-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأوقاف ودورها في التنمية

التهامي مجوري
  • 408
  • 0
الأوقاف ودورها في التنمية

ما قامت به الإدارة في استرجاع الأملاك الوقفية منذ سنة 1991 جهد معتبر، والاجتهادات المبذولة في الإستثمار في الأملاك وأموالها مهم أيضا وتشكر عليه الإدارة، ولكن الأهم كإدارة وصية وصاحبة اختصاص أن تهتم بعملية الوقف من جانبها الاجتماعي والتعبدي والتنموي، ولا تتعامل معها كممتلكات عمومية تحافظ عليها، كما تحافظ على غيرها من الممتلكات التي أنشئت لصالح المجتمع وحسب؛ لأن الوقف له مهمة وخصوصية في المجتمع تختلف عن المنشآت التي تنشئها الدولة تلبية لحاجات اجتماعية.

فالوقف ينشأ لتلبية حاجة اجتماعية ولا شك، ولكن الذي ينشئ الوقف هو المواطن –الواقف- الذي يريد لما أوقف أن يبقى ويستمر له صدقة جارية تعبدا لله قبل ذلك، وقانون الوقاف ينص على ذلك، بحيث لا يجوز للإدارة أن تتصرف فيه إلا في إطار ضيق جدا وبمشورات موسعة مع أهل الاختصاص من الفقهاء وخبراء العقار ومراعاة المصالح والمفاسد ومراعاة نوايا الواقفين؛ لأن الوقف في الأصل وضع لغاية يقررها الواقف وليس الإدارة، ولا يجوز التصرف في هذه النية.

والوقف أظهر ما تكون خدمته في شقيه الإجتماعي والتعبدي في الوقف الخاص، وليس في الوقف العام؛ لأن الخدمة العمومية واجب الدولة، أما الوقف الخاص فهو من صنف خدمة المجتمع لنفسه، بحيث يساهم في تحريك عجلة التنمية الاجتماعية، ويطلق عنان المبادرات الاجتماعية والحريات إلى أبعد حد في ذلك؛ لأن الوقف في جوهره إضافة إلى كونه يساهم في التنمية الاجتماعية واالاقتصادية، ينمي في المجتمع روح التعبد والسخاء والعطايا وإنفاق الأموال وإطلاق المبادرات العلمية والثقافية والإجتماعية، بحيث يكون جهد المجتمع مكملا لما عجزت عنه مؤسسات الدولة؛ بل إن الوقف في المجتمعات الناهضة يعد من أهم مصادر تمويل مؤسسات المجتمع المدني، بوقف الأملاك والمستثمرات على الجمعيات والنقابات وغيرها من المنظمات الشعبية، والفقراء والمساكين والأيتام والأرامل وأبناء السبيل وعلى طلبة العلم وعلى الأعمال الخيرية المتنوعة التي يقوم بها الأفراد وغيرهم من الجمعيات والمؤسسات الشعبية…إلخ.

وهذا التوجه الذي لأجله كانت الأوقاف قديما، لا يبدو على الإدارة الاهتمام به؛ لأنها تنظر إلى مهمتها في الحكومة على أن الأوقاف جزء منها، تهتم بإدارة ما هو موجود من مؤسسات ومراقبتها وفق ما تريد الحكومة من مساهمة في التنمية، على اعتبار أن المسألة الدينية أمر شخصي فإذا وجد المتدين، فإن وزارة الشؤون الدينية تنظم له أوقات الصلاة وتعين له الإمام وما إلى ذلك من الأمور. أما الأوقاف كرافد تنموي فالإدارة يبدو أنها تنظر إليه على أنه من القضايا التي لا يحق لأي جهة التدخل فيها؛ لنها موزعة على مسؤوليات الحكومة، فالجانب المالي تشرف عليه وزارة المالية، والمدارس تشرف عليها وزارة التربية، والمراكز الثقافية تشرف عليها وزارة الثقافة والسياحة…إلخ، ومن ثم يوزع الوقف ووظيفته الاجتماعية على الأطراف الإدارية، فتتعطل وظيفته، ويستبعد كل تدخل بما في ذلك الواقف الذي أنشأ الوقف لغاية محددة، يضمنها له القانون.

وأظهر ما يكون التحلل الرسمي من الالتزام بالجانب الإجتماعي التعبدي للأوقاف، في تعطيل الوقف الخاص الذي قامت به السلطة منذ مدة، حيث أن الإدارة بعد صدور قانون الأوقاف 91/10 الذي ينص على الأوقاف كما هي معروفة في الفقه الإسلامي، وقف خاص ووقف عام ووقف ذري… إلخ، فعدل القانون بتعطيل الوقف الخاص واكتفت الإدارة بالإذن في الوقف العام، في حين إن الوقف الخاص هو الأنفع في حركة المجتمع وتنميته الإجتماعية كما أسلفنا، وكأن الإدارة تريد أن تقول للمواطن إذا أردت ان توقف شيئا، فلا يمكنك أن توقف شيئا إلا في إطار مساعدة السلطة عبر الوقف العام، أما خدمة المجتمع ومساعدته على تنمية جانبه الروحي، عبر الوقف الخاص الذي يبدو فيه سلطان الواقف أقوى، فذلك لا يقره القانون بسبب تعطيل الوقف الخاص. وهذا مخالف لروح القانون الذي ينص على أن الوقف تحدده نية الواقف، ومن ثم فإن فكرة تعطيل الوقف الخاص، مخالفة لا سند قانوني ولا شرعي لها، من ناحية أن سلطة الواقف أقوى من أي سلطة، ومن ناحية أخرى أن وظيفة الوقف عبر التاريخ وفي كل العالم بما في ذلك الغرب الذي قنن لذلك، اجتماعية بالأساس، أي أن الوقف ينشأ لتقديم خدمة اجتماعية مبرأة من كل خلفية سياسية كانت أو كيدية؛ بل إن الاستثمار في الوقف، استثمار أخروي خالد كما جاء في الحديث النبوي الشريف “إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينت وولد صالح يدعو له”، فالصدقة الجارية هي الوقف، بحيث ينشئ المرء الوقف ليستفيد منه المجتمع وما به من مخلوقات ويصله الأجر عن ذلك في قبره، والذي يستفيد من الوقف ويضمن الأجر يمكن ان يكون من الطيور والحيوانات… إلخ.

وهنا يتعين على المسؤولين في وزارة الشؤون الدينية والاوقاف، والمجلس الإسلامي الأعلى، وعميد جامع الجزائر، والبرلمانيين وغيرهم من المسؤولين الذين لهم غيرة على قيم المجتمع وحركيته الجامعة بين الدنيا والاخرة، أن يتحركوا في اتجاه إنقاذ قانون الأوقاف وإخراجه من هذا الانحسار الذي وضعته فيه الإدارة، حتى يساهم في حركة المجتمع.

إن العالم اليوم يعتمد على المجتمع المدني في قضاء حوائجه أكثر من اعتماده على الحكومة؛ لأن المجتمع هو الذي يحدث الحركية التنموية وليس السلطة، بفضل ما يقوم به من مبادرات وأنشطة عملية في الميدان بجميع تخصصاته؛ بل إن الحكومة نفسها لا تستطيع فعل شيء إن لم يدفع المجتمع ضرائبه!! والأوقاف التي هي في جوهرها مبادرات شعبية، تتجاوز في عطائها للمجتمع الضرائب التي هي محدودة مهما كانت مداخيلها.

وهنا تظهر أهمية الأوقاف عموما والوقف الخاص خصوصا، في عملية التنمية الإجتماعية والاقتصادية، من حيث أن الأوقاف في جانبها التعبدي يحرص عليها الناس؛ لأنها تحقق رغبة ذاتية يهدف إليها المتعلقون بالغيب وعبادة الله سبحانه، اما تحقق التنمية الإجتماعية والإقتصادية، فيكون بإطلاق المبادرات الفردية في ذلك، وخاصة في عملية الوقف الخاص التي يشعر فيها الواقف بالحرية وبالاستقلالية وتحقيق ما يريد، من جهة أن تنفيذ الوقف لا يصح إلا بتحقيق نية الواقف، لا سيما في المجتمعات التي انقطع فيها حبل الثقة بين السلطة والشعب، وابتعدت المؤسسات عن طموحات الشعوب.

إن الوقف من حيث هو مثل النشاط الاستثماري، لا يحقق التنمية إلا بالقدر الذي يشعر فيه بالحرية والمسؤولية، فالتاجر عندما يدخل السوق لا يحقق أرباحا إلا عندما يتحرك بحرية بيعا وشراء واختيارا للزمان والمكن والحال، ووسطا حرا في العرض والطلب وغير ذلك من قوانين السوق المعروفة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!