الرأي

الأغلبية و”الشتات” الانتخابي

حسان زهار
  • 1031
  • 12
ح.م

لاحظوا معي هذه المعادلة الغريبة… تيار واحد تقريبا، يقدم عشرات المترشحين للترشح لمنصب الرئاسة، بينما يراقب التيار المضاد الوضع بخبث ودهاء، ويتربص حتى الأوقات الحاسمة لينقض كما ينقض الذئب على الفريسة.

أكثر من 120 اسم تقدموا.. وحملوا الاستمارات الرئاسية، وهاموا في طول البلاد وعرضها.. كلهم مؤمنون بالخيار الدستوري، وبالانتخابات كحل وحيد للأزمة.. ومعظمهم وطنيون، عروبيون.. نوفمبريون باديسيون، إسلاميون، بما يعني أنهم يغرفون جميعا تقريبا من معين واحد، وكتلة انتخابية واحدة.

أما التيار العلماني، الفرونكوبربري، جماعات التأسيسية، الصوماميون ومن على شاكلتهم، فلا نكاد نرى لهم أثرا في الأسماء المترشحة، لكنهم يتحركون بقوة في عمليات التفاوض السري، والكواليس، وفي إعداد المرشح “الجامع” لهم، الذي يمكن أن يطرحوه في آخر لحظة، ليقلب الطاولة على الجميع.

خطة التيار الأول، تبدو أنها لا خطة، مجرد كيانات وشخصيات عاطفية تتحرك وفق نوازع شخصية، أو حماسة نوفمبرية، لا يكاد يربط شخوصها رابط، رغم اتفاقهم في الجوهر، فهم كثير ولكن كما ورد في الحديث “كغثاء السيل”، وبقية الحديث المؤلم في مدلولاته تعرفونه (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن).

أما التيار المقابل، الذي قاطع لجنة الحوار وسيطر عليها، وقاطع سلطة الانتخابات وسطا عليها، فيواصل لعبته المعروفة في الخداع والمكر، وفق خطة تبدو مدروسة بإحكام، مواصلة الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات والدعوة لمنعها، ليتسنى له فيما بعد السيطرة على نتائجها ومخرجاتها إان استطاع طبعا.

وقد رأينا كيف يتحرك هؤلاء، وكيف اخترقوا الحراك بداية، ثم استولوا عليه، وها هم الآن يتكلمون عن إنشاء “المجلس الأعلى للحراك”، وعن “مرشح الحراك”.. من ذات الفصيلة التي تنتمي اليها الأقلية الفاعلة، بعد أن أدركت أن الأغلبية المفعول بها قد استحلت حالتها تلك تحت الأرجل.

فماذا سيكون رد فعل هذه الأغلبية التي لا تريد أن تتعلم لو أن الأقلية التي تتربص بخبث، وتناور بدهاء، أعلنت فعلا في آخر لحظة عن “مرشح الحراك” لدخول معترك الرئاسيات؟

ألا يمكن حدوث ذلك في عالم السياسة، حتى وإان كان أصحابها يرفعون شعار الرفض المطلق للرئاسيات؟

وماذا سيحصل حينها، وقد توحدت الأقلية وصارت قوة قاهرة، وتشتت الأغلبية، حتى لم تعد شيئا مذكورا؟

نقول هذا ونتساءل، ونحن نرى لحد الساعة أنه لم يظهر من بين عشرات المترشحين من التيار الأصيل مرشح واحد يمكن الاجتماع حوله، أو بإمكانه أن يشكل رافدا للجذب والوحدة.

الذين قدروا جبنوا.. والذين امتلكوا الشجاعة تنقصهم القدرة.. وبين هذا وذاك تتربع العبثية و”الراي التالف” كما يقال.

وإلا ما الذي يمنع في مواجهة فكرة “مرشح الحراك”.. تقديم “مرشح الشعب”؟

إن انعدام الرؤية والخطة التي تتيح تقديم الأخيار، وتأخير الأشرار أو من هم دون المستوى، مشكلة كبيرة لا بد أن يعترف بها التيار الوطني، حتى يمكن مواجهتها والتخلص منها مستقبلا.

تليها أمراض كثيرة مستوطنة في نفوس النخبة عند هذا التيار للأسف، كالغيرة والعنجهية والكبر، وانعدام الإيثار وقلة الخبرة وسوء التخطيط وافتقاد الرؤية الاستراتيجية في المواجهة.. وهذه الصفات السيئة كانت دائما السبب في تغول الطرف المقابل رغم قلّته، وفي سيطرته على مفاصل الدولة والمجتمع.

بالنهاية، اذا توحدت الأقلية تحت مرشح واحد، وزاد تشتت الأغلبية خلف هذا العدد الكبير من المترشحين للترشح، فإن أخشى ما نخشاه أن نستيقظ على أحد احتمالين لا ثالث لهما..!

مقالات ذات صلة