-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أضواء على التجربة الإسلامية في تونس -1-

التهامي مجوري
  • 2715
  • 8
أضواء على التجربة الإسلامية في تونس -1-

قررت حركة النهضة التونسية في مؤتمرها العاشر، الذي عقد أيام 20/23 ماي 2016، الفصل بين النضال السياسي الحزبي، والعمل الدعوي، واعتبار الحركة من الآن فصاعدا حزبا سياسيا مدنيا، وستبقى ممارسة العمل الدعوي لمن كانت هذه هي مهمته في الحركة من قبل، وقال الشيخ راشد الغنوشي بهذه المناسبة “قرار التحول إلى حزب مدني –بمرجعية إسلامية-، ليس قرارًا مسقطًا أو نتج عن الرضوخ لإكراهات ظرفية، بل هو تتويج لحركة تطور ومسار تاريخي تمايز فيه العمل السياسي عن الدعوي والمجتمعي والثقافي، وخروج من الإسلام السياسي للدخول في الديمقراطية المسلمة”.

واستقبلت الحياة السياسية داخل تونس وخارجها هذا القرار بشيء من التردد والترقب وسوء النية، على اعتبار ان حركة النهضة حركة دينية أصولية لا يمكن أن تتنكر لأصولها الإسلامية ذات البعد الديني كغيرها من الحركات الإسلامية الأخرى مثل الإخوان وغيرهم من الجماعات والأحزاب ذات الطابع الديني، في حين أن التيار الإسلامي في تونس يختلف عنه في بلاد العرب والمسلمين والأخرى، مثل الفرق بين نظامها السياسي، الذي يختلف عن جميع الأنظمة العربية والإسلامية ولا يوجد من الأنظمة ما يشبهه في العالم الإسلامي إلا النظام التركي الذي ألغى كل ما له علاقة بالإسلام، لينشئ نظاما علمانيا لا علاقة له بالدين، ولذا رأيت أن أضع بين أيد القراء الكرام، هذه المحاولة لفهم التجربة الإسلامية في تونس في إطارها واجتهاداتها.

إن الحركة الإسلامية التونسية، لم تبن كما بنى غيرها على تجارب محلية سابقة، مثلما فعلت جماعة الإخوان في مصر التي كانت مسبوقة بحركات الإصلاح، وفي الجزائر التي كانت مسبوقة بجمعية العلماء، وفي المغرب التي كانت مسبوقة بالحركة السلفية، وفي غيرها من بلاد العالم، وإذا استثنينا حركة الشيخ عبد العزيز الثعالبي، لا نجد تنظيما يمكن اعتبار حركة النهضة امتدادا له، وحتى حركة السيخ الثعالبي لم تكن حركة ذات بعد دعوي إسلامي، وإنما كانت حركة سياسية بمرجعية إسلامية، وكل ما يمكن اعتباره عمقا لحركة النهضة هو مؤسسة الزيتونة التي كانت مؤسسة علمية إسلامية هامة تخرج منها الكثير من قيادات الحركة الإصلاحية في تونس والجزائر تحديدا.

أما حركة الشيخ عبد العزيز الثعالبي فقد كانت بدايتها سنة 1905م، عندما شكل “مجموعة من الطلاب وخريجي المعاهد الدينية مثل الشيخ على أبو شوشة، وبشير صقر، وعمر أبو حاجب وعلى الباقلاني”، أطلق عليها إسم “جماعة الحاضرة”، فقامت هذه الجماعة بحراك سياسي نقدي للإحتلال الفرنسي، وكانت تونس يومها تحت الاحتلال الفرنسي، مع وجود الحاكم الوطني الذي هو الباي “باي تونس”، ثم أسـس الشيخ الثعالبي سنة 1908م حزب تونس الفتاة، ولم يترأسه وإنما أسند رئاسته إلى الشيخ على ياسين جمعة، ليتولى هو رئاسة تحرير جريدة الحزب، وكانت مرجعية الحزب إسلامية، ثم بعد معركة حامية مع الإدارة الاستعمارية، تعرض فيها أعضاء الحزب إلى المضايقة والتشريد والنفي والإبعاد، وبعد مدة غير يسيرة عاد الشيخ الثعالبي ومناضلوه فأسسوا الحزب الدستوري إلى جانب الأستاذ احمد الصافي أمينًا عامًا له ، إلا إن السلطات الفرنسية أبعدت الشيخ الثعالبي مرة أخري خارج البلاد، وقامت بانقلاب داخل الحزب الدستوري ليتولى بعده دعاة التعاون مع الاحتلال قيادة الحزب، وبرز فيهم الحبيب بورقيبة، الذي أصبح رئيسًا للحزب الدستوري سنة1934م، لتتحول تونس بعد ذلك شيئا فشيئا، من المرجعية الإسلامية، المتوارثة أبا عن جد منذ الفتح الإسلامي، إلى مرجعية غربية منبهرة بالتجربة الفرنسية على حساب الإنتماء إلى العروبة والإسلام، فكانت بذلك تونس أول دولة عربية تتبنى العلمانية بلا تردد، وثاني دولة في العالم الإسلامي.

كانت حركة الثعالبي سياسية كأي حزب وطني، مثل حزب الوفد في مصر وحزب الشعب في الجزائر وحزب الاستقلال في المغرب ولكن بمرجعية إسلامية، ولم يقتصر في نضاله على  القضية الوطنية –تونس- وإنما كانت نضالاته ممتدة إلى جميع قضايا الأمة بالتنسيق مع الأستانة وشكيب أرسلان، وكان من المناضلين معه من الجزائريين أمثال أحمد توفيق المدني وأبراهيم اطفيش من الجزائريين؛ بل كانت له علاقات مع الكثير من قيادات ودعاة العالم الإسلامي، أمثال محمد فريد وعبد العزيز جاويش ومع السنوسيين في ليبيا والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، كما كان من الذين دعوا إلى تنظيم المؤتمر الإسلامي الأول سنة 1931م، وشارك فيه كعضو مؤسس فعال.

تأسست الدولة التونسية بعد الاستقلال على مبادئ العلمانية، التي أنشأها بورقيبة، فكانت اول دولة عربية تتبنى الخط العلماني اللاديني كما أسلفنا، وأثر ذلك على الحياة الثقافية والاجتماعية عامة، وهذا الواقع الذي لم يشهده العالم الإسلامي من قبل ولا في غير تونس، فرض على الحركة الإسلامية القطيعة مع الماضي التاريخي، بحيث لا تنتسب لماضي كان واقعا مثلما وقع للأتراك تماما، حيث لم يعد ميسورا على الداعية أو المصلح أن ينتسب لشيخ له، علمه أو رباه أو استفاد منه؛ بل أضحت الحياة السياسية والاجتماعية تفرض عليه ألا يرتبط إلا بما ويدعيه ويقدمه  “إضافة وتجديدا” أو بالارتماء في أحضان السلطة فيتبنى ما تدعو إليه.

لا شك أن علمانية تونس كانت أقل حدة من علمانية تركيا، من جهة كونها دولة عربية، كانت مستعمرة، بقي فيها الصراع قائما بعد الاستقلال، حول أمور لها علاقة بالاستعمار، مثل اللغة العربية وسيادتها في الدولة، والتعليم الديني الذي كان يقوده جامع الزيتونة، على خلاف العلمانية التركية التي كانت في مجتمع مقطوع الأوصال مع العالم العربي، مع هيمنة القوة على تقرير الخيارات التي كانت في شكل استمرار الدولة من شكل إلى شكل جديد عرض كمنقذ للمجتمع من التخلف والفقر والجهل. 

في هذا الجو من سنوات الستينيات من القرن الماضي، لم يكن يسع علماء تونس الزيتونيين إلا القيام ببعض الدروس المسجدية لتوعية الناس وتذكيرهم بالله والكشف عن مساوئ الوضع الذي يعيشون فيه، وقد قام بعضهم بذلك بالفعل، أمثال الشيخ عبد القادر سلامة، ومحمد صالح النيفر، والشيخ بن ميلاد، بإلقاء محاضرات، ومواعظ، ودروس دينية، وقد كان بعض هذه المحاضرات والمواعظ، يعرج على نقد الأوضاع  السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية، وكان من بين الذين درسوا في الزيتونة في هذه الفترة عبد الفتّاح مورو، أحد المؤسسين للعمل الإسلامي الجديد في تونس. فقد بدأ رحلته في تلك الفترة بربط علاقات مع شخصيات علمية ودينية تمهيدا لما كان يراه من ضرورة فعل شيء ما لمواجهة هذا التوجه الذي تبنته السلطة بعد الاستقلال أي ابتداء من 1956.

في بداية السبعينيات تعارف عبد الفتاح مورو الطالب الزيتوني الذي شرع في بناء علاقات مع الشيوخ والشخصيات، والطالب راشد الغنوشي العائد من دمشق بعدما أتم دراسته هناك في سنة 1969، وقد كان من المعجبين بالفكر القومي الناصري، ثم تحول إلى الفكر الإسلامي، وتبنيا مع بعض في مشروع مشترك الفكر الإسلامي، وانضما إلى جمعية المحافظة على القرآن الكريم في سنة 1971، وبدآ يمارسان نشاطات دعوية في جامع سيدي يوسف في تونس العاصمة، وبدأت الفكرة الإسلامية تنتشر شيئا فشيئا، وتنتقل من الجامع إلى الجامعة، ومن دائرة الشيوخ الزيتونيين إلى طلبة الجامعات، لتنتقل الفكرة من التدين الشعبي البسيط، إلى التدين الحضاري الاستقلالي التحرري الذي يصمد في وجه خيار السلطة العلماني الذي تبناه الرئيس لحبيب بورقيبة، واستمر الفعل على هذا النهج والأسلوب إلى غاية سنة 1979، فأصبح للفكرة أنصارا  كثرا وأتباعا يؤمنون بالمشروع المقاوم للفكر الغربي الذي هو امتداد للإستعمار العربي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • المشهد السياسي

    نعم صحيح والدليل على ذلك أنه تم تكريمه من طرف أعرق الأندية الماسونية في بريطانيا عقب نجاح الخريف التونسي 2011 مع الرئيس التونسي الأسبق (الإخواني).
    ناهيك عن افتتاح بعد الثورة العديد من المكاتب لمؤسسات أمريكية (الكل يعرف بلاويها) مثل بيت الحرية الأمريكي والذي تتشاور مع رجلها في الجزائر (المطبل له كثيرا "مقري") وأين في تونس طبعا

  • بدون اسم

    الغنوشي ثبت أنه وطني ويحب تونس والتاريخ سيجل له الخدمات الثمينة المقدمة لوطنه تونس يستحق كل التقدير والأحترام . أوراسي

  • الطيب

    " التحزب الإسلامي " و بغض النظر عن النية الطيبة و الصادقة لأصحاب هذه الرؤية هو مجرد اجتهاد من أجل التغيير إلى مايحبه الله و يرضاه ..." التحزب الإسلامي " هو رؤية و ليس هو الإسلام ..الإسلام هو رسالة و دعوة تصنع الإنسان الصالح و هذا هو هدفه و به تنصلح جميع مناحي الحياة بما فيها السياسية . كما أنه في الحقيقة لا يوجد " إسلام سياسي " في الإسلام ....و لا توجد سياسة صالحة و سياسة فاسدة و لكن يوجد إنسان صالح وراء سياسة صالحة و إنسان فاسد وراء سياسة فاسدة ،

  • حمزة

    "خروج من الإسلام السياسي للدخول في الديمقراطية المسلمة"، طبعا هي محاولة للمصالحة بين الإسلام والحداثة وجعل الإسلام الديمقراطي نموذجا للاعتدال والتوافق مع المصالح الشعبية، لكن أليست محاولة بهلوانية لخداع الناس والضحك على ذقونهم؟ الكل يعرف ان المنهج الديمقراطي لا يتوافق مع العقيدة الإسلامية و يصطدم بجدار التشريع الإسلامي الذي لامناص من تغييره كونه تشريع سماوي منزه لا يجوز التلاعب فيه، الم يقل الغنوشي نفسه في كتابه "الحريات العامة في الإسلام" إن آليات الديمقراطية علمانية ولا علاقة لها بالإسلام؟

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا استاذ
    " تعددت الشَطحات والبَنْــــــــدير واحد"
    " العَـــــرُبي كي الريـــح ما نَعْــرَفش ويم ومتى أيْطيــــحْ "
    - مني أنا طبعا وروح ....
    أعتذر عن هذا التعبير
    شكرا

  • طارق

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم
    ((نحن نقولها -بصراحة- إننا نحارب الحزبية، لأن التحزبات -هذه - نطبق عليها قول الله -تبارك وتعالى- :''كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ'' ))مجموعة فتاوى الشيخ الأللباني-رحمه الله- 7034.
    الا ترى أن الحزب ولو كان (إسلاميا) مصيره التنازل عن الاسلام وفي الاخوان المصريين عبرة.
    ما رايك ياأستاذ ولعلك تضع دراسة لتجربة الاحزاب (الاسلامية) في الجزائر.

  • بدون اسم

    "واستمر الفعل على هذا النهج والأسلوب إلى غاية سنة 1979، فأصبح للفكرة أنصارا كثرا وأتباعا يؤمنون بالمشروع المقاوم للفكر الغربي الذي هو امتداد للإستعمار العربي." تصويب (الغربي) و ليس (العربي)...

  • بدون اسم

    حركة الاسلام السياسي انتهت الى الأبد