الرأي

الانقلاب!

لا يمكنك الآن، ولو باستعمال منطق الأشياء، أن تُقنع أي جزائري، بأن منتخب بلاده  في لعبة كرة القدم، قادرٌ على الفوز على منتخب كوت ديفوار، ولا يمكنك أن تبني خلف هذا الفوز الوارد، والتأهُّل، احتمالات مواصلة اللاعبين للمغامرة الإفريقية والتتويج بها، بالرغم من أن هذا الجزائري، الذي سيرمي التوقعات المنطقية والاحتمالات الواردة جانبا، هو نفسه من كان يقول قبل أيام قليلة، إن هذا المنتخب قادرٌ على تحقيق الفوز على كبار العالم مثل البرازيل وإسبانيا وفرنسا والأرجنتين والتتويج بكأس العالم في قطر 2022.

هذا الانقلاب هو دليلٌ على أننا مازلنا من الشعوب العاطفية التي تسيّرها اللحظة، فنرى الفائزَ فائزا على الدوام، والخاسرَ خاسرا على الدوام، وهي معادلة حياتية خاطئة، جرّتنا إلى الكثير من الأخطاء، التي أدّت بنا إلى اليأس والقنوط في مجالات عديدة من الحياة، كانت نتيجتها بروز مظاهر أدت إلى كوارث فقدان الثقة بالنفس، ودخول عالم المخدرات ومغامرات الهجرة السرية عبر زوارق الموت، والانزواء بعيدا عن الناس وعن الأحداث وغيرها من الجزئيات التي وضعت الجزائريين أمام الحائط.

قبل أن يقول أي جزائري من الذين غرّدوا لعدة أشهر وسنوات، وبالتحديد منذ أن فاز المنتخبُ الجزائري باللقب القاري في بلاد مصر في جويلية 2019، إن منتخب بلاده لا يُقهر، وسيكون من المرشحين لبلوغ نصف نهائي المونديال وحتى التتويج بكأس العالم، عليه أن يكون خبيرا في لعبة كرة القدم، بمعرفة خطط وإمكانات كل منتخب في العالم، وعليه أن يتجوّل في تاريخ اللعبة ويعلم بأن فرنسا الفائزة بكأس العالم في 1998، خرجت من الدور الأول في النسخة التي تلتها بلاعبيها أنفسهم، كما خرجت إسبانيا المتوَّجة بكأس العالم في 2010، من الدور الأول في النسخة التي تلتها، وسارت على نهجهما ألمانيا التي لا تُقهر في البرازيل 2014 والضعيفة في 2018. وهي نماذج تتكرر، ولكنها لا تدفع هؤلاء لليأس، لأن منطق لعبة كرة القدم أو الحياة عموما، لا يقول إن المنتصر سيبقى منتصرا إلى الأبد، والخاسر قدره أن يبقى خاسرا مدى الحياة، كما أن الخوض في اللعبة بتفاصيلها الدقيقة، ليس متاحا لكل الناس، كما هو حاصل في الجزائر، حيث تتساوى عجوز ماكثة في البيت مع فلاح أو طبيب وهم يحللون ويضعون منتخب بلادهم ضمن الكبار جدا تارة، على خلفية فوز عابر، ثم يرمونه مع صغار العالم، على خلفية هزيمة عابرة.

على الجزائريين أن يدركوا بأنه لا أمّة قدرها أن تكون الأقوى دائما، ولا يكون قدر أخرى أن تبقى دائما تحت الردم، وعلينا أن نقبل بخروج منتخب الكرة من الدور الأول أمام منتخبات غير مصنَّفة، ونبحث عن الداء الحقيقي الذي قد يكون سببه غرور مدرِّب أو تخاذل لاعبين، هم في الأول والأخير بشر، معرَّضون للخطأ، ونتهيَّأ لما هو قادم، لأن الذي فاز ذات صيف بكأس أمم إفريقيا في مصر، قادر على معاودة الكرّة ولو بعد حين أو حتى بعد سنوات وعقود، وكرة القدم مهما شدّت العالم بسحرها، ليست الحياة، ولا حتى جزءا من الحياة.

مقالات ذات صلة