الاستعمار الراسخ
الكثير من الفرنسيين والجزائريين مقتنعون بأن العلاقات الجزائرية الفرنسية حاضرا ومستقبلا يحكمها الماضي الأسود بين البلدين ويحدد مسارها ومصيرها بعيدا عن إرادة الأشخاص ورغباتهم وطموحاتهم…
-
ومهما كانت النوايا سيئة أم حسنة، لأن فرنسا من جهة وكبلد استعماري مارس استعمارا “راسخا” في الجزائر، تعتبر أن الاستقلال الذي حصلت عليه الجزائر هو مجرد خروج من النافذة الضيقة للعودة وبقوة من الباب الواسع، أو أنه مجرد استراحة من الجزائر قال عنها الجنرال ديغول سنة 1963 إنها ستنتهي بعد 30 سنة، وذلك ما حدث بالفعل، وقد انتهت هذه الفترة مع بداية تسعينيات القرن الماضي وانتهى كل ما حققته الجزائر طيلة ثورة التحرير والثورات التي سبقتها منذ 1830 بدخول الجزائر في دوامة الأزمة الأمنية وانهيار بقايا الدولة الوطنية أزمة لم تكن فرنسا بريئة منها إطلاقا، خاصة وأنها قد وجدت من الجزائريين من يدعوها إلى التدخل المباشر والعودة إلى مستعمراتها السابقة ويلح في الدعوة..
-
ولأن الجزائر من جهة أخرى تصر على البقاء في دائرة القابلية للاستعمار وتطلب المعاملة الخاصة من فرنسا في نفس الوقت، ولكن يبدو أن الطبع قد غلب التطبع، وزيارة السيد آلان جوبي الأخيرة تثبت ذلك حيث أنه بالإضافة إلى الحفاوة التي استقبل بها في العاصمة ووهران، جاء ليصر على ما كان يصر عليه سابقه على رأس الخارجية الفرنسية برنار كوشنر الذي لم يكتف برفض اعتراف فرنسا بالجرائم التي ارتكبتها في الجزائر ولكنه ذهب إلى التعبير عن ثقته بوقوف الحكومة الجزائرية ضد مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي وضد كل الجزائريين الذين ينادون بهذا التجريم، بل أن السيد جوبي قطع شوطا آخر في إهانة كل تضحيات الأمة الجزائرية وكل ما ارتكبه بلده من جرائم في حق هذه الأمة عندما وصف هذا المطلب بمجرد اجترار للكلام وبالكثير من التحدي، أما الابتسامات الصفراء للمسؤولين الجزائريين الذين يتصرفون في التاريخ وكأنهم محكومون بالأرشيف الفرنسي المتعلق بالعلاقات القديمة والحديثة بين البلدين والذي يتمنون أن لا يفتح على الرغم من انقضاء مدة السرية والحجز لأن لهم فيه ما يفضح من الأشياء غير السوية ربما الخطيرة في هذه العلاقات بين بعض رؤس النظام الجزائري الحالي والسلطات الاستعمارية خلال الثورة وبعدها. ومن العار أن يحدث هذا ويعير جوبي الجزائريين باجترار قضية تجريم الاستعمار ونحن على أبواب أحياء الذكرى الخمسين لما يسمى استقلال الجزائر عن فرنسا؟