-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يستقطب الزائرين في زمن الجائحة

“قبر الرومية”.. رمز الماضي وربوة الجمال الطبيعي!

وهيبة سليماني
  • 9226
  • 2
“قبر الرومية”.. رمز الماضي وربوة الجمال الطبيعي!
الشروق

مطعم يحوي تحفا أثرية مختلفة تدهش زبائنه

في ظل الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، وما خلفته من أزمات اقتصادية واجتماعية، تبدو الحاجة أكثر للترفيه والتسلية، وإلى تخفيف الآثار النفسية، حيث أن إجراءات التباعد الاجتماعي والقلق المتراكم من الجائحة والارتباك الذي ساد الجزائر كغيرها من دول العالم، في مواجهتها، وغموض فرص استعادة الناس لحياتهم الطبيعية، رفع حدة الضغوطات النفسية مما جعل الحاجة إلى متنفسات ضرورة تخفف من وطأة الأزمة الصحية…تيبازة المدينة الساحلية الضاربة جذورها في عمق التاريخ تحتضن كنوزا أثرية ومواقع سياحية، تمنح زوارها استرخاء وفسحة من السعادة بعيدا عن كآبة الزمن “الكوروني “، فلعل الضريح “الموريتاني” أو ما يعرف بقبر “الرومية” موقع اثري استطاع أن يكون أحد أهم الأماكن ترفيها في ظل الجائحة..


قبر ضخم، أسطواني الشكل، يتكون من صفائح حجرية وينتهي بمخروط مدرج، أشبه بخلية نحل عملاقة!.. نسمات جبل ونسمات بحر وغابة ومحاصيل زراعية تحيطه به، وشموخ القبر كرمز للتحدي في ظل وضع استثنائي، ورسالة من زمن سحيق تحمل الكثير من العبر والمعاني..قصة حب ابنة ” كليوبترا” وملك البربر “يوبا “وجمال مكان يفسح للخيال ويطير به بعيدا عن آثار كورونا السلبية، إنه ضريح “الرومية” الواقع منتصف الطريق بين الجزائر العاصمة ومدينة تيبازة غربا.
المعلم التاريخي الضخم لم يفصح بعد عن كل أسراره، حيث أصبح تحفة معماري تستقطب السياح إليها، أطلق عليه الأكاديميون اسم” الضريح الملكي المريطاني”، بينما يسميه عامة الجزائريين” قبر الرومية”، يشهد هذه الأيام ومع بداية العطلة الصيفية إقبالا ملحوظا، حيث المساحات والأشجار التي تحيطه يتحقق فيها التباعد الاجتماعي والترويح والتمتع بالهواء الطلق بعيدا عن الضوضاء وزحمة المدن.
كانت الساعة الثانية زوالا من يوم الخميس نهاية الأسبوع الماضي، عندما زارت “الشروق”، موقع قبر”الرومية”، أين كانت العائلات تتوافد إليه بحثا عن الراحة والنسمات والهواء النقي، لتفريغ ضغطا نفسيا كان لجائحة كورونا فيه النصيب الأكبر، ويمكنك أن تتجه إليه بالسيارة من مدينة سيدي راشد، أو من طريق البحر بين العاصمة وتيبازة أو الطريق السيار الرابط بين المدينتين، حيث ينتابك وأنت تقترب صاعدا إلى الضريح، شعورا غريبا بالجمال الطبيعي الخالص، يحيط المكان ببريق شمس انعكست على البحر المقابل له من بعيد، وكأنها جاذبية بين ربوة منعشة بالهواء وشريط ساحلي أزرق.
وتبدأ الهموم تتبدد تدريجيا باستنشاق نسمات صحية، ممزوجة برائحة الصنوبر، فكلما يدنو منه الزائر يزيد هيكل الضريح عظمة وضخامة، حتى تبلغ الربوة فتتبادر في الذهن كل الأسئلة عن التاريخ الحقيقي له، وهل هو فعلا قبر” كليوباترا سيليني” زوجة الملك “يوبا الثاني”، أم مجرد أسطورة من أساطير التاريخ التي ترويها وتتناقلها الأجيال؟

تجديد العهد مع الزوار ومطلوب مزيد من الخدمات

وإذا كانت الطبيعة وهدوء المكان، والمساحة الشاسعة لركن السيارات، قد جعلت الزوار يستمتعون قرب هذا المعلم الأثري، بأوقاتهم، ورفقة عائلاتهم، فإن الكثير منهم يرون أن هناك من الخدمات والضروريات لا تزال غير موجودة هنا، وإنهم يضطرون إلى جلب الأكل معهم وتناوله وهم جلوس على الصخور المتناثرة التي سقطت من الضريح الموريتاني، أو على الأرض وسط الحشائش، رغم أن منهم من يفضل ذلك، فالمطعم الوحيد أن لا يجدون فيه ما يريدون أو لا تتناسب أسعاره مع قدرتهم الشرائية.
ولكن مع اكتشاف الزوار لما يكتنزه الضريح الملكي الواقع بأعالي سيدي راشد، والمطل على ساحل منطقة شنوة بتيبازة، وشعورهم بالراحة فإنهم يظلون لساعات طويلة لا يرغبون في مغادرة المكان، وكأنهم مخدرون بسحره الذي لا يقاوم.
هذا المعلم الأثري الذي تفخر به الجزائر، يمكنك وأنت في الربوة المتربع فوقها، والتي تعلو على سطح البحر ب 216 متر، أن ترى الساحل وفي الجهة أخرى تطل على سهول متيجة، شكل اسطواني تاريخه لا تزال أشباحه تحيط به، وأسراره هي الأخرى تدعو في التفكير مع كل تأمل..
ويطلق على الموقع اسم “الضريح الملكي الموريتاني”، وهي التسمية المعتمدة لدى المؤرخين والمتخصصين في علم الآثار ضمن التراث العالمي للإنسانية في سنة 1982، والمصنف منذ سنة 2002 ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة التربية والثقافة والعلم التابعة للأمم المتحدة (يونيسكو)، بوصفه واحدا من الأضرحة الملكية الموريتانية والمواقع الجنائزية لفترة ما قبل الإسلام، أصبح مؤخرا قبلة للبعض الجزائريين، أين يركنون سياراتهم ويدخلون إلى الضريح، ويتأملون كل صخرة فيه، من أسفله إلى أعلاه، ويفضل بعضهم شرب شاي طهي في الهواء الطلق لصاخب خيمة وجمل اختار من مساحة معشوشبة مكانا له.
وإذا كان الدخول إلى الضريح بمبلغ 120دج للشخص الواحد، وركن السيارة في الحظيرة ب100دج، لم يستحسنه بعض الزوار، إلا أن اغلبهم لم يبالوا بذلك في مقابل روعة المكان واتساعه وعلوه وما يلفه من جمال طبيعي، ممزوج برائحة الصنوبر والخزامي، ومساحات زراعية امتلأت بالسنابل التي تنتظر موسم الحصاد.
قالت سيدة كانت رفقة زوجها وابنتها ل”الشروق”، ” لقد جدنا هنا تنفسيا، لطالما عانينا من الحجر الصحي، والضغط النفسي الذي سببه فيروس كورونا..بلادنا جميلة فعلا، أين نجد مثل هذا المكان!”.
وعبرت طفلة في الـ 12سنة، بالقول” إنها فرحة كبيرة، لقد جئنا من البليدة إلى هنا لأعلب أنا وأخواتي، عشنا سابقا حالة من الملل.. هنا أحصنة، وجمل وخيمة، وغابة، ومطعم جميل”.
وأكد أن الشباب، أن موقع قبر “الرومية”، أكثر الأماكن المفضلة لديه في العاصمة وتيبازة وما جاورهما، وان فتح طريق يؤدي إليه متفرع من الطريق السيار الرابط بين العاصمة وشرشال، شيء جميل يندرج في إطار تشجيع السياحة واستقطاب اكبر عدد للزوار.
وكشف أحد المسؤولين على الحراسة في ضريح “قبر الرومية”، عن بعض التحسينات والخدمات التي ستتوفر في هذا المكان، حيث من المحتمل أن تفتح مطاعم جديدة وتتوفر دورة مياه، وبعض الأمور الأخرى.

ركوب الخيل يستهوي الأطفال

وإلى جانب هذا الهرم المتراصة أحجاره برزانة والجالس على قاعدة مربعة تدهش حتى ابرع المهندسين المعماريين في عصرنا الحاضر، توجد صفائح من الحجارة الضخمة مرامية هنا وهناك ومحيطة بأشجار الصنوبر، واكبر شجرة تلك التي تقع بالقرب من الضريح، فإن الكثير من الأطفال وجدوا في المساحات الخضراء والغابة المجاورة لحظيرة السيارات، فسحة للعب والتخلص من أعباء عام دراسي مضغوط بإجراءات الوقاية من كورونا.
وقال الطفلة أحلام، ذات ال13سنة، إنها جاءت من اجل التمتع بركوب الخيل، حيث أنها تميل جدا إلى الفروسية، وقد امتطت جواد اسود، وتوجهت نحو الغابة وهي كلها مرح وحيوية، فأبهرت كل من يشاهدها.
وتتوفر في الموقع الأثري، أحصنة يتم كرائها لمن يرغب في ركوبها، وهي فكرة استحبها الأطفال ورغب أكثرهم في خوض تجربة ركوب الخيل
وفي الجانب الآخر من الناحية الغربية للضريح، وعلى حافة الربوة، تربعت خيمة كبيرة أين يمكن للزوار ارتشاف كاس شاي، وأكل المكسرات، والتأمل في الجمل الذي بقي منتصبا وضعت فوق حدبة الجمل، العلم الجزائري الذي كان يرفرف عاليا فوق عصا خشبية، فكلما تقع عينك عليه تعود إلى الحاضر بعد أن يغوص فكرك بعيدا في أزمة ساحقة.

أسرار الضريح تثير زوابع الأسئلة وتحرك الإحساس والفكر

يحتفظ ضريح قبر “الرومية”، على أسرار لا يزال الباحثين في التاريخ والحفريات لم يحسم الإجابة عنها، حيث لا تزال عدة إشكاليات مطروحة تطرح حول تاريخ هذا المعلم، حيث الأشباح تحيط به وتغمره الأسئلة، أنه مقام دائري شائع يبلغ طوله 60متر، وارتفاعه 32.4 متر، ويمتاز الضريح ب4 صفائح من حجر على شكل منحرف، و4 أبواب وهمية مقابلة من الجهات الأربعة يحيط بها إطار ذو نقوش بارزة يتراء منها رسم شبه صليب، الأمر الذي جعل بعض الباحثين يعتقون أنه معلم مسيحي ذو الغرض الجنائزي.
الضريح الموريتاني تم اكتشافه عام 1865 من طرف عالم الحفريات والآثار الفرنسي “أدريان بيربروجر”، وذلك بعد أن طلب منه نابليون الثالث إجراء عملية حفر في المنطقة المسماة سيدي راشد بولاية تيبازة بالجزائر، وكان المؤرخ الروماني الشهير “ميلا بومبونيوس” قد أكد في كتابه الخاص بملك البربر “يوبا الثاني” أن هذا المبنى التحفة هو عبارة عن مقبرة للعائلة الملكية الأمازيغية التي حكمت موريتانيا في عهد ملك البربر”يوبا الثاني”، وذلك عام 40 قبل الميلاد.

إذا أردت أن تتمتع بتحف قديم أدخل المطعم!

وأكثر ما أدهشنا في الموقع الأثري، قبر الرومية كما يسميه عامة الجزائريين، ذلك المطعم الذي كنا نعتقد من خلال واجهته، أن مجرد محل لبيع الأكل السريع، وبعض العصائر والقهوة، حيث فوجئنا حينما وطأت أقدامنا داخله، وكأننا دخنا إلى عوالم مختلفة وأزمنة ضاربة في عمق التاريخ.
المقهى الذي يقع على يمين المدخل، يحوي رفوف مكتظة بالتحف من النحاس والبرونز، والعاج والطين، وصور قديمة جدا، اختلطت مع العتاد العصري لتحضير الشاي والقهوة.. فوانيس ورحي قهوة تقليدية، وتحف لنقوش في دوائر من النحاس والبرونز، وأدوات مطبخ قديم جدا من العهد التركي، ومن الحقبة الفرنسية.
وأشياء كثيرة لا يمكن إحصاؤها، وامتد على في اعلي جدران المطعم من الداخل رف، ضم من مخل الباب على اليسار إلى غاية قاعة الأكل، أنواع مختلفة لمذياع قديم وفوانيس وتحف واوان وإطارات لصور تعود لبداية الحقبة الفرنسية، وجرار وكؤوس وأباريق وغيرها مما هو قديم يعود إلى قرنين أو أكثر من الزمن.
وقال صاحب المطعم ل”الشروق”، إن الكثير من التحف الأثرية الباهظة الثمن تم تجنب وضعها في المطعم خوفا من اللصوص وعصابات التجارة وتهريب الأثريات.
في يسار مدخل المطعم يوجد” بيانو” قديمة تحفة وتقابله خزانة أثرية، وأشياء كثيرة لا تحصى، وتخرج من خلال باب إلى سطح هذا المطعم، لتفاجأ أكثر بقاعة شاي محاطة بصور له فتحات صغيرة ومنخفض يطل على حقول القمح التي امتلأت بالسنابل اليابسة الجاهزة لحصدها.
ولم يخلو هذا السطح الواسع الذي من خلاله ترى البحر وتتمتع بزرقته من بعيد، من التحف الأثرية هو أيضا حيث براميل قديمة من ألواح حطبية تذكرك ببراميل علي باب واللصوص الأربعين، وعربة أثرية قديمة من العربات التي تجرها الأحصنة، هنا تدرك أنك ضيعت الفرص للتمتع بجمال الجزائر ومواقعها الأثرية والسياحية الجميلة.

لا بد من الترويج للكنوز الأثرية وتكوين مرشدين سياحيين

قال المالك للمجموعة السياحية جمال نسيب في تصريح ل”الشروق”، إن الأماكن الاثرية في الجزائر مواقع سياحية هامة، يمكن أن تساهم في الاقتصاد الوطني، وتفتح فيها مرافق وخدمات لامتصاص البطالة وسط الشباب، مؤكدا أن موقع الضريح الموريتاني، سرح حضاري ومنطقة سياحية تمتاز بالجمال الطبيعي الخلاب، والكنوز والأسرار، ولكن هناك الكثير من النقائص يمكن للسلطات استدراكها، مثل المراحيض والمقاهي، والمطاعم، وبعض المرافق المكملة.
وكما يرى صاحب المجموعة السياحية وسلسلة الفنادق، والوكالات، السيد جمال نسيب، أن المرشد السياحي غائب في الموقع الأثري قبر الرومية كما في المواقع الأخرى والمتاحف الأثرية، وإن السياح لا يؤتون الفنادق فقط من اجل النوم أو الأكل، ولكن لا بد من سياحة وترفيه في المواقع الأثرية والمتاحف.
وأوضح نسيب، أن مثل هذه الأماكن يرتاح فيها السائح ويرتشف قهوة ويأكل، كما أنه يلتقط صورا تذكارية، ويتزود بمعلومات حيث يكون المرشد السياحي موجود، ومستعدا للإجابة عن كل الأسئلة الممكنة.
وقال جمال نسيب، إن على وزارة السياحة، الاهتمام بمثل هذه المواقع الأثرية، كما على السلطات تكوين مرشدين سياحيين، وترسيخ السياحة كثقافة ابتداء من المدرسة، إلى الأسرة ووسائل التعليم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • momouh mohamed

    لم يبقى الا الهواء الموجود بالمكان لا يزال مجاني بغير فلوس تدفع للسيارة ثم راجلا

  • أحسنت

    المصطلح المتوازن الذي أقترحه هو : ضريح الروم فالعامة من الناس تقصد بحسن نية بقبر الرومية : قبر روميا أي الرومان ( زمن موريطانيا )