-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أسعد وأمتع حياة

سلطان بركاني
  • 4197
  • 0
أسعد وأمتع حياة

مهما ملك الإنسان من متع هذه الدّنيا، ومهما توفّر له من أسباب الرفاهية والرّاحة، فإنّه لن يجد السّعادة والطّمأنينة التي يجدها العبد المؤمن المستقيم على طاعة الله.. إنّ أمتع وأهنأ حياة هي الحياة التي يتعرّف فيها العبد على خالقه ومولاه، ويستشعر الفقر إليه وإلى رحمته جلّ في علاه، ويحمل همّ محبّته ورضاه.. لا أروع ولا أمتع من أن يجد العبد المؤمن قلبه يخفق بمحبّة خالقه ورازقه ومالك أمره، ويجد جوانحه وجوارحه تتحرّك بطاعته والخضوع له.

إنّنا ما ركنّا إلى الدّنيا ولا غفلنا عن الله والدّار الآخرة إلا لأنّنا لم نذق حلاوة الأنس بالله ولذّة القرب منه تقدّس في علاه.. لذّةٌ لا تعدلها لذّة أخرى من لذائذ هذه الدّنيا.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “الإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللَّهَج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته، ثوابٌ عاجل وجنّة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتّة”.. إنّها جنّة القرب من الله.. الجنّة التي حرمتنا منها أنفسُنا في هذه الدّنيا عندما شغلتنا بالمآكل والمشارب، وبالمظاهر والمفاخر والتنافس في جمع الأموال وحيازة الأراضي وامتلاك السكنات والسيارات.

لنسألْ أنفسنا بصدق: لماذا نستثقل الجلوس في بيوت الله ونستطيل الصّلوات التي لا تستغرق سوى دقائق معدودات، ولا نستثقل الجلوس في المقاهي والاستراحات، ولا مشاهدة الأفلام والمسلسلات والمباريات؟.. لماذا لا نملّ تكرارَ الحديث في مشاغل الدّنيا وشواغلها ونملّ تكرارَ الحديث عن الله واليوم الآخر والجنّة والنّار؟.. إنّ أهمّ سبب في هذا الواقع الذي نعيشه هو أنّنا لم نذق لذّة الطّاعة ومتعة العبودية لله، كيف والعبادات قد تحوّلت في حياتنا إلى عادات يجعلها الشّيطان ثقيلة على نفوسنا مع أنّها لا تأخذ من أوقاتنا إلا قدرا يسيرا.. إنّه لأمر مؤسف حقا أن تقول الزّوجة لزوجها الذي يوقظها لصلاة الفجر: ليت الله لم يفرض علينا الصّلاة! وينفُض الولد يديه في وجه أمّه ويتأفّف كلّما ذكّرته بوقت الصّلاة، ويقول الزّوج لزوجته التي تنبّهه إلى الصّلوات الكثيرة التي تركها: اتركيني، فأنت لن تكوني معي في قبري!.

إنّ من الحرمان أن يقضي المسلم عقودا من عمره يصلّي لكنّه يتعذّب بالصّلاة ولا يجد لها طعما، ويقرأ القرآن لكنّه لا يجد لقراءته أنسا ولا حلاوة، ويحثّ الخطى إلى المساجد لكنّه لا يجد لذلك أثرا في قلبه وروحه وفي حياته.. حرام أن تتحوّل الطّاعات في حياتنا إلى تكاليف شاقّة نكابدها ونغالب أنفسنا على التخلّص منها لنتفرّغ لمشاغل الدّنيا وشواغلها!.. الطّاعات من صلاة وذكر وقراءة للقرآن، ما زاحمت عملا من أعمال الدّنيا إلا باركته، فهي ما شُرعت إلا لنسعد بها في الدّنيا قبل الآخرة.. فلماذا نشقى بها ونتعامل معها كما نتعامل مع الضّرائب التي تقتطع من رواتبنا وأرباح تجاراتنا؟ نبذلها على كره ونتمنّى أنّها لم تكن!.. لقد أصبح قصارى همّنا أن نؤدّي ما طُلب منّا ونفعل ما فرض علينا، يوم أنسانا الشّيطان وأنستنا الدّنيا أنّ الطّاعة التي يريدها الله هي الطّاعة التي يحبّها العبد المؤمن ويُقبل عليها بقلبه وجوانحه قبل أعضائه وجوارحه.. لقد أفلح الأوّلون عندما كان الواحد منهم لا يحين وقت الطّاعة حتى يتلهّف ويشتاق إليها، فإذا ما آن أوانها حمل همّ خروجه منها، لأنّه يجد فيها رقّة قلبه وأنس روحه ويجد فيها سكون أعضائه وخضوع جوارحه، ويشعر أثناءها أنّه في أكرم وأعظم حال يحبّها الله ويرضاها لعبده.

آن الأوان لكلّ واحد منّا أن يسأل نفسه: إلى متى وأنا أخرج من البيت لصلاة الجمعة أجُرّ الخطى بنفس واهنة وقلب قاسٍ، لكأنّما أسوق روحي إلى الموت؟ إلى متى وأنا أقوم إلى سجادة الصّلاة أحمل في قلبي هموم هذه الدنيا الفانية، وأكبّر تكبيرة الإحرام وأنا أتلهّف لأُنهي الصّلاة في أقصر وقت ممكن؟ وإن شئنا أن نكون صرحاء أكثر، فليسأل كلّ واحد منّا نفسنه: إلى متى وأنا أتعذّب بطاعة الله؟.

آن الأوان لأن نراجع أحوالنا ونجاهد أنفسنا على محبّة الطّاعات والقربات.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “السّالك في أوّل الأمر يجد تعب التكاليف، ومشقّة العمل لعدم أُنْس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاقّ، فصارت (أي الصلاة) قرّة عين له، وقوة ولذة”.. نحتاج إلى بعض الوقت وإلى شيء من الصّبر لتصلح حالنا مع طاعة الله، يقول ثابت البناني رحمه الله: “كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة”، ويقول أحد الصّالحين: “سُقْتُ نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك”.. النّفس أمّارة بالسّوء وتتعلّق بالعاجلة، والعبد المؤمن الفطن يجاهد نفسه ويمنعها بعض ما تحبّ ويروّضها على بعض ما تكره، حتى تستقيم على ما فيه صلاحها وسعادتها في الدنيا والآخرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!