-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التربية والتكوين: تأسيس شبكة موضوعاتية بحثية

التربية والتكوين: تأسيس شبكة موضوعاتية بحثية

هناك عدة وكالات بحثية تشرف عليها المديرية العامة للبحث العلمي التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يطلق عليها “الوكالات الموضوعاتية”، منها وكالة بالعاصمة متخصصة في العلوم والتكنولوجيا وأخرى بقسنطينة تُعنى بالعلوم الاجتماعية والإنسانية. وقد نظمت هذه الأخيرة يوم 15 نوفمبر لقاءً واسعًا من أجل تأسيس الشبكة الموضوعاتية البحثية الخاصة بمجال التربية والتكوين. وهي مبادرة أثنى عليها كل من حضر اللقاء لما فيها من فوائد مرجوة من مخرجات البحث العلمي الهادف إلى خدمة المجتمع طولًا وعرضًا.

مشاركة واسعة
وقد شارك في هذا اللقاء الذي تم في جلستين مطولتين نحو 100 باحث وخبير وممثل لمختلف القطاعات المعنية بالتربية والتكوين، نذكر منها المدارس العليا للأساتذة، ووزارة التربية، ووزارة التكوين والتعليم المهنيين، ووزارة الصحة، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة التضامن الاجتماعي. وهذا فضلا عن عدد من الهيئات الوطنية، مثل الهيئة الوطنية لحماية الطفولة والأمومة وفدرالية أولياء التلاميذ. كما شارك عدد من المراكز البحثية، منها المعهد الوطني للبحث في التربية، ومركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، ومركز البحث في العلوم الإسلامية والحضارة، ومركز البحث في الاقتصاد المطبق. وتميز اللقاء أيضا بمشاركة خبراء مختصين في علوم التربية وعلم الاجتماع التربوي من مختلف الجامعات.
هذه المشاركة الكثيفة والمتنوعة هي التي جعلت المداخلات تصبُّ في اتجاهات مختلفة كان من الصعب الإحاطة بها بشكل دقيق. والواقع أن الهدف من هذا اللقاء -كما أسلفنا- هو العمل على تأسيس “الشبكة الموضوعاتية للبحث في التربية والتكوين”. ولهذا الغرض يتّجه العمل نحو التعاون بين جميع الفاعلين ذوي الصلة بهذا الميدان من أجل التفكير في آليات بلورة بحوث مؤسساتية تتكفل بالمحاور الجوهرية التي تخص الأداء التربوي والعملية التكوينية. ومن المنتظر أن يتجسد ذلك، في آخر المطاف، في شكل دعوات لتنفيذ مشاريع بحثية تسعى لإيجاد حلول ميدانية تتجاوز البعد النظري.
وهكذا تم في نهاية الجلستين الإعلان عن تأسيس هذه الشبكة لتليها في المستقبل جلسات أخرى من شأنها أن تحدد المحاور الأساسية التي تطمح الشبكة في أن تكون الانطلاقة الفعلية لتنفيذ مهام الشبكة المحددة بمقتضى مرسوم صادر سنة 2019. وحسب هذا المرسوم، ينبغي أن تضم الشبكة الموضوعاتية بوجه خاص “كيانات البحث والكيانات التابعة للقطاع الاجتماعي والاقتصادي والهيئات ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي والجمعيات المعتمدة ذات الطابع العلمي وكذا الشخصيات العلمية وخصوصا منهم الكفاءات الوطنية المقيمة بالخارج”.
أما الشبكة الموضوعاتية فهي فضاء يهدف إلى توحيد الكفاءات وتجميعها والاستعمال المشترك للوسائل وتشجيـع العمل الجماعي لتنفيذ المشاريع ذات المصلحة المشتركة. كما تسعى إلى تطوير مشاريع البحث حول موضوعات معينة عن طريق الوكالة الموضوعاتية بالتعاون مع الشبكات والهيئات الوطنية والدولية الناشطة في ميدان اختصاصها. وتهدف الشبكة أيضا إلى إخراج الجامعة ومؤسساتها البحثية من إطارها الحالي (النظري المنعزل) وتشجيعها على تبني الملفات الإستراتيجية للبلاد والمساهمة في إنجاز مشاريعها.

شبكة التربية والتكوين
وإذا عدنا إلى الحديث عن الشبكة التي كانت موضوع لقاء الأربعاء، فإننا نلاحظ أنها تركز على جانب التربية والتكوين. وذلك لأهمية هذا القطاع الذي يمس أزيد من 12 مليون متعلم ويشغّل نحو مليون موظف. ثم إن القطاع يتميز بطابعه الدينامكي الذي يتطلب المراجعة الدائمة والتجديد ومسايرة التطورات في ظل التحولات العالمية. ولذا، فإن هذه الشبكة ستسعى إلى تقصي وتحليل الجوانب التي تتطلب الدراسة، وبناءً على ذلك تتحدَّد أولويات البحث ويتم استكشاف وسائل معالجتها في سياق إستراتيجية شاملة تجعلنا ندرك طبيعة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والتواصلية في المجال التربوي. وأبرزُ المحاور في هذا الباب هو التسيير التربوي والفعل التربوي والسياسات التربوية.
وبطبيعة الحال، فالأمر يستدعي برمجة نشاطات دورية تساهم في تحديد احتياجات البحث ضمن مشاريع واضحة المعالم وتدقيقها. وفي هذا السياق، من المنتظر إنشاء أرضية توثيقية تستعرض مختلف المقاربات والدراسات والتجارب.

 من انشغالات ممثلي وزارة التضامن التركيز على البحوث الميدانية والابتعاد عن البحث النظري. وهذا ما يعبر عنه البعض بالبحث أو العلم “المفيد”. لكن هذا المفهوم غالبا ما يُفهم بطريقة خاطئة؛ إذ ترى فئة كبيرة من المجتمع أن “البحث المفيد” هو ذلك الذي تأتي منه فائدة ملموسة آنية أو شبه آنية في حين أن البحث العلمي كلٌّ متكامل يأخذ بعضُه من بعض ويصعب في كثير من الأحيان الفصل بين النظري والتطبيقي، ولا يمكن للبحث التطبيقي “المفيد” والجاد أن يرى النور وحده من دون أن يرتكز على أعمال “المنظرين”.

وبعد المداخلة الافتتاحية للأستاذ عيسى مفجَّخ، مدير الدراسات بالمديرية العامة للبحث العلمي، التي استعرض فيها بإسهاب موضوع الشبكات الموضوعاتية، أكد منظم اللقاء الأستاذ يوسف عيبش، مدير الوكالة الموضوعاتية للعلوم الاجتماعية والإنسانية ضرورةَ الانطلاق في هذا الاتجاه الرامي على المدى القريب إلى تحديد المحاور وتصميم مشاريع البحث. وهذا يتطلب في نظره رصد انشغالات كل قطاع له صلة بمجال التربية والتكوين. ومن هذا المنطلق، تم تسيير الجلستين من قبل مدعوِّين، وعلى رأسهم الأستاذان عمار جيدل ومصطفى عشوي، وقد طُلب من المتدخلين الاقتصار على توضيح الانشغالات دون الدخول في استعراض الحلول وتفاصيلها.
وتوالت المداخلات وتقاطعت في كثير من النقاط وكأنها تبحث عن مقاربة جماعية لموضوع الشبكة. وفي هذا الباب تدخَّل عدد معتبر من ممثلي المدارس العليا للأساتذة طارحين انشغالات هذه المؤسسات النكوينية، مثل المناهج، والمهارات التي ينبغي التركيز عليها، والاهتمام بالمعلم ومرافقة المتعلم والتكوين الميداني قبل التخرج وبعده. وتحدث ممثلو التكوين المهني عن التكوين عن بعد وإشكالاته.
ومن انشغالات ممثلي وزارة التضامن التركيز على البحوث الميدانية والابتعاد عن البحث النظري. وهذا ما يعبر عنه البعض بالبحث أو العلم “المفيد”. لكن هذا المفهوم غالبا ما يُفهم بطريقة خاطئة؛ إذ ترى فئة كبيرة من المجتمع أن “البحث المفيد” هو ذلك الذي تأتي منه فائدة ملموسة آنية أو شبه آنية في حين أن البحث العلمي كلٌّ متكامل يأخذ بعضُه من بعض ويصعب في كثير من الأحيان الفصل بين النظري والتطبيقي، ولا يمكن للبحث التطبيقي “المفيد” والجاد أن يرى النور وحده من دون أن يرتكز على أعمال “المنظرين”.
واهتمت المداخلات أيضا بالصعوبات التي تواجه المدارس الخاصة الجدية. كما تطرّق الحضور إلى مادة الرياضة التي أدخِلت حديثا وما ترتب عنها من إشكالات في عديد المناطق. وركز آخرون على قضية التسرّب المدرسي وتتبّع مسارات التلاميذ وعلى حاجيات ذوي الإعاقة وضرورة التكفل بهم في مختلف المؤسسات التعليمية. كما أشار بعضهم إلى أهمية تفعيل الخطاب الديني الذي يتابعه أزيد من 10 ملايين نسمة. وأثار أحدهم موضوع التعليم المتلفز وفوائده ومتطلباته. ولم يهمل المتدخلون التعرض إلى إشكالات تحديات التعليم ما قبل المدرسي والكتاب المدرسي والرقمنة والصحة النفسية، إلخ.
إن تأسيس هذه الشبكة لخدمة التربية والتكوين مبادرة تستحق الثناء، وما يُخشى هو أن تتعثر قبل أن تنطلق في أشغالها أو أثناءها فلا تُؤتي أكلها، كحال العديد من المبادرات الطيبة التي ترى النور ثم يأفل نجمُها. نقول هذا لحثّ الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية على متابعة تنفيذ الخطوات الموالية بلا هوادة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!