الرأي

أيّها المترفون.. ارحموا هذا البلد

سلطان بركاني
  • 2558
  • 0

تتوالى المصائب والنّكبات التي تحلّ بهذا العالم، من فيضانات وأعاصير وزلازل، وأزمات اقتصادية خانقة، وتتوالى معها البلايا والأمراض التي أصبحت تتكاثر وتتزايد وتتعاظم بصورة لافتة عاما بعد عام؛ من السّرطان إلى الأيدز والزّهري والهربس والسّيلان، ومن جنون البقر إلى أنفلونزا الطّيور إلى أنفلونزا الخنازير إلى أنفلونزا ما لا يعلمه إلا الله الواحد الأحد، ولا يزال العلم يسعى لتقديم تفسيرات لأسباب تزايد حدّة الكوارث، وظهور وانتشار وشيوع الأمراض، وما يكاد العلماء يجدون تفسيرا لوباء من الأوبئة ويكتشفون حلا للتّقليل من انتشاره حتى يظهر وباء آخر، وما يلبثون بعد الوقوف على أسباب بعض الكوارث حتى تنزل بالعالم كوارث أخرى تخلط حساباتهم.

وفي الوقت الذي يحاول فيه المكابرون من اللادينيين والعلمانيين الوقوف في تفسير أسباب وقوع هذه الكوارث وظهور وانتشار هذه الأوبئة والأمراض عند الأعراض المادية، فإنّ العقلاء من مختلف الملل والنّحل، يُجمعون على أنّ السّبب الرّئيس هو الخروج عن نواميس هذا الكون، وعن قوانين الفطرة التي فُطر عليها الخلق، والإذعان لنزوات المترَفين الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون، وفي هذا يقول الحقّ جلّ وعلا: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون، ويقول المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “ولم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا“.

في أمريكا، أكثر من مليون طفل يولدون سنويا من الزّنا، 600 ألف شاذّ يمارسون عمل قوم لوط في لوس أنجلس وحدها، 25 مليون أمريكي مصابون بالهربس، 25  % من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة اغتصاب، أكثر من مليون ونصف المليون حالة إجهاض في الولايات المتحدة خلال سنة واحدة. في بريطانيا 600 مطعم ومرقص في لندن وحدها يرتادها الشواذ، 10 % من البريطانيين شواذ، 41.5 % نسبة المواليد غير الشرعيين في هذا البلد الذي يقال إنّه قدوة في الحرية والتحرّر. في روسيا 10 مليون حالة إجهاض سنويا، ربع الأطفال يولدون عن طريق السّفاح حسب تقرير أعدته هيئة الإحصاء الحكومية هناك. أمّا في السّويد فإنّ الإحصاءات تشير إلى أنّ 80 % من النساء يقعن في الفاحشة قبل الزواج!. هذا هو الزّرع، فما هو الحصاد؟ تقول تقارير منظّمة الصحّة العالمية إنّ الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم، وتشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من مليون مصاب بالأيدز في هذا العالم، وأكثر من 150 ألف شخص يصابون سنويا بالسيلان، وأكثر من 50 ألف شخص يصابون بالزهري كلّ عام.

إنّ المعاصي والذّنوب وتنكّب فطرة الله في خلقه، والإصرار على الانحدار إلى درك الإباحية، هي الأسباب الرّئيسة لهذه الأوبئة والبلايا والنّكبات التي تعيشها البشرية في هذا الزّمان، ولم تسلم منها بلاد المسلمين، لأنّ كثيرا من المسلمين حقّ فيهم ما أخبر عنه المصطفىعليه الصّلاة والسّلامحينما قال: (لتتبعُنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه). قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن).

فماذا بعدما انتشر الزّنا في بلاد المسلمين وأصبحت له دور يرخّص لها وتدفع مرتّبات حرّاسها من أموال المسلمين؟ وماذا بعدما أصبحنا نسمع بفواحش يندى لها الجبين ويستحي اللّسان من وصفها؟. ماذا بعدما أصبح عدد أولاد الزّنا في بلد مسلم كبلدنا الجزائر يتجاوز 4000 مولود كلّ عام، أي بمعدّل 11 مولودا من الزّنا كلّ يوم؟!. ثمّ بعد ذلك نفجع بمسؤولينا يصبّون الزّيت على النّار ويزيدون الطّين بلّة، فيحرّرون تجارة الخمور، التي هي من أعظم أسباب شيوع الفاحشة والفجور، وأهمّ سبب في حوادث المرور، وفي كثير من الآفات والشّرور.

خطب أمير المؤمنين عثمان بن عفّان _رضي الله عنهيوما فقال: “أيها الناس اتقوا الخمر فإنّها أم الخبائث، إنّ رجلا ممّن كان قبلكم من العباد كان يتردّد إلى المسجد، فلقيته امرأة سوء فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل وأغلقت الباب، وعندها صبيّ صغير وإناء من خمر فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسا من هذه الخمر أو تواقعني أو تقتل هذا الصبيّ، وإلا صحت وقلت دخل علي في بيتي فمن الذي يصدّقك؟ فضعف الرّجل عند ذلك وقال: أمّا الفاحشة فلا آتيها وأمّا النفس فلا أقتلها، فشرب كأسا من الخمر فما شعر أن طلب المزيد فما برحت تزيده حتى وقع في الفاحشة وقتل الصبيّ؛ فاجتنبوها فإنّها أمّ الخبائث، وإنّه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخراهـ.

إنّ هؤلاء الذين يسعون إلى إشاعة الخمور في هذا البلد المسلم، متذرّعين بتوصيات منظّمة التّجارة العالميّة، لن يردعهم رادع عن تحرير تجارة الأعراض، وإشاعة بيوت الزّنا والخنا، بحجّة تنشيط السّياحة لتكون بديلا للبترول الذي تهاوت أسعاره!، قديما كان العرب يقولونتجوع الحرّة ولا تأكل بثديها، لكنّ هؤلاء وبدل أن يسعوا إلى إيجاد قوة صناعية تغني البلد عن مداخيل البترول، كما فعلت الصّين وكوريا وتركيا، بل وحتى بعض البلدان الإفريقيّة، إذا بهم يسعونفي بلد مسلمإلى إيجاد بدائل عافتها كثير من البلدان الغربية، تُغرق البلد في مزيد من التخلّف وتحوّله إلى سوق رائجة لبضائع دول العالم جميعا، بل ربّما إلى حانة كبيرة يرتادها المنحرفون من كلّ حدب وصوب، وإلى ما هو أنكى من هذا وذاك إن لم يتداركنا الله برحمته ويتحرّك الغيورون لوقف هذا العبث.

إنّنا لا نريد لهذا البلد المسلم أن يتحوّل إلى حقل تجارب أو إلى ملعب يستظهر فيه أصحاب العُقد والنّزوات مهاراتهم في القفز على الثّوابت، ويتحوّل إلى مباءة لمصائب وأوبئة وأمراض العالم التي تسبّبها إشاعة الخمور والفجور.

 

إنّ سنن الله في إنزال عقوباته بسبب تسلّط المترفين ماضية ولن تحابي أحدا، يقول جلّ شأنه: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا، والإهلاك قد يكون بالأزمات الاقتصادية الخانقة، وقد يكون بالفتن الحالكة، وقد يكون بالأمراض والأوبئة الفتّاكة، وإذا لم يتوقّف العابثون عن عبثهم فإنّنا سندفع الفاتورة جميعا، يقول الحبيب المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “كلاّ والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يد الظالم ولتأطرنّه على الحق أطرا ولتقصرنّه على الحقّ قصرا، أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننّكم كما لعنهم” (الترمذي وابن ماجه). نسأل الله السّلامة والعافية والهداية.

مقالات ذات صلة