الرأي

الأفكار الميّتة والأفكار القاتلة

محمد سليم قلالة
  • 5113
  • 3

من غير أن تكون لديّ معطيات عن خلفيات ما حدث أول أمس، من افطار جماعي وعلني، ومن غير أن أخوض في الدواعي السياسية أو غيرها لمثل هذا السلوك، أقول من زاوية صراع الأفكار في المجتمع ما قاله المرحوم مالك بن نبي، أن الفكرة في حد ذاتها كما تم تجسيدها في الواقع، هي فكرة ميتة ومميتة لمشروعها ومخذولة مهما كانت خلفياتها أو مسبّباتها.

 فكرة ميتة لأنها لا تمتلك جذورا في المحيط الذي طُرحت فيه، وهي خارجة عن قالبها الأصلي “الحريات الفردية”، ومستوردة إلى مجتمعنا بدون أن ترافقها “المضادات الحيوية” لمثل هذه الأفكار التي عادة ما تسود المجتمعات الغربية.

وهي فكرة ميتة لأنها ليست هي جوهر الحضارة ولا أساس بناء الديمقراطية، ولا حتى أساس تكريس الحريات، هي نقل مشوّه لصورة عن المجتمعات الغربية في محاولة للتعامل مع مشكلات ذات طبيعة محلية لا علاقة لها بالتطور الحاصل في الغرب.

وهي من ثم فكرة قاتلة، ليس لأنها ستؤدي إلى قتل الأفكار المضادة لها، إنما لأنها ستقتل نفسها بنفسها، باعتبار أنها لن تترك الآثار الاجتماعية والسياسية المتوقعة منها، عكس ذلك ستنبّه الناس إلى مسألة في غاية الأهمية: أن الشعوب التي استفادت من الحضارة الغربية وحققت التطور الهائل الذي عرفته، لم تقم أبدا باستيراد الأفكار الميتة منها، بل استفادت من الأفكار الحيّة التي مكّنتها من تحقيق التقدم والازدهار مثل المجتمع الياباني.

أبدا ما خرج هذا المجتمع عن قيمه الحضارية، وأبدا ما سعى إلى تحطيم ثقافته الذاتية، لأجل أن ينفتح على الغرب، بل عكس ذلك تماما ما زالت “الشنتو” هي “الديانة” أو “الكامي” المتحكّمة في التقاليد اليابانبة، بل تحكم إلى اليوم مراسيم تنصيب الإمبراطور كأعلى سلطة في البلاد… كتقليد سياسي.

إذن فسواء أكان لهذا الحدث خلفيات سياسية، أو كان نتيجة انتقام ضد أخطاء تم ارتكابها في حق مجموعة من الشباب، أو هو مناورة مدروسة، فإن النظر إليه من الزاوية الموضوعية لا يمكن إلا أن يوصلنا إلى القول: لسنا اليوم في حاجة إلى مثل هذه الأفكار الميتة والمخذولة التي قد تتحول إلى  القاتلة، بقدر ما نحتاج إلى أفكار حيّة مهما كان مصدرها ولو كان هؤلاء الشباب.

مقالات ذات صلة