-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الثّورات الشّعبية وخياراتُ التّنافس أو التّوافق

ناصر حمدادوش
  • 418
  • 1
الثّورات الشّعبية وخياراتُ التّنافس أو التّوافق
ح.م

عند استقراء تجارب الرّبيع العربي نجد أنّ الثورتين التونسية والمغربية استطاعتا دون غيرهما من التجارب تحقيقَ خطواتٍ جدّيةٍ وإيجابيةٍ في عملية الانتقال الديمقراطي، بكلّ تلك السّلمية والحضارية، وبعيدًا عن الدبابات والانقلابات والإيديولوجيات المخدِّرة، بغضّ النظر عن نتائج استحقاقاتها الانتخابية التي تمّت، وتتمّ الآن.

العبرة في نجاح التجربة هي في مكسب الحرّية والديمقراطية واحترام الإرادة الشّعبية، وليس فيمن يفوز بهذه الانتخابات أو تلك، والأكثر من ذلك فإنّ العبرة في تحقيق التنمية وليست في مجرّد الديمقراطية.

والمتأمّل في هذا النّجاح – ولو كان نسبيًّا- يجد أنّ من أهمّ العوامل المساعِدة على ذلك هي: قناعة جميع الفواعل السّياسية من السّلطة والمعارضة والقوى الثورية بالاحتكام في مسار الانتقال الديمقراطي إلى التوافقات العابرة للإيديولوجيات والحزبيات الضيّقة، وهو ما حقّق مُنجزًا إستراتيجيًّا آخر، وهو: الاستقرار السّياسي والأمني، وهو من أهمّ شروط الخروج من الأزمة وتحقيق التنمية والنّهضة والحضارة.

وكان من أهمِّ العوامل المؤثّرة في ذلك هو: حياد المؤسّسات العسكرية، وتجنّب سوء العلاقة بين السّياسي والعسكري، وتجذّر الثقافة الديمقراطية، والقناعة أثناء المراحل الانتقالية الهشّة بالتوافقات قبل المنافسات، وهو ما يعني أنّ تكون المرحلةُ الانتقاليةُ مرحلةً تصالحيةً وليست تصداميّة، وخاصّة بين القوى الثورية والجيش.

 ومهما اتفقنا أو اختلفنا عن دور المؤسّسات العسكرية ومدى تضخّم الدور السياسي لها أثناء المراحل الانتقالية، فإنه ليس من مصلحة الطّرفين (الجيش والشّعب) حالة الاستقطاب والصّدام بينهما، وإلاّ فإنّ ذلك سيؤدّي إلى انحياز الجيوش أو انفجار طموحات قادتها أو حسمها في الجولة الأخيرة من معركة الديمقراطية بطريقةٍ أحاديةٍ لغير صالح الشّعوب، وهو ما يتطلّب الحوارَ والتوافق والمرافقة المتبادلة، والاستيعاب الذّكيِّ لاحتياجات وطموحات كلِّ طرف، بعيدًا عن التخوين أو الشَّيْطنة، وبعيدًا عن عصَا التخويف أو جزَرَة التطميع.

هذه التوافقات السياسية هي التي تعطي الأمان بإمكانية تحمّل المسؤولية الجماعية في أخطر المراحل الحرجة التي تمرّ بها الشّعوب والدّول، لصعوبة الاستفراد بالحكم مهما تكن نتائج الانتخابات، ولتعذّر تحقيق جميع المطالب الشّعبية بسقفها المرتفع أثناء الثورات وبعدها مباشرة، وخاصة أنّ من الأسباب الحقيقية لهذه الثورات هو الفساد والفشل في التنمية، وأنّ أغلب مكوّناتها من الفئات الشّعبية الفقيرة ومن الطبقة الوسطى، وهي التي لا تقنعها الإنجازاتُ السّياسية دون الإنجازات التنموية الملموسة.

وسيكون معيار نجاح هذه الثورات هو مدى تحقيق هذه المطالب المادية العاجلة، وليس الانتظارُ إلى غاية تحقيق المطالب السّياسية الآجلة، لأنّ الديمقراطية مسارٌ تراكميٌّ طويلٌ وليس قرارًا آنيًّا قصيرًا، وهو ما يتطلّب التوافق الوطني والحذَر من الصّراع على السّلطة للعبور الآمن من إكراهات التركة المسمومة للأنظمة المتهالكة إلى التنمية الشاملة، والتي تتطلّب استقرارًا ودعمًا ونَفَسًا طويلاً من الجميع.

ولعلّ ذلك من أهمّ دروس الانتخابات الرئاسية في تونس مؤخّرًا، والتي تؤكّد هذه الحقيقة عبر الفرز الذّكي بين البرامج والرّجال، إذ لم تنفع المكاسب السّياسية بالذهاب إلى الديمقراطية الآمِنة من التزوير، بل كان هناك انتخابٌ عقابيٌّ من كلّ الأحزاب والمترشّحين الذين تحمّلوا مسؤوليةً سياسيةً بعد الثورة، وفشلوا في تحقيق التنمية والاستجابة للمطالب العاجلة للمواطن، مثل: السّكن والشّغل وتحسين الظروف المعيشية اليومية للشّعب.

وهو ما اعتُبر ثورةً انتخابيةً تصحيحيةً للمسار الثوري السّابق، ونسخةً لثورةٍ جديدة، تجاوزت البُعد الهوياتي المحسوم إلى البديل البرامجي المأمول في تحقيق التنمية.

لقد أصبح الحكم على نجاح الثورات أو فشلها هو بمدى تحقيق الرّضا الشّعبي على نتائجها وليس على مجرّد القناعة بمُثُلِها، وأنّ النّجاح في مسار الانتقال الديمقراطي بالاحتكام إلى الإرادة الشعبية عبر الانتخابات النزيهة لا يُقنِع ذلك الرّضا الشّعبي دون الإقناع بالإنجاز الذي يراه الشّعب وَاقعًا، وسوف لن يرضى هذا الطموحُ الشّعبي إلاّ بنتائجِ تلك التجربة الديمقراطية، وهي تحقيق المنجَز التنموي الملموس له، وليس مجرد المنجَز السّياسي النّظري، لأنّ الديمقراطية ليست مجرد عمليةٍ إجرائية وليست هدفًا في حدّ ذاتها، بل هي جسرٌ لثمراتها المادية، وهي: التّنمية والنّهضة والحضارة.

الشّعوب لم تعد تُشفي غليلَها خطاباتُ القيم في عالم الأفكار المجرّدة، بل تقنعها إنجازاتُ تلك القيم، بما ينعكس عليها في عالم الحياة الواقعية، لأنّ الذي يفشل في عالم الشّهادة لا يمكنه أن ينجح في عالم الغيب.           وكما كان الإصلاح الاقتصادي المزعوم من طرف الأنظمة الاستبدادية مرفوضًا دون الإصلاح السياسي، فإنه في الحالة الثورية لا معنى للمنجَز السّياسي الشّكلي في مسار الانتقال الديمقراطي دون الإنجاز الاقتصادي والتنموي الحقيقي.

 كما أنّ الأجيال التقليدية التي تمّ تدجينها وتكييف طموحاتها مع سقف الأنظمة الأبوية قد تجاوزتها الأجيال الشبابية المثقفة والجامعية المتعلّمة، الأكثر تحرّرًا وتوترًا وطموحًا، والتي لن ترضى بالأسطوانات المشروخة القديمة، التي باعت فيها الديمقراطية الموهوبة في مقابل الاستقرار الموهوم، وهو ما يعني أنّ مُنجَز الثورات الشّعبية لن يتوقّف على مجرد أشكال الإصلاحات السّياسية، بل يتعدّاها إلى أولوية التنمية الاقتصادية وحتمية العوائد الاجتماعية لها.

هل من سبيلٍ إلى التوافق الوطني في الجزائر؟

يرى الدكتور عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السّلم أنّ الجزائر في أزمةٍ اقتصاديةٍ ستتعقّد أكثر وبشكلٍ أعمق خصوصًا عند نفاد احتياطي الصّرف في حدود سنة 2022م، وأنّ أيَّ حكومةٍ تكون معزولةً وغيرَ مسنودةٍ من قِوى شعبيةٍ وسياسيةٍ ونقابيةٍ لن تستطيع إدارة الأزمة، ناهيك أن تحقّق التنمية، وهي بحاجةٍ إلى معايير الحكم الرّاشد، ومع ذلك فهي بحاجةٍ أكثر إلى الاستقرار والوقت والموارد المالية لتمويل الاقتصاد، وأنّ التطمينات الشعبوية لا تنفع في المستقبل، وأنّ التوافق الوطني سيكون تأطيرًا سياسيًّا لمعالجة تلك الأزمات المتصاعدة، ولا يوجد أيُّ حزبٍ أو رئيسٍ يستطيع تحمّل هذه الأعباء وحده، ونحن في حاجةٍ إلى تأجيل الطّموح الحزبي والشّخصي، وأن نبتعد عن الصّراع السّياسي في هذه المرحلة التي تقتضي التنازل المتبادل.

هذا التوافق الوطني هو الذي يوفّر شروط الحكم الرّاشد، لأنّ وجود القوى الفاعلة معًا يضمن الشّفافية وافتضاح الفساد، كما أنّ صورة التوافق تُنزِل السّكينة على الشّعب، وتجعله أكثرَ ثقةٍ واطمئنانٍ وصبرٍ على ضريبة التنمية، ومنها: القراراتُ غيرِ الشّعبية.

ويمكن أن يتحقّق هذا التوافق قبل الانتخابات الرئاسية وهو أفضل، ولا يزال ممكنًا، لأنّه سيُعرَض على الشّعب من خلال الانتخابات التي تتجسد فيها الإرادة الشّعبية، أو بعد الانتخابات الرئاسية إذا كانت حرّةً ونزيهةً، أو بمناسبةِ انتخاباتٍ تشريعيةٍ مسبقةٍ إذا كانت حرّةً ونزيهةً.

وعليه، فإنّه من شروط نجاح التوافق الوطني مهما كان وقته هو توفير الشّروط السّياسية التي تطالب بها الأحزاب ويؤكّد عليها الحَرَاك الشّعبي، والتي نصّت عليها -مثلاً- وثيقة عين البنيان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الخلاط الجلاط

    الشعب التونسي اختار وهوحر في اختباره ولم يكن اختياره اعتباطياولا انتقاميا فالذي أفسد أوتسترعلى مفسد أو أعانه فلا مكانة له عند التونسيين ولو تستر بلباس الدين أماالتوافق الذي بادر به مقري فكان مع العصابة التي في الحراش فكيف نجا؟