الرأي

“آلو” ..أين الضّمائر الحيّة؟!

محمد حمادي
  • 1201
  • 3

الهوس بالجلد المنفوخ تجاوز حدود المعقول ووصل إلى حدّ الجنون في بلادنا، حتى صارت الخطط التكتيكية والمواجهات الرسمية وحتى الودية، وسلوكيات اللاعبين وبنيتهم المورفولوجية وأدائهم فوق الميدان، تتصدر اهتمامات الجزائريين، الذين صاروا يترصدون كل زلّة لسان أو هفوة، ولا تفوتهم أي خرجة غريبة أو سلوك أو تصريح افتقد للباقة، فيتلقفونه ليكون وقودا لحملة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، فكان الضحية هذه المرّة الناخب الوطني رابح ماجر، الذي كلّم “بورتو” هاتفيا من أجل براهيمي، فتحوّل إلى مصدر للسخرية والتنكيت والتندر عبر “الفضاء الأزرق”!
لكن ماذا لو أجرينا مكالمات هاتفية على طريقة صاحب الكعب الذهبي، وقدمنا نداءات مستعجلة لمسؤولي القطاعات الموبوءة بسوء التسيير والإهمال واللامبالاة، التي يدفع ثمنها المواطن البسيط، الذي يتعذّب يوميا جراء قرارات عشوائية ومشاريع مغشوشة استنزفت الملايير من خزينة الدولة، فحصد منها البؤس والشقاء وضنك العيش، بدل الراحة والسكينة والطمأنينة؟!
ماذا لو كانت كلمة “آلو” وسيلة للتبليغ عن الفاسدين والمفسدين والمغترفين من المال العام، فتتحرك الأجهزة المعنية للتحقيق معهم، وإحالتهم على القضاء ليحاكموا محاكمة عادلة تحتكم إلى قوانين البلد؟
ماذا لو استلّ الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين، محمد عليوي، هاتفه واتصل بوزيري الفلاحة والتجارة ليخبرهما عن هوية الأطراف المنتمية إلى قطاعيهما، والتي اتهمها مؤخرا دون الإشارة إليها بالاسم بالوقوف وراء إغراق الجزائريين في كيس حليب؟
الحقيقة، هي أنّنا نحن معشر الجزائريين، بحاجة إلى خطوط خضراء مفتوحة 24 ساعة على 24 ساعة، تشرف عليها لجنة إصغاء وطنية، لاستقبال ملايين المكالمات الهاتفية، التي تحمل نداءات مستعجلة، تصدح بها حناجر المحبطين واليائسين، الذين فتكت بهم مظاهر البيروقراطية والمحسوبية وسائر أشكال الفساد الإداري والمالي.
لو فتح المجال أمام هؤلاء المغلوب على أمرهم لقالوا: “آلو”.. نحن بحاجة إلى شفافية في توزيع السكنات الاجتماعية ورقابة فعلية على المشاريع النائمة والأشغال المتعثرة، نحن بحاجة إلى لجان تحقيق وتفتيش صارمة، تقف على مكامن الخلل في جميع القطاعات وتفضح المتسببين فيها، فتعالج مواطن العلل وتشخّصها وتقترح الأدوية المناسبة لها.
“آلو”.. أنقذوا قطاع التربية وأبعدوه عن المهاترات السياسية والمساومات النقابية. “آلو”.. نريد إرادة سياسية للقضاء على كل مظاهر الاحتكار التي يحترفها من يسمون أنفسهم بهتانا وزورا “رجال مال وأعمال” لافتعال أزمة ندرة في السلع، الغرض منها الربح السّريع على حساب القدرة الشرائية للمواطن. “آلو”.. نريد استراتيجية ناجعة للنهوض بقطاعي السياحة والفلاحة، لا إجراءات تبقى مجرّد حبر على ورق ولا تعرف طريقها إلى التجسيد على أرض الواقع.
“آلو”.. إلى متى نبقى ننتظر تنظيم سوق العملة؟ أين مكمن الصعوبة في استحداث مكاتب صرف معتمدة تدرّ على خزينة الدولة أموالا طائلة؟ أيعقل أن يحصل الجزائري على 100 أورو فقط كمنحة سفر، في حين تمنح دول الجوار لمواطنيها أكثر من 2000 أورو؟!
وأمام هذا الوضع البائس، لابدّ لنا من ضمائر حيّة تعزف على وتر الوطنية الحقيقية، وتنشد ترانيم حب الوطن بالجدّ والكدّ والتشمير على السّواعد، فتتصدى إلى كلّ أشكال الفتن، وتحارب الرداءة أنّى كان مصدرها، وتقف بالمرصاد لمظاهر التسيّب والإهمال واللامبالاة، وكلّ ما من شأنه أن ينغص حياة الجزائريين ويلبّد سماءهم بغيوم الإحباط والقنوط.

مقالات ذات صلة