-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وجهات نظر

الطلاق الرباني والطلاق الشيطاني

الطلاق الرباني والطلاق الشيطاني
ح.م

الطلاق في كتاب الله مرتان، ثم في الثالثة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ((الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)) لكنه كذلك في شرع الله نوعان، طلاق رباني وطلاق شيطاني.

وقد تتساءل كيف يكون الطلاق ربانيا وهو مما لا تحبذه الشريعة ولا تتوق إليه، وقد ورد هذا المعنى في حديث ضعيف يحفظه الناس ويرددونه، وهو مروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم “أبغض الحلال إلى الله الطلاق” وقد ضعفه الشيخ الألباني وغيره من العلماء، إلا أن معناه صحيح، فالشريعة تتوق إلى استقرار الأسر وتدفع الطلاق ما أمكن، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وآله وسلم لزيد بن حارثة ((أمسك عليك زوجك واتق الله))

إلا أن الطلاق يكون ربانيا من جهة أن الله عز وجل شرعه بشرطه، وذلك في قوله تعالى ((أو فارقوهن بمعروف)) وفي قوله ((أو تسريح بإحسان)) وهو ما يسميه الفقهاء الطلاق السني، وهو الذي يقع طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، أي أن الرجل إذا أراد تطليق زوجته فإنه ينتظر حتى تحيض فإذا طهرت من حيضها تلفظ بلفظ بطلقة واحدة، بشرط أن لا يكون قد جامعها في ذلك الطهر، وعليها بعد ذلك أن تمكث في بيتها للعدة ثلاثة قروء، ولا يجوز له أن يخرجها ولا يجوز لها أن تخرج ((لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)) فلربما وقع في نفسهما ما يذهب سبب الطلاق فيرجعها إلى عصمته وهي لا تزال في بيته وتحت سلطانه، أما ما يقع اليوم فما أبعده عن الطلاق الرباني، بل أصبحت مراحل الطلاق عندها: خصام فخروج من البيت فهجوم على البيت واستيلاء على الأثاث، فمحكمة فصراع على الأبناء ورغبة في الانتقام وشتات للأسرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا الطلاق الرباني هو الذي وعد الله عليه بالغنى في قوله تعالى ((وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته)) قال الزمخشري : بمعنى وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا يرزقه زوجا خيراً من زوجه وعيشاً أهنأ من عيشه (تفسير الكشاف ج1 ص 573) وقال ابن كثير: أخبر تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه، بأن يعوضه بها من هو خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه: {وكان الله واسعا حكيما} أي: واسع الفضل عظيم المن، حكيما في جميع أفعاله وأقداره وشرعه. (تفسير ابن كثير ج2 ص432).

هذا الغنى الموعود في الآية يتحقق لمن حققا شريعة الله عز وجل في الطلاق، فالتزم الزوج بالطلاق السني، والتزمت الزوجة بما ينبغي عليها من العدة في بيتها، إلا إن منعها مانع قاهر، كظلم من الرجل أو خوف على نفسها منه.

ومن أهم أسباب التوفيق الإلهي في الطلاق، أن يكون له سبب معتبر في الشرع، فليس للمرأة أن تطلب الطلاق في غير ما مضرة معتبرة شرعا، قال صلى الله عليه وآله وسلم “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة” صححه الشيخ الألباني، (صحيح ابن ماجة برقم 1685) أما أن تطلب الطلاق من زوجها دون ضرر معتبر، فهذا طلاق لا يرضاه الله عز وجل، ولذلك فإن التوفيق الإلهي لا يصاحب هذه الزوجة، ولا يتحقق لها الوعد الإلهي الوارد في القرآن الكريم ((يغن الله كلا من سعته)) بل لربما عوقبت بالنعمة التي فرطت فيها، وتضييعها لزوجها الذي هو من أعظم نعم الله عليها، فبقيت دون زواج، والواقع المشاهد يثبت هذا، فكثير من النساء اللاتي طلبن الطلاق في غير ما بأس ضاعت حياتهن بعد ذلك، وهذه عادة الله فيمن بطر نعمة الله وفرط في شكرها.

الطلاق الشيطاني هو الذي لا يكون على السنة، أو يكون بسبب غير معتبر شرعا، كأن تطلب المرأة من زوجها الطلاق من أجل وظيفتها أو دراستها أو تطلب الطلاق لأنه يريد أن يتزوج عليها، فليس هذا من الأعذار المعتبرة في الشريعة الإسلامية، وليس يحق للمرأة أن تطلب الطلاق بسببه، لأنه من شرع الله، وما كان من شرع الله فإنه يدخل في طاقة الإنسان، لأن الله لا يشرع إلا ما هو في طاقتنا، كما قال تعالى ((وما جعل عليكم في الدين من حرج)) فلا يوجد حكم شرعي فيه حرج ومشقة على الناس، لأن هذا مناف لأصل هذه الشريعة السمحة (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)).

وأما من تقول إنني لا أطيق هذا الأمر فهي كمن يقول إنني لا أطيق الصوم أو الحج، فالأصل أنه لا يقبل قوله ويلزمه الصوم والحج إلا أن يأتي بما يثبت عجزه كمرض مثلا، أما المسلم الطبيعي فإنه يطيق الصوم ويطيق الحج ويطيق الصلاة في أوقاتها المشروعة، وهكذا المرأة فإن الأصل إطاقتها لأمر التعدد رغم ما فيه من مشقة، إذ هذه المشقة هي سر الابتلاء في هذا التشريع الرباني الذي هو مما يختبر الله به إيمان المرأة وصبرها وتعلقها بخالقها وقبولها لشريعته.

قال الشيخ الدردير: “ولها أي للزوجة التطليق على الزوج بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعاً كهجرها بلا موجبٍ شرعيٍ، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها…لا بمنعها من حمامٍ وفرجةٍ وتأديبها على ترك صلاةٍ أو تسرٍ أو تزوج عليها، ومتى شهدت بينةٌ بأصل الضرر، فلها اختيار الفراق” الشرح الكبير2/345.

إن الحياة ممر سريع إلى الآخرة، وإن على المؤمن والمؤمنة أن يسعى في تحقيق التدين الكامل الذي يشمل جميع مناحي الحياة كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله)) فلا يكفي أن تكون صلاتك ونسكك لله، بل ينبغي أن تكون حياتك ومماتك لله، فمتى يصل التدين فينا إلى هذا المستوى؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!