-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
محاولات في السيرة والرحلة وكتابات إبداعية بنكهة كروية

نقاد وباحثون يتساءلون.. هل هناك أدب رياضي في الجزائر؟!

صالح سعودي
  • 599
  • 1
نقاد وباحثون يتساءلون.. هل هناك أدب رياضي في الجزائر؟!
ح.م
نموذج عن الأدب الرياضي بقلم الصحفي عبد الناصر بن عيسى

لم يتوان بعض الباحثين والنقاد والمهتمين في طرح تساؤل حول مدى وجود نوع أدبي يصطلح عليه بالأدب الرياضي، وهذا وفق تقسيم له مبرراته وخصوصياته، على شاكلة الأدب النسوي أو الأدب الإسلامي وغيرهما من التقسيمات التي تنضوي تحت لواء الأدب بشكل عام، ما جعل البعض يتساءل بشكل صريح، هل هناك أدب رياضي في الجزائر تصاحبه مسحة نقدية وتحليلية، وهذا وفقا للمحاولات التي تصب في خانة التأسيس، من خلال إصدار مؤلفات تتضمن كتابات أدبية وإبداعية بلمسة كروية.

إذا كان الكثير من المتتبعين يجمعون على وصف المكتبة الرياضية بالفقيرة من حيث المؤلفات والإصدارات، وهذا قياسا ببقية المجالات الأخرى، رغم أن الجلد المنفوخ يستقطب شريحة واسعة من الجماهير الذين يتابعون المباريات الرياضية عبر الشاشة الصغيرة أو من مدرجات الملاعب، ناهيك عن مطالعتهم لكل كبيرة وصغيرة في الجرائد والمجلات، إلا أن البعض يؤكد وجود بعض المحوّلات التي تصب في خانة التوثيق لمسار الرياضة والكرة، آخرها نشر المدرب الوطني السابق حميد زوبا لمذكراته التي كانت رياضية بحتة، وكذلك البطلة السابقة في الجيدو سليمة سواكري التي فضلت خوض غمار التأليف في ذات الجانب، موازاة مع تجربتها في مجال التنشيط التلفزيوني.

جهود في التوثيق وأدب السيرة الكروية

وعلاوة على الإصدارات الجديدة لحميد زوبا وسليمة سواكري، فقد شهدت المكتبة الرياضية محاولات قام بها عدة رياضيين وإعلاميين صبت في خانة التوثيق وأدب السيرة الكروية، في صورة الحكم الراحل خليفي أحمد ورشيد مخلوفي وغيرهما من الرياضيين الذين يمكن تصنيف كتبهم في خانة أدب السيرة، في الوقت الذي عمل بعض الإعلاميين والباحثين على التوثيق للرياضة الجزائرية، على غرار وزير الإعلام والاتصال السابق حميد قرين، الذي أثرى المكتبة الرياضية خلال فترة الثمانينيات بعديد المؤلفات، وفي مقدمة ذلك موسوعة حول تاريخ الرياضة الجزائرية بلغة النتائج والأرقام، وكتاب حول جوهرة كرة القدم الجزائرية لخضر بلومي، كما خصّص كتابا حول وفاق سطيف، موازاة مع تتويجه الإفريقي نهاية الثمانينيات، في الوقت الذي حظي فريق جبهة التحرير الوطني بمؤلف ساهم فيه رابح سعد الله وجمال بن فارس، وآخر ألفه مؤخرا الصحفي المغترب فيصل شحات، فيما أصدر حسين صديقي نهاية الثمانينيات كتابا حول رشيد مخلوفي، ووثّق لهواري لمسيرة اللاعبين الذين تقصموا ألوان المنتخب الوطني منذ الاستقلال إلى نهاية الثمانينيات، فيما بذل الكاتب الإعلامي سعيد سلحاني خلال السنوات الأخيرة سلحاني جهودا كبيرة لنفض الغبار عن تاريخ كرة القدم الجزائرية، حين ألف موسوعة شاملة حول تاريخ ونتائج جميع مباريات المنتخب الوطني منذ الاستقلال إلى غاية 2013، وعززها بموسوعة أخرى بنفس المنهج حول تاريخ ونتائج مباريات البطولة الجزائرية وكأس الجمهورية على مدار 52 سنة كاملة، وكتاب آخر حول تاريخ شباب بلكور، في الوقت الذي صدر للكاتب الإعلامي ناصر بن عيسي مؤلف حول مسيرة الجزائر في المونديال (نصف قرنمن الذاكرة)، عن دار الشروق للإعلام والنشر.

كتابات في الإبداع وأدب الرحلة بنكهة كروية

وبعيدا عن الإصدارات التي عرفتها المكتبة الرياضية في مجال التوثيق والتأريخ والأرشفة، فقد سجلنا محاولات أخرى في خانة تأسيس ما يصطلح عليه بالأدب الرياضي، حيث سجلنا مؤخرا إصدار كتب في أدب الرحلة لكن بنكهة يغلب عليها الشق الكروي، على غرار ما ذهب إليه الشاعر عزالدين ميهوبي عام 2011، حين أصدر كتاب “ما لم يعشه السندباد”، حيث تضمن مقالات واعترافات لها اتصال مباشر بالشأن الكروي، من ذلك محاورته السرية لنجيب محفوظ قبل ساعات عن مباراة كروية حاسمة نشطها وفاق سطيف في القاهرة لحساب نصف نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة عام 1988، وإشارته إلى المساهمة في هروب اللاعب العراقي السابق سعد قيس نحو النرويج، وتطرقه إلى شخصية الرئيس السابق لشباب باتنة رشيد بوعبد الله، وغيرها من الوجوه والشخصيات، ليثري هذا العمل بإصدارات أخرى فيما بعد تضمنت نكهة كروية بحتة، من ذلك “كتاب جابولاني.. قريبا من الكرة بعيدا عن الشباك”، وهي مجموعة مقالات رياضية بلمسة أدبية”، حررها موازاة مع مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، كما كانت له بصمة أخرى في الأدب الرياضي من خلال كتابه “ومع ذلك فإنها تدور”، كما كانت للإعلامي الشاب نجم الدين سيدي عثمان إسهامات في مجال أدب الرحلة، من خلال كتاب “رحلات جزائري في ربوع إفريقيا”، حيث حملت اعترافات ووصف لأحداث وحكايات ومشاهدات من مالي إلى ليزوتو في 137 يوم، كما أصدر نهاية العام الماضي كتابا آخر في أدب الرحلة الكروي إن صحت التسمية، وركز فيه على وصف وسرد أبرز محطات رحلاته إلى البرازيل خلال مونديال 2014.

عزالدين ميهوبي: الكرة تلعب في أمريكا كالشعر وفي أوروبا كالنثر

وفي الشق الإبداعي، فقد برز وزير الثقافة الحالي عزالدين ميهوبي بمؤلفات يراها البعض بمثابة لبنة لتأسيس ما يصطلح عليه بـ”الأدب الرياضي”، بلغة إبداعية أكثر منها إعلامية، حيث ألف 3 كتب هي (ومع ذلك فإنها تدور، كتاب جابولاني، ميسي والآخرون)، واعتبر عزالدين ميهوبي في حديث سابق لـ”الشروق” بأن لعبة كرة القدم تحوّلت إلى ما يشبه الثّابت في أيّ مجتمع، لما تتسم به من متعة وإثارة وإبداع.. وعن العلاقة الموجودة بين الكرة والفن والأدب يلخص عزالدين ميهوبي وجهة نظره لـ”الشروق” فيما يلي: “..يقول سيزار مينوتي، إنّ الكرة في أمريكا اللاتينيّة تُلعب كالشعر، أمّا في أوروبّا فيلعبونها كالنثر.. لهذا يحبّ النّاس لاعبي الأرجنتين والبرازيل والأورغواي وغيرهم من نجوم أمريكا الجنوبيّة.. لأنّهم يتعاطون الكرة كمتعة عالية، لهذا يطلقون على البرازيل منتخب السّامبا، والأرجنتين منتخب التانغو.. في حين تأخذ منتخبات العالم الأخرى أسماء الشياطين والمحاربين والطواحين والفراعنة والديكة.. ثمّ إنّ الإنسان يصفّق للكرة الجميلة مثلما يصفق لمقطوعة موسيقيّة أو مشهد مسرحيّ أو قصيدة شعر.. كلّ ذلك من إبداع الإنسان للإنسان..”. وسبق لعزالدين ميهوبي أن ساهم في نشر عدة مؤلفات تصب في التوثيق لتاريخ الرياضة في الجزائر، حين كان مديرا لأسبوعية “صدى الملاعب”، من ذلك مؤلف حول بلومي وآخر حول ماجر، إضافة إلى كتاب حول تاريخ كأس العالم، وكذا “طرائف الملاعب”، وغيرها من المؤلفات التي رأت النور نهاية التسعينيات.

إبراهيم صحراوي لـ”الشروق”: الأدب الرياضي موجود وفي حاجة إلى نقد يتابعه

قال الناقد والأكاديمي إبراهيم صحراوي في حديث لـ”الشروق” إنه ينبغي لنا بداية الاتفاق على مفهوم للأدب الرياضي، هل هو الأدب ذو المضمون الرياضي أم الذي يكتبه رياضيون حتى وإن كان في مجال غير الرياضة؟، مضيفا أنه مهما كان الأمر، فهذا النوع من الكتابات موجود برغم قلّته، سواء كتبه صحافيون للتعريف بشخصيات رياضية مثلا أو التأريخ لوقائع وأحداث رياضية (لا تعنينا هنا المقالات الإخبارية أو المقابلات الحوارية)، أم كتبه رياضيون (مذكرات أو تاريخ لحوادث رياضية)، وقد يكتبه آخرون لا ينتمون لأيٍّ من الفئتين (رواية تكون أحداثها ذات طابع رياضي مثلا). وقال الناقد إبراهيم صحراوي في سياق حديثه لـ”الشروق”: “نلاحظ أن المكتوب في الجانبين باللغة الفرنسية أكثر كميا من المكتوب باللغة العربية. وربما يعود ذلك إلى أن اللغة الفرنسية أكثر حضورا من العربية في المجال الرياضي، سواء أتعلق الأمر بالممارسين أو القريبين من المجال أم تعلّق بالإعلام”. وأوضح محدثنا أن الحديث عن نقد لهذا النوع من الكتابات يصدق عليه ما يصدق على ما يكتب في موضوعات أخرى. بمعنى أنّه قابل هو أيضا لأن يكون موضوعا لمتابعات نقدية في مستوى المضمون مثل مراجعة صحّة الحوادث والأخبار الواردة في الكتاب أم في مستوى الأساليب الكتابية وتقنياتها، وهنا أيضا يمكن حسب إبراهيم صحراوي أن يكون الناقد متخصّصا في متابعة الكتابات ذات الطابع الرياضي أو غير متخصِّص فيه.

واسيني وبوكبة يشيدان بثراء ونكهة الأدب الرياضي

أشاد عديد النقاد والمبدعين بالنكهة التي أضفتها الكتابات التي تصب في خانة الأدب الرياضي، حيث ثمّن الروائي والباحث واسيني الأعرج كتاب جابولاني لعزالدين ميهوبي، مؤكدا أن هذا الإصدار سدّ فراغا في الرياضة ولغة الرياضة، وحسب قوله فإنه يعادي في جوهره هذه الأصوليات التي دمرت الرياضة وزجت بها في مدارات ألحقت بها أضرارا كبيرة، مضيفا أن مقالات ميهوبي الرياضية مؤثثة بالمقولات الأدبية والفنية والموسيقية، وخرجت من دائرة البرودة والحشر التي يمتاز بها المعلق الرياضي. ومن بين ما خطه عزالدين ميهوبي في كتاب جابولاني هو وصف موقف المدرب الايطالي كابيلو حين كان مدربا لمنتخب إنجلترا في مونديال 2010، حيث أرغمه المنتخب الجزائري على إنهاء المباراة بالتعادل، ووصف ميهوبي المشهد بطريقة تعكس التلاقح بين الكتابة الإعلامية والأدبية فيما يلي: “وما أن انتهى اللقاء حتى تنفس كابيلو ونسي كعكة عيد ميلاده، وبدا له أن المباراة في تسعين سنة وليس تسعين دقيقة.. وأدرك أن لا أمل له في الفوز على محاربين رؤوسهم خشنة”. من جانب آخر، كان للكاتب عبد الرزاق بوكبة رأسه في كتاب “رحلات جزائري في ربوع إفريقيا” لنجم الدين سيدي عثمان، معتبرا أن هذا الإصدار ليس كتابا في أدب الرحلة بمفهومه السائد، بل حوارية متكاملة بين الشعر والقصة والرواية والتصوير والتشكيل والنحت والمسرح والسينما، مضيفا أنه كتب بلغة لم نتعود عليها من الإعلاميين الرياضيين، لأنها حسب قوله معجونة بالدهشة والفضول. فيما وصف الكاتب سعيد خطيبي هذا الإصدار على أنه مزج بين الكتابة الأدبية والتعليقات الصحافية بطريقة تسمح بمصافحة إفريقيا، “وتمنح لنا فرصة إعادة اكتشاف أنفسنا ونتدارك قليلا ما ضاع منا.. مادام أن في هذا الكتاب تتحول إفريقيا إلى لوحة مزركشة، إلى رواية بشخوص مجهولين، سيصيرون مألوفين لدينا، وتتحول المدن من أسماء إلى حكايات نقرأها بعيون جزائرية، ونسافر إلى بقاع عالقة بين حاضر صعب وماض متلبس بالأساطير”.

ويخلص بعض النقاد والمتتبعين إلى أن مفهوم الأدب الرياضي يبقى قابلا للتجسيد والتفعيل الميداني، وهذا وفقا للإصدارات والجهود الإبداعية التي ستعرفها المكتبة مستقبلا، سواء في مجال الرواية أو أدب الرحلة، وحتى في القصة والشعر وغيرها من الأجناس الأدبية التي تعانق اللغة الإعلامية، مع إضفاء مسحة نوعية بلغة أدبية ثرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • rezak

    نحن غير صالحين عقليا ( متخلفين ) و ماديا ( مفلسين ) و لا جسديا ( رياضيا ) فعن أي أدب تتحدث ، نحن نشارك الغرب في لعبتهم و لكن الفوز دوما لهم ( أي دوما للمسيحين ) و أنت تحاول التأدب بآدابهم ، فنحن كذلك متخلفين روحيا ( دينيا ) ، قوم تبع بلوطة ، أنتم الضياع بحد ذاته