-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إسبانيا.. كوريا والجزائر

حسين لقرع
  • 3119
  • 3
إسبانيا.. كوريا والجزائر

في أواخر السبعينيات، رشحت هيئاتٌ اقتصادية عالمية إسبانيا وكوريا الجنوبية والجزائرَ لتحقيق وثبة اقتصادية عملاقة واللحاق بركب الدول الصناعية المتقدّمة في غضون عشرية واحدة، بالنظر إلى إمكاناتها الاقتصادية المعتبَرة التي تضعها في مقدّمة البلدان المرشّحة للنمو السريع.

وبعد عشر سنوات، استطاعت إسبانيا تدارك ما فاتها مع الطاغية فرنكو، واللحاق بباقي الدول المتطوّرة، وحققت كوريا الجنوبية الأمرَ نفسه، لأنهما أحسنتا استغلال مواردهما لإقامة اقتصاد منتج تنافسي متعدّد المصادر غير قائم على الريوع، وباستثمارهما في الإنسان والبحث العلمي والتيكنولوجي، في حين بقيت الجزائر تعتمد كليا في مداخيلها على المحروقات، واتجهت إلى تكثيف الاستيراد والاستهلاك تحت شعار “من أجل حياة أفضل”، ما عرّضها لأزمة اقتصادية خطيرة بمجرّد تراجع أسعار النفط في 1986.

ومع أن تلك الأزمة أكّدت مدى خطورة الاعتماد على مصدر واحد للدّخل، ولا سيما إذا كان هذا المصدرُ سينضب حتماً في المستقبل، إلا أنّ النظام لم يستخلص منها أيّ درس، وأصرّ على الاستمرار في الاعتماد الكلي على المحروقات إلى حدّ الساعة، وكأن شيئاً لم يكن.. فبعد 28 سنة كاملة من أزمة 1986، لا تزال دارُ لقمان على حالها، ومداخيل المحروقات تشكّل 98 بالمائة من مداخيل البلد الخارجية، ومئاتُ الملايير التي تُجنى منها تُنفق ذات اليمين وذات الشمال، دون أن تشهد القطاعات خارج المحروقات أيّ نموّ حقيقي يُطمْئِن الجزائريين إلى إيجاد بديل دائم للثروة النفطية المقبلة على النفاد.

ويؤكّد خبراءُ الاقتصاد أن أي انخفاض في أسعار النفط دون الثمانين دولاراً سيسبّب أزمة مالية خانقة في البلد في ظل ارتفاع حجم الواردات والنفقات وكتلة الأجور.. كما اعترف رئيس الحكومة نفسه أن الجزائر قد لا تتمكن من تصدير برميل واحد للنفط بعد عام 2030 نظراً إلى ارتفاع الطلب الداخلي وانكماش الإنتاج وتراجع الاحتياطات، ولكن عوض أن يدفع ذلك كله البلدَ باتجاه البحث عن موارد أخرى غير المحروقات وتوظيف مداخيل النفط المرتفِعة لبناء اقتصاد منتج وتنافسي ومتعدد الركائز، يُصرّ على إبقاء اقتصادنا ريعياً بحتاً، بل يُكرّس الأمر بالاتجاه إلى استغلال الغاز الصخري برغم كل أخطاره على البيئة والموارد المائية، ونقص مردوديته…

نفهم أن البلدُ لا يحقق تطوراً صناعياً وتيكنولوجياً مماثلاً لما حققته إسبانيا وكوريا الجنوبية ودولٌ أخرى لأسبابٍ عديدة، ولكن كيف يعجز عن تأمين غذائه على الأقل ولا ينتج منه سوى 30 بالمائة، وهو أكبرُ بلدٍ إفريقي وعربي من ناحية المساحة وقد كان يصدّر الحبوب إلى العالم في العهدين العثماني والفرنسي؟ وكيف يعجز عن جلب ملايين السيّاح كما تفعل إسبانيا وتركيا وهو مصنف من بين 10 أجمل بلدان في العالم؟

إسبانيا أحدثت قطيعة مع نظام فرنكو الاستبدادي فتقدّمت، والبرازيل وضعت حدا للشمولية وسارت نحو الديمقراطية الحقيقية فبنت اقتصادا متقدّما، وتركيا أنهت عهد الوصاية وأعادت الكلمة إلى الشعب منذ عام 2002 فقط فحقق لها أردوغان معجزة اقتصادية حقيقية وانتقل باقتصادها المتخلف من المرتبة 111 إلى المرتبة الـ17 عالمياً.. هذا يعني ببساطة ووضوح أن المشكلة تكمن في طبيعة النظام، وما دام نظامُنا مصرّا على الخلود في الحكم، قائماً على الريع، غارقاً في الفساد، لا يكترث بالاستثمار في الموارد البشرية والأدمغة وتحفيز الإنتاج والإبداع، فلن يحقق البلدُ أي تطور حقيقي. وفي كل الأحوال، فإن أموالَ النفط لا تزال كافية لشراء السلم الاجتماعي. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • أنيس أبو الليل

    ماذا تنتظر من أمة ماسينيسا و الكاهنة و يوغرطة و معطوب و مولود معمري و آيت منقلات غير الخراب و الفساد

  • جزائري حر

    أوجزت الكلام و أصبت كبد الحقيقة و وضعت يدك في موضع الداء و حركت مواجع دفينة...و لكن أين التعليقات؟ تجدها في الأخبار الخاصة بالمونديال...

  • عمر

    لا أضن أن أحدا يعير انتباها لما يحدت لان الكل منشغل فالشعب منقسم بين مخضر وساه وغير مبال
    إسأل مختلف شرائح المجتمع عن الغاز الصخري وماهي أضراره الاغلبية لاتعرف
    لم أجد تفسيرا لما يفكر فيه هذا النظام تارة يقول إن اللبترول سينفد ....والبديل أو الحل ........لا يوجد بل سنستمر على ما تعاهدنا عليه
    قالو لنا وجدنا لكم مشروع بديل أكثر سوءا من دي قبل.
    وتارة تجده يتصدق من أموال هدا الشعب وتارة يمحي ديون التي هي بالطبع اموال هذا الشعب
    u