-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التهرب الضريبي.. مليارديرات باسماء اموات وبلا حسابات بنكية

الشروق أونلاين
  • 1744
  • 0
التهرب الضريبي.. مليارديرات باسماء اموات وبلا حسابات بنكية

لم تمر السنوات الأخيرة دون أن تترك بصماتها على منطقة عنابة ومدينتها، فلقد نالت هي الأخرى مثل باقي مناطق البلاد نصيبها الأوفر من الفوضى في تسيير الشؤون العمومية وغياب الرقابة بعد تقهقر سلطة الدولة وعجزها عن أداء دورها كمحرك ومنظم للحياة السوسيو اقتصادية.نور‮ ‬الدين‮ ‬بوكراع‮ ‬
نتج عن هذا الوضع بروز النزعات الفردية وسلوكات مصلحية طفيلية لم تستثن حتى النخب المتعلمة، لتتحول المدينة في ظرف سنوات إلى نقطة جذب والتقاء للكثير من المصالح وشبكات التجارة المشروعة منها والخفية، فبينما اختارت فئة من المجتمع تجاوز الممنوع جهرا والكسب بالتجارة‮ ‬في‮ ‬المخذرات‮ ‬والمسروقات،‮ ‬فضلت‮ ‬فئة‮ ‬أخرى‮ ‬أساليب‮ ‬أكثر‮ ‬احتراما‮ ‬لوضعها‮ ‬الاجتماعي‮. ‬

أثرياء‮ ‬بباقات‮ ‬بيضاء‭ ‬
(les cols bancs) هم ينتمون إلى طبقة البرجوازية التي تغذت على الريع من الذين ساعدهم »الحظ« في نيل قسط من المعرفة، إشتغلوا ولا يزال بعضهم يشتغل كمسؤولين وموظفين بهيئات لها علاقة بالعقارات والمصالح التجارية ومؤسسات توزيع المواد الغذائية ومواد البناء. أصبحوا أثرياء‮ ‬من‮ ‬المضاربة‮ ‬على‭ ‬العقارات‮ ‬والمواد‮ ‬المدعمة‮ ‬من‮ ‬الدولة‮ ‬حتى‭ ‬كونوا‮ ‬ثروات‮ ‬طائلة‮ ‬من‮ ‬خلف‮ ‬المكاتب‮ ‬بتواطؤ‮ ‬مع‮ ‬مسؤولين‮ ‬سامين‮ ‬في‮ ‬الدولة‮ ‬منهم‮ ‬والٍ‮ ‬أقاله‮ ‬الرئيس‮ ‬الجديد‮. ‬

ويعد هؤلاء من أصعب الشرائح تحديدا نظرا لتحفظهم الشديد، ويعرف عنهم أنهم يملكون أرصدة بنكية بأسماء أفراد عائلاتهم موزعة على عدة بنوك، فمنهم من بيض أمواله بالاستثمار في محلات تجارية ومقاولات البناء والبعض الآخر فتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة تحسبا لأي طارئ.

يقول أحد المهندسين، يعمل حاليا لحسابه الخاص، إن قطاع البناء والتعمير بعنابة يدر الذهب على بعض الموظفين به الذين كونوا ثروة لا بأس بها بتحويل وبيع السكنات الاجتماعية ومنح رخص البناء والعقارات والأسواق التفضيلية لمشاريع البناء للمقاولين الذين يدفعون عمولات ورشاوى للحصول على الصفقة. وتحول هذه العمولات، حسب أحد المقاولين الذي كانت له تجربة مع هؤلاء، إلى حسابات بنكية للمعنيين دون أن يكون هناك اتصال مباشر، ويبلغ عدد المساكن التي أنجزت بعنابة في ظرف سنتين أكثر من 1800 مسكن.

كما أفرزت فترة دعم الدولة للمواد الأساسية فئة أخرى من الأثرياء تعمل بالتنسيق مع الموظفين الحكوميين لتتحصل على كميات كبيرة من المواد المدعمة والأدوية وتهربها لتسوق خارج الحدود بتونس التي لا تبعد سوى 300 كلم عن عنابة، بتواطؤ مع الجمارك وحراس الحدود بالمراكز‮ ‬الحدودية‮ ‬لتبسة،‮ ‬الطارف‮ ‬وسوق‮ ‬أهراس‮.‬

ومع‮ ‬بداية‮ ‬الانفتاح‮ ‬الاقتصادي‮ ‬ونهاية‮ ‬احتكار‮ ‬الدولة‮ ‬للتجارة‮ ‬الخارجية،‮ ‬خرجت‮ ‬هذه‮ ‬الفئة‮ ‬من‮ ‬الظل‮ ‬إلى‭ ‬الضوء‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬كونت‮ ‬ثروة‮ ‬طائلة‮ ‬لا‮ ‬تنتظر‮ ‬سوى‭ ‬الرسكلة‮ ‬والتبييض‮. ‬
مليارديرات‮ ‬بلا‮ ‬حسابات‮ ‬بنكية‮ ‬ولا‮ ‬وسائل‮ ‬إنتاج‮!‬
هؤلاء لهم طقوسهم ولغتهم، يجتمعون غالبا بأحد المقاهي بوسط المدينة صباح كل يوم ليختفوا بعدها طول النهار. وسيلة عملهم هاتف نقال وسيارة، لكل واحد منهم مسار خاص به، أخبرنا أحد المترددين على المقهى الذي يعرف أحدهم بأنهم يملكون الملايير دون إيداعها في البنوك، ودون أن تكون لهم شركات أو مكاتب أو وسائل إنتاج، عالمهم غامض يصعب الولوج إليه، فنشاطهم يشمل التجارة في كل شيء مربح.

يقول محدثنا إن أغلبهم على علاقة بتجار الجملة الذين يملكون محلات وسجلات تجارية شرعية وينشطون بالمدينة في مجال بيع مواد البناء أو سلع أخرى غذائية أو إلكترونية، فطريقتهم في العمل تتمثل في شراء الفاتورات القانونية من تجار الجملة، ليستخرجون بها السلع من مواد البناء والخشب والحديد من مؤسسات التوزيع العمومية، وبدل أن تذهب السلع إلى تاجر الجملة صاحب الطلب (الفاتورة) تحول إلى سوق المضاربة وتباع بأسعار مرتفعة للمقاولين وأصحاب الورشات العاملين في البناء والذين يشتكون ندرة الإسمنت والخشب من دون أن يدفعوا سنتيما واحدا للضرائب. مصالح قمع الغش أحصت في نهاية 2005 أكثر من 900 حالة مخالفة من هذا النوع.

الطريقة نفسها يتبعها هؤلاء مع تجار الحاويات من مستوردي المواد الغذائية وغيرها من السلع، فغالبا ما تباع السلعة وهي في الميناء، وما على المستورد سوى التكفل بإجراءات الجمركة التي تقاضى أتعابها مسبقا ليقبض بعدها ثمن سلعته وهي لم تنزل السوق بعد. وغالبا ما تكون فواتير المستوردين مزورة لتفادي دفع رسوم مرتفعة. وقد كشفت المفتشية الجهوية لقمع الغش لعنابة في حصيلة سنة 2005 حوالي 700 حالة تزوير للفاتورات تبلغ قيمتها أكثر من 480 مليار سنتيم، كما قدرت هذه المصالح قيمة التهرب الجبائي للنشاط التجاري على المستوى الجهوي بـ 30‮ ‬مليار‮ ‬دينار‮.‬
وهكذا‮ ‬تتداول‮ ‬الأيدي‮ ‬الملايير‮ ‬من‮ ‬الدينارات‮ ‬في‮ ‬شبه‮ ‬حلقة‮ ‬نصفها‮ ‬قانوني‮ ‬والآخر‮ ‬خفي‮. ‬‬

سجلات‮ ‬تجارية‮ ‬بأسماء‮ ‬أموات
يعتبر بعض العارفين بخبايا ميناء عنابة أن فئة المضاربين كالشجرة التي تغطي الغابة، فالأموال والمصالح التي يسيرها التجار مستوردو الحاويات صعبة التحديد حتى وإن كانوا يتظاهرون بحيازتهم سجلات تجارية تبدو في الظاهر قانونية.

فخلال عملية مراقبة قامت بها المفتشية الجهوية للتحقيقات الاقتصادية لعنابة، إكتشفت هذه الأخيرة قرابة خمسة آلاف سجل تجاري بعضها لمستوردي الحاويات، لا يملك أصحابها عناوين، وبعضها مسجل بأسماء أموات وسجلات أخرى تحمل عناوين دهاليز وعمارات وهمية.

وتتعدد حيل المستوردين وأساليبهم للإفلات من الرقابة لتصل إلى حد سرقة الحاويات من الميناء بالتواطؤ مع أعوان الجمارك، وهو ما حدث عندما اختفت عشرات الحاويات كانت محملة بـ »الويسكي« أدخلت على أنها تحوي سلعا إستهلاكية.

وتجد المصالح المختصة صعوبات كبيرة في تطويق الظاهرة، لدرجة أنها تعجز في بعض الأحيان عن معرفة هوية المستورد والممون، نظرا للكم الهائل من الحاويات التي تنزل بالميناء، ببضائع تفوق الخمسين ألف طن. ويذهب بعض المطلعين على هذا الميدان إلى الجزم بأن أكثرية تجار الحاويات بعنابة وسطاء لا غير لرجال أعمال في الظل لهم نفوذهم في هيئات الدولة، فمنهم من يقيم كمواطن عادي ومنهم من استقر على الضفة الأخرى للمتوسط يراقب الوضع، ينسق ويتدخل لحل أي إشكال يطرح مع المصالح العمومية بحجة الدوفيز.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!