ضرب الأساتذة مسؤولية الآباء
تزايدت في السنوات الأخيرة جرائم اعتداءات التلاميذ والطلبة على أساتذتهم داخل المتوسطات والثانويات وخارجها، وبلغ بعضُها حدّ طعنهم بالسكاكين والأسلحة البيضاء وضربهم أمام مرأى التلاميذ أو الغوغاء والدهماء في الشارع.
وبرغم خطورة هذه الجرائم بحقِّ من قال عنه حافظ إبراهيم يوماً إنه كاد أن يكون رسولا، إلا أن المغرضين يتحدثون عما يسمّونه “العنف المدرسي” المتبادل بين الأساتذة والتلاميذ، ويساوون بذلك بين الطرفين.
وإذا كانت أعصابُ الكثير من المعلمين والأساتذة تفلت في الكثير من الأحيان بسبب ضغوط عديدة ليس هذا مجال تفصيلها، فيقدمون على ضرب تلاميذهم بشكل مهين، ومبرّح أحياناً، فإنه ليس من اللائق أن نساوي بين الأساتذة والتلاميذ في هذا الجانب، ونتحدث عن”العنف المتبادل” بهذا الصدد، لأن المربِّي يكون بمقام الأب أو الأم، والمؤسسة التربوية هي الحاضن الثاني للتلميذ بعد البيت، وما دام الأمرُ كذلك، هل يمكن أن نساوي أيضاً بين الأب والابن، ونتحدث عن”العنف المتبادل” بينهما إذا تجرّأ الابنُ على أبيه وضربه بذريعة الرد على ضربه له أو تأنيبه وتجريحه؟
ليس من المقبول أن يُقدم الأستاذ على ضرب تلميذه بقسوة، ويسبب له جروحاً أو عاهة مهما كان السبب، هذا سلوكٌ مُدان، ولكن الأسوأ منه هو أن يقوم التلميذ بضرب أستاذه أو طعنه بسلاح أبيض بذريعة أو أخرى.
ولعلَّ مسبِّبات هذه الآفة عديدة، ولكن سلوك الأولياء إزاءها هو الذي زاد الطين بلة وضاعف جرأة أبنائهم على أساتذتهم.
في العقود الماضية، كان التلاميذ حينما يتعرّضون للضرب على يد معلميهم وأساتذتهم، يجتهدون لإخفاء الأمر عن آبائهم، لأن الأولياء آنذاك كانوا يقدّسون التعليم ويبجِّلون المعلمين والأساتذة ويوقّرونهم وينزلونهم منزلتهم التي يستحقون، فإذا ضربوا بعض أبنائهم، اعتبروا ذلك دليلاً على شغبهم أو كسلهم أو جرأتهم على الأساتذة، فيُقدمون بدورهم على إشباعهم ضرباً وتأنيباً وتقريعاً ويحرمونهم من تناول العشاء، وحتى من المبيت في المنزل العائلي أيضاً حتى يُحسِنوا تأديبَهم فيلزمون حدودهم ولا يفكِّرون بعدها في اقتراف تلك”الكبيرة” بحق الأساتذة.
اليوم اختلف الوضع، وأصبح التلميذ كلما ضربه أستاذه بسبب شغبه أو تجاوزه الحدود، يعود إلى البيت باكياً ليشكو لأبيه”قسوة” أستاذه، فيهرع دون تردد إلى المؤسسة التربوية ليتهجم على الأستاذ ولا يتورّع عن شتمه وتهديده أمام مرأى ابنه وباقي التلاميذ، وقد يتطور الوضع ويُقوم بضربه سواء داخل المؤسسة التربوية أو خارجها، وهو مطمئن إلى أنه لن يتلقى أي عقاب، فيزداد التلاميذ جرأة على أساتذتهم ويمعنوا من التطاول عليهم وإهانتهم، لأن آباءهم لم يعلِّموهم كيفية التأدب معهم وتبجيلهم، بل علموهم الوقاحة والاستهتار وسوء الأدب.
أليس من المفارقة أن الجيل السابق من الآباء أكثر توقيراً للعلم مع أن حظهم قليل منه وأغلبهم أميون، في حين يستخفّ الكثيرُ من آباء اليوم بالعلم، وقد أوتوا بنصيبٍ منه، ويهوّنون من شأنه أمام أبنائهم ويحرّضونهم على إساءة الأدب مع أساتذتهم ويتكفلون لهم بـ”حمايتهم” منهم؟ أبهذه الطريقة نُعلي من شأن العلم في البلد وندفع الأساتذة إلى التدريس بحماس وبذل أقصى جهد حتى يحقق تلاميذهم النجاح؟
عنف التلاميذ تجاه أساتذتهم تفاقم في السنوات الأخيرة، لأنهم لم يجدوا آباء -ودون تعميم- يحسنون تربيتهم ويزرعون فيهم قيم تقديس العلم واحترام المعلمين والأساتذة وتوقيرهم، ويُلزمونهم حدودهم، وبعدها تأتي أسبابٌ أخرى ومنها تفشي المخدرات وتحوّل المؤسسات التربوية إلى “سوق” رائجة لها، والتلاميذ القصّر إلى أول ضحاياها.
وقديما قيل “تربية الآباء قبل تربية الأبناء”.