الرأي

اعتذار أم ابتذال؟

محمد سليم قلالة
  • 3672
  • 11

ما دُمنا نواصل المطالبة بالاعتذار عن جرائم الاستعمار فإن ذلك يعني أننا لم ننتصر عليه بعد، لأن المُنتَصر لا يُطالب بالاعتذار إنما يفرض الاعتذار. الذي لم يُكمِل انتصارَه هو الذي يسعى للتمويه على ذلك، بطلب الاعتذار، أما المنتصر حقيقة فلا حاجة له بالاعتذار، فهو بالنسبة له تحصيل حاصل، وبالطريقة التي يريد…

نحن لسنا كذلك، لأننا لم نُكمِل الانتصار العسكري بانتصارات أخرى على الجبهات السياسية والاقتصادية والثقافية، عكس ذلك عرفنا تدهورا كبيرا على هذه الجبهات… فكيف بالتابع سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أن يطلب من الآخر الاعتذار؟

من وجهة نظري، ينبغي التوقف عن الخوض في هذا الملف، وأن نستبدله بالإجابة على أسئلة أكثر أهمية: ما الذي يُبقينا في تبعية لمستعمر الأمس على أكثر من جبهة؟ ما الذي يجعل مسؤولينا لا يرتاحون إلا في باريس ولا يعالجون إلا هناك ولا يشترون عقاراتهم إلا قرب الإليزي؟ مَن الذي يجعل شبابنا يتوق إلى الهجرة وعدم البقاء، بل ويركب قوارب الموت للوصول إلى هناك؟

مَن مِنَ الأطراف في موقف ضعف حتى يعتذر إلى الآخر؟ نحن أم الفرنسيون؟

أظن أن السياسات التي انتهجتها البلاد منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، لم تكن لتؤدي إلى حالة نفرض فيها احترامنا على الآخرين ونفرض فيها الاعتذار أو العفو عند المقدرة على الآخرين.

أما وهم يعرفون الآن حقيقة وضعنا الاقتصادي، وحقيقة جبهتنا الداخلية، وحقيقة حالنا الثقافية، وحقيقة الأوضاع الاجتماعية التي نعيش وأحيانا أكثر مِنَّا، والأكثر من كل ذلك حقيقة مسؤولينا الذين يحجُّون إلى بلادهم في كل لحظة، وحقيقة أبنائهم وعائلاتهم ممن يفخرون بالذهاب إلى هناك دون فيزا… كيف سيستقبلون هذا الشعار الذي مازلنا نوهِم أنفسنا من خلاله بأننا أبطال؟

علينا ان نحترم المسؤولين الفرنسيين، لأنهم إلى حد الآن مازالوا يراعون مصالحهم في التعامل معنا، ويرفضون التعليق على الحال التي أوصلَنا إليها بلدنا بأنفسنا، وربما يمتنعون عن التشهير بكثير مما يعرفون عنّا، وأن نراجع أنفسنا قبل أن نلوم غيرنا. وقبل هذا وذاك، أن نطرح على أنفسنا الأسئلة الصحيحة: كيف يمكننا أن نواصل الانتصارات التي حققها أبطال نوفمبر على جبهة الكفاح العسكري، بانتصارات أخرى على جبهة الصراع الثقافي والاقتصادي والسياسي؟ أي جيل علينا أن نكوّن ليثق في قدرته على تحقيق هذه الانتصارات؟ وهل مازال لدينا أمل في ذلك أم فات الأوان؟

الإجابة على هذه الأسئلة، ومعرفة الطرف الفرنسي متى يمكننا فعل ذلك حقيقة، هي وحدها التي تعطي قيمة لإعادة طرح مسألة الاعتذار.. أما دونها، ونحن كما نحن، فإن الحديث عن ذلك ليس سوى مجرد ابتذال، وأي ابتذال؟!

مقالات ذات صلة