يقيمون الدنيا ويقعدونها من أجل مطالب إجتماعية بسيطة - قديمة / جديدة - يمكن حلها بجرة قلم ، وأصحاب القرار يتعمدون في بقائهاقائمة كي لا يصل الكل إلى المضمون الذي تحدثت عنه ،و تبقى دار لقمان على حالها.

  • مواطن جزائري

    للاستاذ الفاضل سليم قلالة مقولة منذ ربع قرن مفادها ان التعليم في الجزائر لن يتطور ما دام صناع القرار يصرون على تهميش المحتوى الذي الحق ضررا فادحا بالمستوى. ولعمري ان صناع القرار هؤلاء يهمشون من تسند لهم مسؤولية وزارة التربية الوطنية فهم يختارون دائما الوزير من خارج قطاع التربية الوطنية ونطالبه بحل المشاكل المتراكمة للقطاع وهو لا يفقه حتى بعدا تربويا او علميا او بيداغوجيا يكفل له الانطلاق العقلاني للانطلاق.صدقت ماركيل المستشارة الالمانية لما قالت(نرفع اجور ومداخيل المعلمين لانهم علموا الكل )