جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر من منظور القانون الدولي الإنساني

شهدت الجزائر العاصمة وضواحيها في اليوم الأول للغزو الفرنسي، سقوط كثير من القتلى والجرحى والقصف المدفعي والهجمات، والعنف والدمار لحق كثيرا من الأشخاص والأعيان المدنية، واجرى خلالها الاعتقالات، وأسر لأفراد الجيش وأعمال إرهابية ضد الناس العاديين ممن كانوا يؤدون عملهم اليومي، و ولحقت نفس المعاناة شخصيات فاعلة على الساحة المحلية أو الدولية، وموظفي الحكومة، وزعماء المعارضة والعسكريين ورجال الشرطة، مما كان له عواقب وخيمة، بوجه خاص على الوضع القانوني للدولة الجزائرية وعلى حياة السكان المدنيين. وهو ما يجعلنا أمام سؤال محيّر، هل كانت هناك شرعية للجرائم المرتكبة، أو القدرة عن الدفاع عنها قانونا؟
ومن الناحية الأخرى، يوجد التزام قانوني ملفوظ بوضوح بشأن المقاضاة على الجرائم التي تتسم بملامح الغزو والاحتلال كرّستها محكمة نورمبرغ سنة 1945. ومن ناحية أخرى فإنه لا جدال في تطبيق القانون الدولي الإنساني العرفي والتعاهدي حول الالتزام بحظر استعمال العنف ضد الأفراد وتدمير الممتلكات، ولذلك يظل من العسير الدفاع عن ترويع المواطنين وإجبار الحكومات على القيام أو الامتناع عن القيام بعمل ما، وجعل السكان هدفا للعنف العشوائي.
يدرس هذا المقال جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر على ضوء الحماية القانونية المكفولة للدول والأشخاص والأعيان المدنية بالقانون الدولي الإنساني العرفي والتعاهدي، وكذلك مدى اعتبار الممارسات الفعلية انتهاكات جسيمة (جرائم)؟
ثانيا – الالتزام بالقواعد المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة
ينبغي أن نتذكر بأن القانون الدولي الإنساني تناول جرائم الاستعمار الفرنسي[1] بوصفها انتهاكات جسيمة، أي الجرائم تمارس ضد الشعب الجزائري طيلة فترة الاحتلال، فقد أقرت جملة من النصوص ما هي الأفعال التي تعد بمثابة جريمة والتي تعبر الأجزاء الرئيسية منها عن قواعد القانون العرفي. وما قد يبدو جرائم في هذا السياق ما تقرر في المادة (50) من اتفاقية جنيف الأولى والمادة (51) من اتفاقية جنيف الثانية، والمادة (130) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (85/1) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقية جنيف[2].
وتوضح هذه المواد الأفعال التي تعد جرائم دولية، إذا ما اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية مثل القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة، وتدمير الأعيان المدنية أو الممتلكات أو الاستيلاء عليها على نطاق واسع لا تبرره الضرورات الحربية، وبطريقة غير مشروعة وتعسفية في ظروف الحرب والاحتلال.
وقد يقول قائل بأن جرائم الاستعمار الفرنسي لم تكن مدرجة في اتفاقيات سارية إلا اعتبارا من عام 1949، ولكن الاعتقاد الراسخ أنها كانت معروفة جيدا في الأوساط القانونية ولأنها تمثل بعض أكثر الإساءات الممكنة ضد الشخص بشاعة وضد الأعيان المدنية، فضلا عن كونها جزءا من القانون العرفي.
ولم يكن الادعاء بعدم معرفة الجرائم في عهد الاحتلال ذا قيمة قانونية، بعد أن تعززت الادعاءات بحدوث انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني[3]، بما في ذلك عمليات الإبادة الجماعية. ومنذ القديم كانت الجرائم التي تحدث في حالات الاحتلال، بمثابة مخالفة للقيم والمبادئ الأساسية التي يتفق عليها المجتمع الدولي بأسره. ومن ثم كانت هناك معايير للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
لفهم المقصود من ذلك من الناحية العملية أن جرائم الاستعمار كان لها إطار عرفي قبل أن تدرج في الصكوك الدولية، ولذلك لم تعد موضع جدل بين رجال القانون، ويبدو أن الأمر قد حسم بعد الاعتراف صراحة في نص المادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول بأن الأفعال التي يمكن أن تكيّف بأنها انتهاكات جسيمة تعتبر بمثابة جرائم حرب[4].
وينصح من أجل فهم جرائم الاستعمار تناول المعاهدات الراسخة للقانون الدولي الإنساني، التي نظمت الأفعال المجرمة، فأصبح مفهوم هذه الجرائم يشمل جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفا للهجوم، وشن هجوم عشوائي يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية عن معرفة بأن مثل هذا الهجوم يسبب خسائر بالغة في الأرواح، أو إصابات بالأشخاص المدنيين أو أضرارا للأعيان المدنية.
وينشأ تساؤل عما إذا كان من الممكن تطبيق هذه الجرائم على حالات الاحتلال؟ ويبدو الرد بالإيجاب ليس بعيد المنال، فوفقا لعبارة (قمع الانتهاكات) سيفتح المجال لإدراج الانتهاكات التالية ضمن الجرائم: اتخاذ المواقع المجردة من وسائل الدفاع، أو المناطق المنزوعة السلاح هدفا للهجوم، واتخاذ شخص ما هدفا للهجوم، عن معرفة بأنه عاجز عن القتال. وقيام دولة الاحتلال بنقل بعض سكانها المدنيين إلي الأراضي التي تحتلها أو ترحيل أو نقل كل أو بعض سكان الأراضي المحتلة داخل نطاق تلك الأراضي أو خارجها. وكل تأخير لا مبرر له في إعادة أسري الحرب أو المدنيين إلي أوطانهم، وممارسة التفرقة العنصرية (الابارتهيد) وغيرها من الأساليب المبنية علي التمييز العنصري والمنافية للإنسانية والمهينة. والتي من شأنها النيل من الكرامة الشخصية، وشن الهجمات علي الآثار التاريخية وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي يمكن التعرف عليها بوضوح، والتي تمثل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، وتوفرت لها حماية خاصة بمقتضى ترتيبات معينة. وحرمان شخص من حقه في محاكمة عادلة طبقا للأصول المرعية.
وأخيرا، فقد بلغ القانون الدولي الإنساني مرحلة تتفق فيها معظم الدول على أن جرائم الاستعمار تتمثل في كل سلوك محظور يقع تحت طائلة الجزاء ، وبالتالي لا تختلف عن الانتهاكات الجسيمة لهذا القانون، فهي من الأمور التي تتحدد من خلال الخروق الخطيرة لقواعد هذا القانون التي ترتكبها دولة الاحتلال ضد الأشخاص والأعيان المدنية، ويستفيد ضحايا هذه الانتهاكات بالتأكيد من الالتزامات الناشئة من القانون الدولي الإنساني، وكثير من تلك الالتزامات مصاغة بوصفها التزامات بين الدول.
ثالثا – أنماط الجرائم التي تم اعتمادها
مارس الاستعمار الفرنسي أنماطا من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني ضد الجزائريين وهو المفهوم الذي اعتمدته معاهدات عديدة سبق أن المحنا لها في هذه الدراسة، كانت حصيلتها أكثر من خمسة ملايين قتيل طيلة قرن وربع، حسب الرئيس الجزائري[5]. ولكون النصوص الحديثة، ومنها المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية[6]، تتناول تلك الانتهاكات في أنواع من الجرائم، يبدو مبررا تحديدها في الجرائم التالية:
1 – جرائم الإبادة الجماعية (Genos):
تأتي جريمة الإبادة الجماعية بخصوص السكان الجزائريين في اعتراف اتفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها عام 1948، من زاوية القانون الدولي الإنساني[7]، وقد كرستها فرنسا من خلال عمليات الإعدام غير القانوني والتعسفي والعاجل الذي لا ينتظر أحكاما قضائية، وظهرت في هذا السياق ضمن أعمال العنف والإخلاء غير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأراضي المحتلة، وتطبيق سياسة التجويع.
ولم يمض وقت طويل على الغزو حتى بدأت فرنسا في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، نذكر منها بعض الحالات التي تكررت في كثير من المؤلفات في ذلك المجال، وتأكد فيها القصد الجنائي “النية” على ارتكاب جريمة الإبادة بالقضاء كليا على السكان الجزائريين، مثلا المذابح الرهيبة التالية: مجزرة مدينة “البليدة في 26 نوفمبر من عام 1830، التي لعب فيها قائد الحامية الفرنسية ” الضابط “ترولير Trolere ” دورا رئيسيا في عمليات قتل سكان المدينة البالغ عددهم قرابة الألفين مواطن، وحول المدينة إلى مقبرة في بضع ساعات، بعد أن كانت تنبض بالحياة.
والجريمة الأخرى من ابداع الرائد “دي مونتانياك” بنواحي سكيكدة عام1843 ، وتعد تصريحاته بمثابة توثيق يستهدف إبادة جماعية للجزائريين، فقد اعترف بأن العرب يجب أن يقتلوا، ويجب أن يقطع رأس كل من يرفض الزحف كالكلاب عند أرجل الفرنسيين. وأن العرب ما فوق الخمس عشرة سنة، يجب أن يعدموا أفضل من إيداعهم السجن، بغض النظر عن عرقهم وجنسهم .
والمثال الأخير عن الإبادة مجازر 8 مايو/أيار 1945، راح ضحيتها أكثر من 45,000 من المدنيين في كل من سطيف وقالمة وخراطة[8]. وعلى جانب آخر تورطت فيها الشرطة الفرنسية والقوات البرية والجوية والبحرية، وهو ما أدى إلى تدمير قرى ومداشر ودواوير بأكملها بسبب أعمال القتل.
ويمكن القول أن سلطات الاحتلال الفرنسي قد فشلت في تنفيذ التزاماتها بموجب المواد 1، 3، 4، 5، 6 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي تنص في مجملها على وقف التآمر، أو التحريض، أو التواطؤ، أو عدم المعاقبة على أفعال الإبادة الواقعة في المادة 2 منها والتي تصب جميعا في منع الإبادة الجماعية في الأراضي المحتلة. ويبدو أن فرنسا قد توسعت في ارتكاب جريمة الإبادة ضد الجزائريين لسببين: الأول الرهان على عدم صدور عقوبات عليها. والثاني، ضعف الاتفاقية، حيث أن أقصى ما في المادة الثالثة من نصوصها تُحيل المتهم إلى محاكم الدولة التي ثبت ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضدها، أو إلى محكمة أخرى يتفق عليها الطرفان المتخاصمان، وبذلك سيكون قرارها هو أقرب للرأي الاستشاري منه إلى قرار حكم.
2 – جرائم الحرب Crimes War
ينبغي أن تفهم جرائم الحرب بأنها مخالفات لقوانين والحرب وأعرافها المنطبقة في النزاعات المسلحة، سواء كانت صادرة عن المتحاربين أو غيرهم، قصد إنهـاء العلاقـات الودية بين الدول المتحاربة[9]. وتقع هذه الجرائم في نطاق الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، التي تشمل ارتكاب السلطات الفرنسية أفعالا ضد السكان الجزائريين والأعيان المدنية المحميين، مثل أعمال القتل العمد؛ والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، تعمد إحداث معاناة شديدة وإلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة؛ وإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة؛ فضلا عن إرغام أسرى الحرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قواتها المسلحة؛ وتعمد حرمان الشخص من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية؛ الإبعاد أو النقل غير المشروعين والحبس غير المشروع؛ وأخذ رهائن.
ولا يتسع المقام لسرد كافة جرائم الحرب المرتكبة أثناء الاحتلال[10]، ولكن نذكر بأنها كانت جزءا من سياسة السلطات الفرنسية المدنية والعسكرية، وهو ما عبّر عنها بعض العسكريين الفرنسيين، ففي تعليق مستفز من حاكم سطيف الجنرال (لويري داربوفيل Loyré d’Arbouville) لـ (الكولونيل بيليسييه) فحواه “كل مسؤولياتك العسكرية التي أديتها في مغارات أولاد رياح تزيدك شرفا، وإني شخصيا لأباركها جملة وتفصيلا، ولا طالما خجلت من نفسي لأن الحظ لم يحالفني مثلك في هذه المهام”، يأتي ذلك بمناسبة تنفيذ (الكولونيل بيليسييه) للمحرقة وعلق عليه قائده (بيجو) “إذا انسحب هؤلاء الأوغاد إلى كهوفهم دخنوا المداخل، عاملوهم كالثعالب .[11]“
نخلص إلى أن جرائم الحرب، هي نتاج الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، وقد تضمنت فترة الاحتلال قدرا كبيرا منها الأمر الذي تركت آثار مدمرة على السكان والأعيان المدنية. فكم من الهجمات كانت ضد السكان المدنيين وضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية؛ ومن تعمد توجيه هجمات ضد مواقع لا تشكل هدفا عسكريا؛ وشن هجمات ضد موظفين حكوميين ومنشآت مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية (الوقف)، وتعمد إلحاق ضرر واسع النطاق وطويل الأجل؛ وقصف للمدن والقرى والمساكن التي لم تكن أهدافا عسكرية، وقتل وجرح مقاتل استسلم مختارا، بعد القاء سلاحه ولم تعد لديه وسيلة للدفاع.
3 – الجرائم ضد الإنسانية
هناك في الوقت الحالي معاهدات عامية تحظر الجرائم ضد الإنسانية، ودخلت مجال القضاء الدولي من خلال المادة السادسة الفقرة (ج) من نظام المحكمة العسكرية في نورمبرغ[12]، تناولت أفعـالا محددة من هذه الجرائم، ومن أهمها “القتل العمد، الإبادة، الاسـترقاق، الإبعـاد، والأفعـال اللاإنـسانية الأخرى المرتكبة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين قبل الحرب أو أثنائها، أو الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية تنفيذاً لأيٍ من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمـة أو ارتباطها بهذه الجرائم سواء كانت تشكل انتهاكاً للقانون الوطني للدولة التي ارتكبـت فيهـا أم لا تشكل ذلك”، وبموجب بعض الشروط المحددة نصا تمنح صفة الجريمة على الإبعاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية المرتكبة ضد أي تجمع مدني قبل أو أثناء الحرب أو عنصري تنفيذا لأي جريمة.
ورغم أن القانون الدولي الإنساني لا يسمح باستعمال أي نمط من أنماط العنف ضد السكان المدنيين والممتلكات أثناء الاحتلال، فإن السلطات الفرنسية بالجزائر دأبت على ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية من قبيل القتل، والإبادة، والاسترقاق، والاستعباد، والتصرفات اللاإنسانية الأخرى التي يتمّ ارتكابها ضدّ السكان المدنيين، والاضطهاد على أسس سياسية أو عرقية أو دينية. غير أن السلطات الفرنسية ارتكبت العديد منها كسياسة ممنهجة وواسعة النطاق بحق الشعب الجزائري، مثل الإبادة؛ والقتل العمد؛ والاسترقاق؛ والتعذيب؛ والاختفاء القسري للأشخاص.
ومن أدلة الممارسة الفعلية التهجير القسري لآلاف من رجال المقاومة الجزائرية إلى كاليدونيا بقارة أوقيانوسيا أو استراليا حاليا، منذ بداية الغزو عام 1830. وإذ لا تزعم هذه الدراسة تقديم مسح تاريخي كامل للممارسات الإجرامية المتبعة في هذا الشأن، فإن المادة 49 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949 تحظر على فرنسا النقل الجبري الجماعي أو الفردي للجزائريين المحميين أو نفيهم من أراضيهم المحتلة إلي أراضي دولة الاحتلال أو إلي أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيا كانت دواعيه. ومن المدهش أن ركن الجريمة من هذه المادة يستمد من الوفاة أو الإصابة التي تلحق المرحلين والإصابات البدنية الخطيرة. ويتضح من العملية أنهم رحلوا مكبلين بسلاسل ومن توفي منهم خلال الرحلة القي بجثته في البحر[13].
الخاتمة:
اختار الاستعمار الفرنسي هذه الجرائم كمنهج لسياسته للحيلولة دون الثورات والمقاومات لدفاع الجزائريين عن أرضهم ووطنهم، ولم يمارس القانون الدولي الإنساني تأثيره في سياق الحرب الدائرة، رغم أنه يعترف باقتصار استعمال القوة واقتراف أفعال العنف على القوات المسلحة دون غيرهم التابعة لأطراف النزاع. ومن ناحية أخرى إذا كانت الانتهاكات الجسيمة بمثابة جرائم حرب فإن الهدف منها هو توفير الحماية للسكان والمقاتلين الذين لم يعودوا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.
ونكاد نجزم بأن السلطات الفرنسية مارست الجريمة الإرهابية، لأنها استعملت العنف وهددت به المدنيين الجزائريين، وضد حياتهم وممتلكاتهم ورفهيتهم، وتجاوز جيشها بأفعاله المعايير التي تقررها القوانين الدولية دون تمييز.
ولم تتردد فرنسا في ارتكاب جريمة العدوان التي توصل المجتمع الدولي إلى تعريفها مؤخرا، لأن قواتها المسلحة قامت بغزو إقليم دولة أخرى ومهاجمته، ثم احتلاله عسكريا، واستعمال القوة العسكرية ضد سيادة دولة الجزائر وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.
وأجيرا، فالمكان مناسب جدا لطرح فكرة خلق رأي عام وطني ودولي لملاحقة الاستعمار الفرنسي، بناء على الانتهاكات الجسيمة التي أشرنا إليها، باعتبار الدولة الفرنسية لم تكن المستفيدة الأساسية من الالتزامات التي تعرضها القواعد العرفية والتعاهدية الأساسية المنطبقة، بل يستفيد منها أيضا ضحايا الاحتلال من الالتزامات الناشئة من القانون الدولي الإنساني. وننبه إلى نتيجة مفيدة، وهي ضرورة أخذ الجزائر بالقاعدة القائلة بأن الالتزام بالتعويض المالي عن الانتهاكات التي يرسيها القانون الدولي الإنساني يعتبر التزاما بدفع تعويض إلى الدولة المتضررة، أي الدولة التي ينتمي إليها الأشخاص المتضررون والذين يتوجهون إليها بدعواهم. ويمكن الشروع اليوم في حل مختلف مشكلات الاستعمار على هذا الأساس مثل مسألة النفي القسري للجزائريين بوصفها أحد جرائم القوات الفرنسية ما بين 1864 و1897، بما سبّبته من ترحيل لأكثر من 2100 جزائري اخرجوا من بلدهم جميعا إلى مستعمرة العقاب كاليدونيا الواقعة في المحيط الهادئ.
[1] اعترف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم 19/12/2012 أمام البرلمان الجزائري بغرفتيه: “خلال 132 سنة خضعت الجزائر لنظام ظالم ووحشي اسمه الاستعمار”. وذكر على سبيل المثال المجازر التي ارتكبها الجيش الفرنسي في 8 مايو/أيار1945 في سطيف وقالمة وخراطة، في وقت كانت فرنسا وحلفاؤها يحتفلون في انتصارهم على النازية.
[2] اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 أغسطس/آب عام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لها لعام 1977.
[3] تعني أيضا الإجرام الدولي أو الجريمة العابرة للحدود أو تلك الجرائم التي تمتد تأثيراتها أو من المحتمل أن تمتد عبر الحدود بين الدول.
[4] انظر الفقرة (5)، تعد الانتهاكات الجسيمة للاتفاقیات ولهذا اللحق “البروتوكول” بمثابة جرائم حرب”.
[5] تحتفظ فرنسا بـ 18 ألف جمجمة في متحف “الإنسان”، منها 500 فقط تم التعرف على هويات أصحابها، وفق وسائل إعلام فرنسي.
[6] تعتبر المحكمة الجنائية الدولية وسيلة مفيدة لتحديد وجود قاعدة قانونية ومعناها ونطاقها.
[7] اعترفت فرنسا بهذه الاتفاقية وتعهدت بموجبها بمنعها والمعاقبة عليها، وبخاصة على الأفعال التالية: (أ) الإبادة الجماعية، (ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، (ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، (د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، (هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.
[8] صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمام البرلمان الجزائري بغرفتيه في 19/12/2012 أنه يعترف بـ”المعاناة” التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي للشعب الجزائري، ذاكرا أن أحداث “سطيف وقالمة وخراطة ستبقى راسخة في ذاكرة الجزائريين وضميرهم”.
[9] يعرفهـا بعـض الفقهـاء بأنهـا 24 “ارتكاب عمدي لتصرف يعرف بأنه خرق جسيم طبقا لاتفاقـات جنيـف الأولى والثانية والثالثة والرابعة والبروتوكول الأول، حيث يـؤدي ذلـك التصرف إلى وفاة أو ألم أو ضرر فادح يصيب إي إنسان أو سـجين أو مدني يحميه القانون”.
[10] نذكر مثلا مجرة الظهرة أحصى الفرنسيون 760 جثة فيما كانت الجثت المحروقة والملتصقة كليا تزيد عن 1000 جثة.
ومجزرة الصبيح حوالي 1500شهيد. ومجزرة الأغواط حوالي 2500 شهيدا من أصل 3500 ساكن. انظر الرابط الالكتروني:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85_%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1
[11] المرجع السابق.
[12] تشكلت محكمة نورمبرغ من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لمحاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان بموجب اتفاق لندن في 1945بين ممثلي الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي سابقا وبريطانيا، ثم انضمت إليها تسع عشرة دولة حليفة، أنظر محمد محي الدين عوض، دراسات في القانون الدولي الجنائي، جامعة القاهرة، دون تاريخ، هامش، ص 231.
[13] نوميا (بالفرنسية: Nouméa) عاصمة كاليدونيا الجديدة التابعة لفرنسا، تقع جنوبي الجزيرة الرئيسية. عدد سكانها 91,386 نسمة (إحصاء 2004) وسكانها خليط من الأعراق من أوروبيين، سكان محليين، إندونيسيين، وفيتناميين.