-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البرامج الانتخابية.. حقيقة أم دعاية؟

البرامج الانتخابية.. حقيقة أم دعاية؟
الشروق أونلاين

البرامج الانتخابية هي قوام أي سباق انتخابي، فبقدر قوتها وواقعيتها ومصداقيتها تكون قوة وواقعية ومصداقية المترشح، وبقدر ضعفها وعدم واقعيتها وعدم مصداقيتها يكون ضعف وعدم واقعية وعدم مصداقية المترشح. لقد أدركت الديمقراطيات الانتخابية الرائدة في العالم هذه المعادلة فطبقتها بحذافيرها وجندت كل طاقمها الانتخابي من أجل شرح مضامين وأبعاد هذا البرنامج بطريقة ذكية تمكنها من استمالة عدد أكبر من الهيئة الناخبة.

يحرص المرشحون في البلدان الديمقراطية على تطبيق قاعدة الأولويات وتقديم الأهم على المهم في برامجهم وتجنب الحشو الذي يملأ للأسف كثيرا من البرامج الانتخابية في دول العالم الثالث، إذ يقدِّم المرشحون برامج طويلة مملة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلى درجة يخيل إليك أن البرامج التي سبقتها لم تكن شيئا مذكورا وأنها وحدها الكفيلة بإخراج المواطن من الظلمات إلى النور. ليس من الثقافة الديمقراطية حشو البرامج الانتخابية بكل صغيرة وكبيرة لأن الشيطان، كما يقال، يكمن في التفاصيل، فبقدر التركيز على الأهم تسلم الجرة، ولا تتحول البرامج إلى دليل إدانة لصاحبها من قِبل من انتخبوه ومن لم ينتخبوه لأنه سيصبح في حالة انتخابه رئيسا للجميع من دون استثناء.

اطلعتُ على البرامج الانتخابية لبعض مرشحي الرئاسة في أوروبا وأمريكا فوجدتها قصيرة مختصرة، إذ يحرص كل واحد منهم على أن يكون برنامجه برنامجا متميزا بما يتضمنه من حلول واقعية ومدروسة لأهم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي تخص عادة التفكير في حل أهم المشكلات، كمشكلة التهرب الضريبي أو إيجاد حل لمشكلة التضخم الاقتصادي أو ضمان الرعاية الصحية أو تقليص نسبة البطالة أو تحسين القدرة الشرائية أو إيجاد آليات فعالة لضمان استمرارية الدولة أو تأمين العملة…

ليس هناك وجهٌ للمقارنة بين البرامج الانتخابية التي أتحدث عنها وبرامجنا الانتخابية التي يغلب عليها الحشو والتي يعِدُ فيها صاحبها بحل كل المشكلات، ثم تأتي الحقيقة الصادمة بعد ذلك بعجزه عن الوفاء حتى بمعشار ما وعد به أو عدم الوفاء بكل وعوده الانتخابية وهو ما يجعله في مواجهة لا محيص عنها مع الشعب عند أول يوم من تسلمه للسلطة.

لا أفضل استخدام مصطلح “الوعود الانتخابية” لأن هذه الوعود ينتهي أثرُها في الغالب الأعم مع انتهاء فترة الحملة الانتخابية، إذ يتبين حينها أنها لم تكن إلا طعما أو وسيلة دعائية لاستمالة الناخب لنشهد بعد ذلك واقعا آخر مختلفا تماما وتحولا رهيبا في المواقف أو عجزا بينا عن الوفاء بالوعود.

اطلعت ُعلى برامج بعض مرشحي الرئاسة عندنا فشدني إلى بعضها تنوعها وشمولها للجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية… ولكن أخشى ما أخشاه أن يعجز المرشحون عن تجسيد هذه الوعود في الواقع، ليس لعجز ذاتي، ولكن لعدم تقدير للإمكانات والآليات الفعلية المتاحة، وكنتيجة حتمية لذلك ينتهي مشروع إنهاء الأزمة الذي وعدوا به بأزمة أخرى أكثر فتكا وأشدّ وقعا على الجزائر. لا أتمنى أن يحصل شيءٌ ممَّا حذرت منه لأنني لا أريد مثل كل الجزائريين أن يتكرس نفس الوضع ونرجع إلى الأزمة عودا على بدء.

شد انتباهي برنامج لمرشح مخضرم ملمّ بخبايا السياسة، برنامج يتكون من 54 وعدا موزَّعا على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية وغيرها، وهو التنوع الذي نتمنى أن يتحقق به المأمول أو جزء من المأمول الذي خرجت من أجله الألوف المؤلفة أو بالأحرى الملايين من الجزائريين في الجمعات الأربعين من الحراك الشعبي.

جاء في الشق السياسي لبرنامج هذا المرشح، الفصلُ بين المال والسياسة، وهذا يتطلب إصلاحا عميقا للآليات القديمة التي سمحت بطغيان المال الفاسد وتحكمه في إدارة الشأن السياسي، ودون هذا الأمر سنوات من العمل المتواصل الذي من شأنه تحويل هذا الوعد الانتخابي إلى حقيقة معيشة والذي قد يستنفد لوحده عهدة المرشح أو عهدات أخرى في حالة فوزه بكرسي الرئاسة من دون أن يحقق بشأنه شيئا ذا بال، ليس بسبب تقاعسه وقلة حيلته وضعف حنكته ولكن بسبب الإشكاليات المعقدة  المتصلة بالقضية والعراقيل الجمة التي سيجدها في سبيل تجسيده على أرض الواقع.

ومما جاء أيضا في الشق السياسي من برنامج هذا المرشح مراجعة الدستور والفصل بين السلطات، وليس هذا بالأمر الهيِّن فدونه ورشات ومراجعات عميقة ودقيقة للقوانين، وهذا قد يستنفد عهدة المرشح وعهدات أخرى من دون أن يتمكن، واقعا لا ضعفا، من تجسيده أو تحقيق الجزء الأكبر والأهم منه. ومما جاء أيضا في الشق السياسي من برنامج هذا المرشح تحقيق حرية الصحافة واستقلاليتها، وهذا مشروعٌ كبير يحتاج إلى جهد سنين؛ فتحرير الصحافة والقضاء على معوقات العمل الصحفي والإعلامي بصفة عامة لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها.

ومما جاء في الشق الاقتصادي من برنامج هذا المرشح، تنفيذ سياسة جديدة للتنمية خارج عائدات المحروقات وتثمين الإنتاج الوطني واستبدال المنتجات المستورَدة بالمنتجات المحلية وتنمية الفلاحة وتنويع الاقتصاد الوطني… هذه غاية أمانينا ولكن أي ضليع بالوضع الاقتصادي العام يدرك بأن هذا يتطلب تغييرا جذريا في المنظومة الاقتصادية وعلى المدى البعيد أو الأبعد بالأحرى بالنظر إلى العجز الاقتصادي الرهيب الذي نعاني منه وعلى كل المستويات، فحسبنا في هذا المجال، قبل أن نفكر في تحسين وضعنا الاقتصادي، أن نفكر قبل هذا في تأمين غذائنا وحماية اقتصادنا وحفظ مواردنا وتأمين عملتنا الوطنية التي تواصل الانهيار في بورصة الأوراق النقدية.

ومما جاء في الشق الاجتماعي من برنامج هذا المرشح حل أزمة السكن نهائيا وجعل الحصول على سكن أولوية مطلقة، والإعفاء الضريبي التام للمداخيل المنخفضة، والحفاظ على النظام الوطني للنظام الاجتماعي والتقاعد… كل هذه الوعود جميلة ولكن أجمل منها أن نفكر في آليات تحقيق هذه الوعود، فالقضاء على أزمة السكن يسبقه القضاء على بعض مظاهر الجشع والطمع ومظاهر التحايل والاستهتار بقوانين الدولة وثقافة التحلل عن الالتزامات التي تولد بدورها ظاهرة إقامة تجمُّعات قصديرية جديدة في تحدٍّ واضح لسلطة القانون ولسلطة الدولة.

ما ذكرتُه من برنامج هذا المرشح ليس إلا عينة من البرامج الانتخابية المليئة بالوعود الانتخابية والتي لا يتحقق منها في النهاية إلا شيء يسير أو لا يتحقق منها شيء بالمطلق، فقد قيل “إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع”، وأقول قياسا على ذلك لكل المرشحين: “إذا أردت أن تفوز في الاقتراع  فعِدْ ما يستطاع”، هي نصيحة غيور على الوطن يدرك أن البرنامج المدروس والمؤسس والواقعي هو الذي يضمن مصداقية المرشح ومصداقية العملية الانتخابية برمتها. أليس من الضحك على الأذقان أن يعِدَ أحدُ المرشحين بتحويل الجزائر إلى جنة مع أن هذه الجزائر القارة لم تكن ولن تكون يوما جهنم؟ إن تحويل الجزائر إلى جنة كما يعِدُ هذا وغيرُه مرهون بشيء واحد وهو أن نطهر الجزائر من الأيدي الآثمة العابثة التي لا تتورع عن تبديد المال العام أو إنفاقه في غير وجوهه المشروعة مما يضر بالاقتصاد الوطني. وفي نفس السياق، سمعت ممثل أحد المرشحين يقول: “في برنامجنا، الاقتصاد المنتج وأخلقة التجارة!” فقلت في نفسي إلى هذا الحد من التسيب الاقتصادي وصلنا حتى يصبح “الاقتصاد المنتِج” أقصى أمانينا؟ هل هناك  في القاموس الاقتصادي اقتصادٌ غير منتج؟! إلى هذا الحد وصلنا من الفساد التجاري حتى يتحدث أحدُنا عن أخلقة التجارة، ألا إن أخلقة التجارة مرتبطة بأخلقة السياسة وأخلقة الحياة الاجتماعية فصلاح التجارة وغيرها من صلاح الشأن السياسي والاجتماعي، وهنا يتحتم علينا حسن توظيف مقولة “الحصان قبل العربة أو العربة قبل الحصان” وفعل الاختيار الأمثل والأفضل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • elarabi ahmed

    مند أن حلت علينا هده الديمخرابية فى وطننا العربى والأنتخابات تزور فكيف للمواطن أن يقتنع ويثق فى الأنتخابات والمنتخبين