-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بايدن وترامب.. وجهان لعملة واحدة

بايدن وترامب.. وجهان لعملة واحدة
ح.م

كلما عاد الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية اشرأبت الأعناق تجاه واشنطن، باعتبارها عاصمة الكرة الأرضيّة قاطبة، وما يجري فيها ينعكس على كل أرجاء المعمورة، وفي مقدمة هؤلاء الجغرافيا العربية والإسلامية، كونها الأكثر تضررا وعرضة للتدخلات الأمريكية في منطقتها وأوضاعها الداخلية، فما الذي يعنينا نحن من سقوط دونالد ترامب المدويّ وصعود جو بايدن المصحوب بتفاؤل كبير وسط المقهورين عالميّا وعربيا على وجه التحديد؟ وهل تداولُ الزعماء على البيت الأبيض يؤدي بالضرورة إلى تعديل سياسات أمريكا قراراتها وخياراتها الجيوبوليتكية تجاه الأمة العربية والإسلامية؟

ليكن معلوما أن المتواتر في المراجع المهتمة بالسياسة الخارجية الأمريكية أن هذه الأخيرة هي حصيلة تفاعل وتداخل بين عدة مراكز قوى مؤسساتية، في إطار مجموعة مبادئ أساسية محدِّدة للبوصلة، ما يعني في النهاية أنها لن تكون أبدا منبثقة من إرادة شخص ولا حتى مؤسسة منفردة بالسلطة، خاصة فيما يتصل بجوهرها وليس مظاهرها المتحوِّلة زمنيّا.

لذلك تشترك في رسم تلك السياسة الموجهة نحو الخارج، حسب المختصين، عدة مؤسسات دستورية من السلطتين التنفيذية والتشريعية، عن طريق البيت الأبيض مع وزارات الخارجية والدفاع والمخابرات والكونغرس.

لكن المؤكد كذلك أن لجماعات المصالح، وفي مقدمتها المركب العسكري والجماعات النفطية، دورا مؤثرا جدا في صنع القرار الخارجي.

والدور نفسه تضطلع به لوبيات الضغط، وعلى رأسها اللوبي الصهيوني والحركة المسيحية الصهيونية، دون إغفال تأثير المؤسسات البحثية ممثلة في مراكز الدراسات والتفكير.

أما مرتكزات سياستها الخارجية فهي الدين بالدرجة الأولى؛ إذ تمثل المعتقدات الدينية أساس البنية الفكرية والقيمية التي ساهمت في تشكيل التصور الأمريكي في بناء سياسة خارجية تجاه العالم، وخاصة الإسلامي منه، حيث يعتبر قادة أمريكا أنّ حماية إسرائيل ضد المسلمين التزامٌ دينيٌّ يجد أساسه في العلاقة اللاهوتية المركبة بين البروتستانتية الأصوليّة واليهودية، والتي أفضت إلى تشكّل الحركة الصهيو- مسيحية.

لذا، فإنّ منْ أهمّ ما ورد في أول خطاب يُلقيه جُو بايدن بعد انتخابه رئيسا “قال لي جدي وقالت لي جدتي لما كنت صغيرا: يا جُو أنشر الإيمان، يا جو أنشر الدين”، والمقصود طبعا هو الصهيو- مسيحية.

بينما ثاني المبادئ هو الرأسمال كمحدد وثابت رئيس في السياسة الخارجية لأمريكا، حيث تجنح دوما نحو الخيارات التي تخدم أصحاب رؤوس الأموال ومصالحها القوميّة، أما ثالثها فهو “القوة”، إذ يعدّ استخدامها تاريخيّا مكونا أساسيا في بناء الأمة الأمريكية.

وعندما يتعلق الأمرُ بالجغرافيا العربية تحديدا، فإنَّ أهم مبررات السياسة الأمريكية هما: أمن الكيان الصهيوني وضمان تدفق النفط.

وبغضِّ النظر عن تطور السياسة الخارجية الأمريكية وفق نظريات التيار الانعزالي والواقعي والويلسوني المثالي، فإن أمريكا دولة مؤسسات ولوبيّات، خاصة لما يتعلق الموقف بالملفات الإستراتيجية الكبرى، فهي لا تخضع لتعاقب الرؤساء، بل ترتبط بالمصالح القومية العليا للأمة الأمريكية وهي مقدسة عند الجميع، ما يجعل سياستها في المنطقة العربية تتسم بالاستمرارية ولا تتأثر بتبدُّل الزعماء.

ربّما الفرق الوحيد يكمن في المقاربة الإجرائية لتنفيذ السياسة الخارجية لأمريكا، وفقًا لتصورات التيار الفكري الحاكم والمقتضيات البراغماتيّة لكل مرحلة، حيث كانت الآليات مختلفة تاريخيّا بين منظور الجمهوريين والديمقراطيين، إذ جنح التيار الأول غالبا إلى منطق “القوة الأمريكية”، بكل ما تعنيه من تدخلات عسكرية وحروب استباقيّة وسياسات خشنة، مثل ما حصل في أفغانستان والعراق نموذجًا، بينما يميل الفريق الثاني إلى “القوة الناعمة” تحت عناوين التفاوض (إيران) والدبلوماسية (كامب ديفيد وأوسلو) وحتى المساومة والاحتواء والمظلة الأممية، لتسويق صورة أمريكا الأخلاقية.

إذن سياسة أمريكا الخارجية تجاه العالم لن تتغير فعليّا، لكن ربَّما يكون الديمقراطيون أكثر نعومة شكليّا في علاقة أمريكا بالعرب والمسلمين، لكن سياستهم قد تكون أخطر عمليّا وفق تقدير الخبراء، لأنها تُنفَّذ في هدوء، بينما سياسات الجمهوريين مكشوفة وأحيانا غبية في استفزاز ضمير الأمة واستنفار قواها الحية، وحتى إحراج المجتمع الدولي، ما يجعلها قابلة للمواجهة أو المقاومة على الأقل.

الخلاصة: كل تلك المؤشرات تؤكد أنه لا فرق بين العجوزيْن، الراحل دونالد ترامب، والوافد جو بايدن، فيما يتعلق بالتحيّز الكامل لتعزيز موقع الكيان الصهيوني، واستغلال ثروات العالم في كل مكان لأجل مصالح أمريكا وحدها، وبكل الطرق مهما كانت مرفوضة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • elarabi ahmed

    أمريكا لها سياسة داخلية وليس لها سياسة خارجية بل علاقات خارجية ولهد يتم رسم استراتجية من طرف مؤسسات متعددة كما تضع مراكز التفكير ملفات ويختارون لها التوقيت والشخض المناسب لتنفيدها .

  • جزاءري

    أمريكا تحكمها حكومة خفية ذات نفوذ واسع ولها استراتيجيتها على المدى الطويل لا يستطيع اي رءيس تغييرها من إلقاء نفسه . الرؤساء يؤتى بهم وينصبون ويختارون افضل من يستطيع تنفيذ الاستراتيجية في المرحلة المعروفة . اذا كان لا بد من مجنون لتنفيذ التخلاط فسياتون لواحد مثل ترامب ليبتز اموال السعودية وينسحب من المعاهدات ويتالب الصين . عندما يجب تجميل الصورة فسيتم ابعاده . قضية الانتخابات مجرد مسرحيات تماما كما في أي بلد والفرق الوحيد هو القدرة على الاقناع بنزاهة الانتخابات . ترامب انهى المهمة والان يجب التقييم والتغيير . بالنسبة لاسراءيل لن يتغير شبىء الاستراتيجية لن تتغير بل فقط التكتيك .