-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تعتبر أحد بلدان "بروتوكول الإنذار المشترك" للطقس القاسي

الجزائر تخوض “ثورة تكنولوجية” في التنبؤ بتقلبات المناخ

وهيبة سليماني
  • 7600
  • 0
الجزائر تخوض “ثورة تكنولوجية” في التنبؤ بتقلبات المناخ
أرشيف

اتضح، في السنوات الأخيرة، تركيز اهتمام الجزائريين، على النشرات الجوية، واعتبارها أخبارا ومعلومات ذات أهمية حتى في فصل الصيف، فقد أدت التغيرات المناخية في الجزائر، كغيرها من بلدان العالم، إلى تحولات في أنماط الطقس المعتاد، حيث لا يمكن، وفي جميع الفصول، تجاهل تأثير الطقس والمناخ، على جوانب الحياة المختلفة.
والتقلبات الجوية في الوقت الراهن، تعد واحدة من أكبر المخاطر التي تهدد مستقبل البشرية، فالتنبؤ بها قبل أوانها، وبطريقة علمية دقيقة أقرب للواقع، ضرورة ملحة تمليها المخاوف المتزايدة من تواتر المناخ المتطرف، الذي يساهم في التأثير المتزايد على الأشخاص، خاصة الذين يعيشون في مناطق تنطوي على درجة عالية من المخاطر.

الأحوال الجوية لم تعد مجرد توقعات..
ولأن الجزائر تعتبر واحدة من بين الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فلابد لها من توفير آليات تكنولوجية عالية ومتجددة، وحوسبة كبيرة، وأدوات قياس دقيقة، وأقمار صناعية متطورة، تمكنها من معرفة حالة الطقس بدقة على مدار 24 ساعة، بل على المدى الطويل.
وتستمر تكنولوجيا التنبؤات الجوية في الجزائر في تحسين دقتها كل سنة، لاسيما أن الطابع العالمي للنظام المناخي يتطلب مزيدا من النجاح في خدمات الطقس والمناخ، والاعتماد على التكنولوجيا الجديدة والذكية، للوصول إلى بيانات الرصد المتبادلة دوليا، لما لها من أهمية في مواجهة تحديات الكوارث والطقس القاسي، فالأحوال الجوية لم تعد مجرد توقعات، بل باتت معلومة علمية تحتاج إلى الكثير من الدقة، من أجل حذر وحيطة قد يجنب خسائر في الممتلكات والأرواح.
وأصبحت الرقمنة والذكاء الاصطناعي، إحدى الأدوات المتطورة التي تفرض نفسها بقوة في مجال الأرصاد الجوية في الجزائر، وذلك لتلبية الزيادة الهائلة في الطلب على نتائج وخدمات بيانات الطقس والمناخ من جميع قطاعات المجتمع، وتمويل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بـ”الرصد المنهجي”.

تحدي التنبؤ الآني بالطقس.. من الرقمية إلى الذكاء الاصطناعي
وللكشف عن أحدث التقنيات المتطورة التي اعتمدتها الجزائر مؤخرا، لجمع البيانات الجوية، وتحليلها قصد معرفة توقعات الطقس بدقة وكفاءة، أجرت “الشروق” لقاء مع مدير الإعلام الآلي والتقني في الديوان الوطني للأرصاد الجوية الجزائرية، محمد بورحلة، حيث أكد أن تحدي التنبؤ الآني بالطقس، من أجل اتخاذ أفضل القرارات، فرض على الديوان، العمل للتخلي تدريجيا على النظام الكلاسيكي، ودخول ثورة الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
وقال محمد بورحلة إن التغير المستمر للطقس يؤثر على الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية، فعدم استقرار الظروف الجوية يتطلب تحليلا دقيقا للبيانات المحلية والإقليمية، مشيرا إلى أن أهمية التنبؤ بالطقس والكوارث الطبيعية في ظل تغير المناخ عبر العالم، يستدعي البحث دائما عن استخدامات جديدة في مجال الرقمنة والأقمار الصناعية وأجهزة الرصد.

تطبيقات جزائرية و80 محطة للرصد محليا
وكشف محدثنا عن إنشاء عدة تطبيقات رقمية جديدة ضمن استراتيجية عامة للرصد من أجل تقليل الحوادث الناجمة عن التقلبات الجوية، والمناخية داخل الجزائر، وبهدف التخلي عن التبعية للخارج في مجال الرصد الجوي.
وأفاد محمد بورحلة بأن الديوان الوطني للأرصاد الجوية قام بتحديث موقع “واب” الخاص به، تزامنا مع تعدد التطبيقات الرقمية على الهواتف التي تسمح لأي جزائري بالحصول على المعلومة الجوية، والتأهب لحالة الطوارئ مثل” METEO ALGER”، ” METEO ALERTE”.
وأكد في ذات السياق، أن 80 محطة متخصصة في الأرصاد الجوية عبر القطر الوطني، استفادت من نظام رقمي، يسمى “AMETCOM”، وهو يهدف إلى جمع البيانات والكشف على الأخطار وتجميع بيانات الأرصاد الجوية من مصادر مختلفة بشكل خاص، ويعتبر هذا النظام أيضا، وسيلة تنبيهات عن طريق رسائل يتم توجيهها من المحطات إلى الديوان الوطني للأرصاد الجوية، حيث يتم التدقيق فيها واعتبارها كقاعدة بيانات للنشرة الجوية.

تدفق المعلومات رقميا كل نصف ساعة
وأتاحت الرقمنة، بحسب مدير الإعلام الآلي والتقني بالديوان الوطني للأرصاد الجوية، فرص الحصول على البيانات الخاصة بالتقلبات الجوية في كل نصف ساعة، حيث تقوم المحطات الموزعة عبر التراب الوطني، المتخصصة في الرصد، بإرسال هذه البيانات، حيث قام بحسبه، مهندسون في الإعلام الآلي، بالتعاون مع المختصين في التنبؤ ورصد الأحوال الجوية، بتطوير تطبيق ” messir”، وهذا منذ 4 أشهر تقريبا، لتوفير صور ورسومات وبيانات الطقس في الوقت المناسب وهو تنبؤ فعال من خلال هذا التطبيق الأكثر شهرة وفعالية.
ويسهل التطبيق استلام والتوزيع التلقائي للرسائل المنسقة من طرف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ويمكن التواصل مع جميع المشتركين في مجال الرصد والتنبؤ الجوي، وهو مجموعة كاملة من أنظمة تبديل الأرصاد الجوية.
وقال محمد بورحلة إن تعدد التطبيقات الإلكترونية هو إرساء لتفعيل العمل بالذكاء الاصطناعي في مجال الأرصاد الجوية، والوصول إلى استقبال رسائل الإنذار على الأخطار في أوانها، مع معالجة البيانات، وتقديم المعطيات بشكل آلي، وترجمة التنبيهات للطقس المتطرف، واقتراح الحلول.
ويلعب، بحسبه، تطبيق ” messir”، دورا مهما في التنبؤ بالحرارة، والرياح، والتنبيه داخل وخارج الوطن، وإرسال المعلومات إلى الخارج في إطار الاتفاقية مع المنظمة العالمية للصحة.

ملفات رقمية سريعة حول الملاحة الجوية
وقام ديوان الأرصاد الجوية، بحسب ما أكده لنا مدير الإعلام الآلي والتقني، بتطوير نظام إلكتروني عبارة عن تطبيق ” anet aeora “، يفيد في إعطاء ملف رقمي كامل وشامل حول الطيران، وبعيدا عن تلك الطريقة الكلاسيكية التي كان يقدم بها الديوان معلومات لموظفي الملاحة الجوية وأصحاب شركات الطيران.
وأوضح محمد بورحلة أنه بفضل هذا التطبيق الإلكتروني يستطيع الطيار أن يحصل على ملف إلكتروني دقيق حول وضع الملاحة الجوية، كما يمكنه أن يتدخل في التطبيق من خلال إضافة معلومات جوية يكتشفها خلال رحلته.
وقال إن التطبيق مصمم خصيصا للملاحة الجوية، ويسمح بتكوين ملفات بشكل رقمي، حيث تم التعامل مع شركتي الخطوط الجوية وطاسيلي في البداية لإفادتهم بهذه المعطيات الرقمية، ولكن بعد ذلك تم توكيل المهمة لممثلي الديوان الوطني للأرصاد الجوية في المطارات إلى حين البحث عن صيغة إشراك كل شركات الطيران في الجزائر.
وفي ذات السياق، أشار بورحلة إلى أن الديوان قام منذ سنة ونصف بتطوير تطبيق ” ametvieu”، وهو يساعد في التنبؤ وإعطاء بيانات جد دقيقة، وهو يهدف إلى المساعدة في شرح وعرض البيانات الخاصة بالأرصاد الجوية مثل نماذج التنبؤ ورسائل المراقبة، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية.
وكما أنه يتيح، بحسبه، إنشاء نشرات ومخططات الملاحة الجوية، حيث يستعمل المتنبئ نماذج جوية ويدمج البيانات التي جمعت، من خلال هذا التطبيق الذي يعتبر وسيلة أساسية لهذا المتنبئ في إنشاء الرسائل الجوية.
في نفس الإطار، قام الديوان الوطني بتطوير تطبيق ” amet sat”، وهو تطبيق شبكي، يقوم بتوريد صور القمر الصناعي “ستيليت تار”، ويسمح بإنشاء مواد مشتقة تساعد في عرض بيانات الأرصاد الجوية ويحولها إلى رسائل رقمية التي يوفرها هذا التطبيق كمعطيات رقمية.

إنجازات قيد التطوير
وكشف مدير الإعلام الآلي والتقني بديوان الأرصاد الجوية، محمد بورحلة، عن تطبيقات إلكترونية قيد التطوير، وهي AMET Vision وAMET View وAMET Com وAMET Sat وAMET Data Base، وهي لتطبيقات تم تنفيذها بواسطة مهندسين من المدرسة العليا للحوسبة.
وإضافة إلى ذلك هناك تطبيقات يتم تطويرها والشروع في إنجازها وهي”CDMS “، “amet prod”، “climate data management systeme”، “contrôle deproduction”.
ويعتبر ” amet prod” تطبيقا رقميا الهدف منه تحسين وتطوير عملية إنتاج الرسائل الجوية، كما يسمح بحسب بورحلة، بتوفير لوحة قيادة لرؤية كاملة وشاملة للإنتاج الرقمي لعملية الرصد والتنبؤ.

الجزائر تدخل معركة فهرسة الظواهر الطبيعية المتطرفة
وأشار متحدث “الشروق” إلى إنجازات أخرى للديوان الوطني للأرصاد الجوية، تدخل في إطار التعاون الدولي في مجال الرصد الجوي، واتفاقيات المنظمة الدولية للأرصاد الجوية، فالإضافة إلى امتلاك الديوان كومبيوتر ضخم يعمل منذ 2021، يتكون من حوالي 20 خادما من الجيل الأخير، ويدير منصة حوسبة بسعة 32 تيرافول في الثانية.
وأكد أن منصة الحوسبة هذه أقوى أربع مرات من القديمة، ويمكن توسيع سعتها حسب الرغبة، حيث ستساهم في إلغاء نفقات الحصول على التراخيص وتحديثات البرامج، إضافة إلى السماح بتحسين وتنويع منتجات المكتب الوطني للهجرة، وتعزيز مكانته داخل مؤسسات ومنظمات الأرصاد الجوية الدولية.
ولأن الجزائر تعتبر الدولة العربية والإفريقية الوحيدة الممثلة في اللجنة الفنية للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية لفهرسة الظواهر الجوية المتطرفة، فقد قام الديوان الوطني للأرصاد الجوية، بحسب محمد بورحلة، بالاتفاق مع هذه المنظمة، بتطوير واكتشاف أنظمة عالمية تكنولوجية على المستوى الداخلي للديوان، وكذا الدول المجاورة.
وأفاد بأن الجزائر هي الدولة الأولى التي انخرطت في إستراتيجية تثبيت النظام العالمي لمنظمة الأرصاد العالمية الجوية المسمى”wis”، وهو تحدي التكنولوجيات المتطورة، من خلال تدريس الخبرة الرقمية، والاستفادة من مهارات تقنية قوية، ورؤية عالمية للمشاريع واحتياجات العمل وعلاقات العملاء والأعمال الإلكترونية والتواصل الرقمي في مجال الرصد الجوي والمناخي.
وأكد محمد بورحلة أن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، طلبت من الجزائر مساعدتها في تثبيت هذا النظام عند بعض الدول الإفريقية الفرونكوفونية، مع البدء بالدول المجاورة مطلع 2024.

بروتوكول الإنذار المشترك”cap”.. ومهمة التكوين الإفريقي للديوان الوطني
وقال مدير الإعلام الآلي والتقني، محمد بورحلة، إن الجزائر كانت سباقة في الانضمام إلى بروتوكول الإنذار المشترك “cap” الصادر عن مركز معلومات الطقس القاسي، التابع لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية، حيث نصبتها هذه الأخيرة لتولي مهمة تكوين مهندسين وخبراء في الأرصاد الجوية في البلدان الإفريقية، حول كيفية المشاركة في تغطية تنبيهات حالات الطوارئ والتقلبات المناخية، التي يجمعها “cap” من الخدمات الوطنية للأرصاد الجوية عبر العالم.
وأوضح أن الجلسات والدورات التكوينية التي قدمها الديوان الوطني للأرصاد الجوية عبر التواصل الإلكتروني المرئي عن بعد، لمهندسي وممثلي الأرصاد الجوية للبلدان الإفريقية، بدأت من التشاد وموريتانيا، أين ثبت نظام “cap” في هذين البلدين، في انتظار، بحسبه، تكوين تستفيد منه تونس وجيبوتي، ودول أخرى.
وأكد بورحلة أن المعلومات التي تجمع حول الطقس القاسي وحالات الطوارئ، توزع عبر منصات رقمية للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبعدها يتم إرسالها إلى مركز معلومات الطقس القاسي.
وقال إن البرامج التي كانت تستورد من الخارج يتم تطويرها، الآن محليا من قبل مهندسين في ديوان الأرصاد الجوية حيث بإمكانهم اليوم، أن يقدموا تطبيقات رقمية إلى منظمات أخرى عالمية، هي بحاجة إليها وإلى منظمات وهيئات محلية مهتمة بالتنبؤ الآني بالطقس.

اختراعات جزائرية تعزز الذكاء الاصطناعي لرصد الطقس والكوارث المناخية
ولأن قضية التغير المناخي أصبحت واحدة من القضايا الحاسمة في العصر الحديث، لما لها من آثار محلية وعالمية واسعة النطاق، تهدد الأمن الغذائي، وزيادة الكوارث الطبيعية، والخسائر المادية والبشرية، فإن التفكير في مواجهة ذلك بشتى الحلول بينها استغلال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أدى إلى تشجيع الاختراعات، وتثمينها.
ونالت في الجزائر بعض الاختراعات في مجال الرصد الجوي، والتنبؤ لبعض الكوارث الطبيعية، حظها من الحصول على براءة الاختراع، لاسيما تلك المتعلقة بالمجال الرقمي والذكاء الاصطناعي، وذات العمل التلقائي والآني.
واستطاع البروفسور ياسين حمدان، من جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا، أن يخترع جهازا لقياس مد وجز البحار بتردد عال، حيث أكد في تصريح لـ”الشروق”، أن جهازه الحاصل على براءة الاختراع مع الديوان الوطني للأرصاد الجوية، يسمح بمعرفة أفضل الموجات البحرية، ويحد من بعض الأخطار الساحلية.
وأوضح أن الجهاز طوره الديوان الوطني للأرصاد الجوية، ونصبه منذ سنة على مستوى ميناء الجزائر، حيث كان له الدور، مؤخرا، في الإشارة إلى انخفاض في مستوى البحر بـ 40 سنتيمترا.
وقال إن قياس المد والجزر حصل على براءة الاختراع من المعهد الوطني للملكية الصناعية، وهو تثمين تعاون بين ديوان الأرصاد الجوية وجامعة هواري بومدين بباب الزوار.
والجهاز، بحسب الباحث في مخبر الرصد البيئي بكلية علوم الأرض والجغرافيا وتهيئة الإقليم بجامعة هواري بومدين، البروفسور ياسين حمدان، يحول المعلومات إلى رسائل رقمية تصل إلى الجهة المعنية كالديوان الوطني للأرصاد الجوية، ويرصد الجهاز الأمواج الناتجة من الرياح والأمواج الأخرى الناتجة عن الاضطرابات الجوية وأيضا “تسونامي”.
وينتظر تعميم تثبيت هذا الجهاز عبر مختلف الموانئ، حيث قال الباحث: “على الأقل يتوفر جهاز مثل هذا في كل مسافة 100 كلم، فهو يغني عن دفع تكاليف مالية لاستيراد أجهزة مثله من الخارج”.
وقال البروفسور حمدان ياسين، إن مخبر الرصد البيئي بكلية علوم الأرض والجغرافيا وتهيئة الإقليم بجامعة هواري بومدين، بالتعاون مع الديوان الوطني للأرصاد الجوية يسعى إلى تطوير أجهزة قياس المطر، وأجهزة قياس الحرارة والرطوبة” الداتا لوجر”، لمواكبة الذكاء الاصطناعي، من خلال العمل الآلي والتلقائي، وتحويل المعلومات رقميا إلى الجهات المعنية بها.

مركز تنمية التكنولوجيا المتطورة.. البداية مع جهاز رصد الملوثات الجوية
وفي سياق الاختراعات الجزائرية الخاصة بمواجهة التقلبات المناخية، أكدت رئيسة قسم الإعلام الآلي بمركز تنمية التكنولوجيات المتطورة ببابا حسن بالعاصمة، كهينة سمار لـ”الشروق”، أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي، بات أمرا ضروريا في الوقت الراهن، بعد أن أضحت كل الأنظمة تحتاج إلى هذه التكنولوجيات الجديدة، فموضوع الأرصاد الجوية والتنبؤ بالطقس والمناخ، بحسبها، من ضمن هذه الأنظمة التي يتحدث عنها أصحاب القرار، في ظل “تقلبات المناخ” التي تهدد العالم بأكمله.
وقالت إن المركز يولي أهمية قصوى للبحوث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الجديدة في مجال مواجهة الكوارث الطبيعية والتنبؤ بالطقس والمناخ، ورصد التغيرات في الجو وبعض الظواهر الطبيعية، حيث يعتبر جهاز الحرائق الذي قام باختراعه مركز تنمية التكنولوجيات المتطورة، البداية لتجسيد مشاريع أخرى في مجال معالجة المعلومة الجوية والبيئة وتحويلها إلى رسائل رقمية.

حظوظ وفرص ثمينة لدخول سوق التكنولوجيات العالمية
من جهته، أوضح الدكتور محمد طرايش، مدير مركز تنمية التكنولوجيات المتطورة، في لقاء مع “الشروق”، أن جهاز رصد الحرائق في الغابات، تقنية متقدمة وهو الأول من نوعه في الجزائر، يحتوي على العديد من المركبات والوسائل، جانب منه يتعلق بجهاز يصدر نبضات بصرية، وتليسكوب، وسلسلة من الكواشف الإلكترونية، يلتقط نبضات الصدى، وإشارات لوجود دخان، أو تلوث شديد.
وقال الدكتور طرايش، إن الجهاز يفرق بين صدى الجبال والدخان والأصوات الأخرى، ويحدد بدقة مصدر وجود دخان نار في الغابة، ويبعث تنبيه إلى الجهات المعنية عبر هواتفهم المحمولة عن طريق سحابة إلكترونية.
وأكد طرايش أن جهاز الحرائق يمكن استعماله في مراقبة التقلبات الجوية، فهو يستعمل نبضات بصرية مستقطبة لدراسة الغيوم، وطبيعتها ومكوناتها، وسرعتها، مضيفا بأنه يثبت وسط الغابة، كما يمكن تثبيته في المدينة لدراسة الغيوم.
ويتميز الجهاز أيضا، بحسب محدثنا، بإطلاق نبضات تغطي من 10 إلى 20 كيلومترا، حيث بالتعاون مع المدرية العامة للغابات سيثبت على مستوى إحدى الحظائر الغابية كتجربة أولى، ولأنه قليل التكلفة فيعمم بالتدريج على جميع المناطق الغابية حسب الأولوية.
وقال الدكتور محمد طرايش، مدير مركز تنمية التكنولوجيات المتطورة، إن الجهاز يمكن تطويره باستعمال عدة تكنولوجيات تدخل في إطار أجهزة الاستشعار.
وحول واقع الابتكارات الرقمية والتقنيات الخاصة برصد وتبؤ التقلبات الجوية والمناخية، والمراعية للبيئة، يكشف لنا الدكتور مصطفى رموش، خبير في العلوم ومختص في تسيير الابتكار واستراتجيات الملكية الفكرية، وخبير لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية بجنيف، ومكلف بتأطير مراكز دعم التكنولوجيا في الجزائر، الكثير من المميزات المتعلقة بالجهود المبذولة لدخول بلادنا في سوق التكنولوجيا المستدامة.
وقال مصطفى رموش إن الجزائر الأولى عالميا في عدد مراكز دعم التكنولوجيا والابتكار التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة، ويقدر عددها بـ 199 مركز، بينما يوجد في العالم ككل 1300 مركز، موضحا أن الجهود مبذولة في الكثير من الابتكارات المتعلقة بالمناخ، والحفاظ على البيئة، ولا تزال بعض الخطوات الجادة نحو تحقيق هذه الابتكارات على ارض الواقع، لاسيما بحسبه، أن الأمم المتحدة لاحظت أن هناك فرقا كبيرا في المعرفة العلمية والتقنية، بين الدول المتطورة والسائرة نحو النمو.
وأكد الخبير في الابتكار مصطفى رموش، أن الجزائر من بين الدول التي دخلت ثورة الابتكارات والتكنولوجيا المتطورة للاعتلاء المراتب الأولى في منصة “ويبو غرين”، التي هي عبارة عن سوق التكنولوجيا المستدامة، التي أنشأت في عام 2013، لاحتواء الجهود الخاصة بمكافحة المناخ عبر الوصل بين الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال الابتكار المراعي للبيئة بفضل قاعدة بياناتها وشبكاتها.
وأفاد بأن هذه المنصة تهدف إلى تحفيز الابتكار في هذه المجالات ونشرها على نطاق واسع، والمساهمة في جهود البلدان النامية التي تكافح من أجل مواجهة التحديات العالمية التي يطرحها المناخ والأمن الغذائي والبيئة.

ريادة عربية في التنبؤات الجوية
ونبه مصطفى رموش، في سياق حديثه، إلى أن الجزائر الوحيدة في الدول العربية التي تملك مكتبا لمتابعة التكنولوجيات المتطورة والابتكارات التابع للمنظمة العالمية لابتكار بسويسرا، والثانية إفريقيا بعد أبوجا بنيجريا، حيث يوجد فقط 6 مكاتب عبر العالم، موضحا أن الدبلوماسية الجزائرية لعبت دورا مهما في ذلك.
وبحسب ذات المتحدث، فإن الصين تستغل المكتب الموجود عندها، لتطوير الابتكارات التكنولوجية، في حين إن مصر والمملكة المغربية يسعيان بكل جهدهما للحصول على مكاتب المنظمة العالمية للابتكار، ويريدان أن يكونا مثل الجزائر، موضحا أن كل الدراسات الأكاديمية أثبتت وجوب زيادة في الابتكارات والاستمارات لمواجهة مخاطر تغير المناخ واشتراك القطاع الخاص في هذه الاستثمارات خاصة في الأسواق الصاعدة مثل الجزائر.
وأكد المكلف من طرف المنظمة العالمية للابتكار لتأطير مراكز هذا المجال في الجزائر، الخبير مصطفى رموش، أن عدد مراكز دعم التكنولوجيا والابتكار في الجزائر ليس معناه أننا حققنا ما هو مطلوب منا عالميا، خاصة في مجال المحافظة على المناخ والبيئة، والرصد القبلي للتقلبات الجوية، مشيرا إلى أن هناك 58 مركزا في الجامعات، و28 مركزا للبحث و13 مركزا في المؤسسات الاقتصادية، و3 مراكز دعم التكنولوجيا في معاهد التكوين المهني، كلها تحتاج إلى جهود إلى جانب جهود وزارة التعليم العالي والمؤسسات المصغرة، وإلى دفع عجلة الابتكار نحو التجسيد الحقيقي.
وقال: “لا ننتظر من الأستاذ الجامعي أن يلعب دور خلق المعرفة، والابتكار والمقاولاتية، وتطوير التكنولوجيا والابتكار”، مضيفا أن علينا اليوم أن نثمن هذه المعارف، بتثمين البحث العلمي عن طريق أولا المتعامل الاقتصادي الذي يحاول أن يستغل هذه المعرفة للابتكار، والخروج من الفكرة التي تطرح في الجامعات إلى المرافقة التقنية، وتطوير هذه الفكرة تقنيا والوصول إلى منتج يوضع في السوق.
وأشار محدثنا إلى أنه رافق مراكز دعم التكنولوجيا المتواجدة في الجامعات لمدة سنة، بعد تكليفه من طرف المنظمة العالمية للابتكار، حيث ثمن بعض الجهود المبذولة فيما يخص القضايا البيئية والجوية التي أصبحت تشغل العالم، بينها اختراع البروفسور ياسين حمدان، المتعلق برصد مد وجز البحر.
وقال في الأخير، إن الابتكارات تسير ببطء في الجزائر رغم وجود 119 مركز للتكنولوجيا والابتكار، فالكل حسبه يتحدث عن هذه الابتكارات، ولكن يجب أن تتكون اللجان الخاصة بتقييم مشاريع الابتكار من أكاديميين، ومن هم يفقهون الابتكار، وعدم الاكتفاء باختيار مشاريع الطلبة بالرأي العلمي دون النظرة الاقتصادية البعدية، ودعا المؤسسات الاقتصادية الكبرى في الجزائر إلى الانخراط في معركة الابتكارات الخاصة بالأنشطة التجارية والزراعية والواعية بالمناخ.

التكنولوجيا ساهمت في مواجهة مخاطر المناخ
وحول الموضوع، قال الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، يونس قرار، لـ”الشروق”، إن الكثير من القطاعات اليوم باتت في أمس الحاجة إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، كأداة قوية للوصول إلى المعلومات بدقة وفي وقت قصير ومعالجتها آليا.
وأكد أن استعمال تقنيات التكنولوجيا الجديدة يمكن أن يساهم في معالجة معطيات للوصول إلى وضعية ما، واتخاذ القرارات معتمدة على الأقمار الصناعية كوسائل رصد درجات الحرارة والرطوبة، والحرائق، والغازات، وكما أتاحت التكنولوجيا، بحسبه، تنصيب أجهزة المعطيات في عين المكان وربطها عن طريق شبكة الاتصالات للوصول إلى المعلومات والمعطيات في وقتها، وإرسالها إلى المراكز الخاصة مزودة بمنصات رقمية وبرامج استغلال المعلومة واتخاذ القرار الصائب.
ويرى قرار بأن الذكاء الاصطناعي في الرصد الجوي والتنبؤ بالطقس والمناخ، يسمح بمعرفة دقيقة بطبيعة كل بلد، والحالة الجوية الطارئة فيه، كما يتيح أجهزة معالجة لمعطيات قوية وسريعة واستغلالها من طرف الهيئات المحلية والدولية المعنية بالتقلبات الجوية التي يشهدها البلد الواحد أو العالم ككل.
وقال الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، يونس قرار، إن التقنيات الجديدة وفرت معلومات ضخمة وبكميات كبيرة في مجال الرصد والتنبؤ بالأحوال الجوية، خاصة أنها معلومات حول أدق مكونات البيئة والجو والمحيط، كالغبار والحرائق، والرياح، والأمواج، ونقلها في كل ثانية رقميا إلى الجهة أو الهيئة المستقبلة، مشيرا أن العوائق أزيلت أمام سعة أجهزة الكومبيوتر الضخمة للمعلومات وسرعتها ودقتها.

التكنولوجيا لتوثيق تاريخ التقلبات الجوية والمناخ
وأوضح قرار أن الاستفادة من التكنولوجيا لفهم التقلبات المناخية، والتنبؤ بالطقس، ستصبح أدوات متاحة للجميع وبأسعار معقولة، مع التطور الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث إن تتبع الأحوال الجوية يساعد الباحثين في مجال الرصد والتنبؤ والمؤرخين، لإثراء رصيدهم المعرفي والبحثي، وتكوين أرشيف مليء بمعلومات حول بلدهم والبلدان المجاورة، ويمكن بذلك التنبؤ بالمستقبل القريب وتحضير البشر لتفادي خسائر قد تقع جراء الكوارث الطبيعية.
وقال الخبير في المعلوماتية، يونس قرار، إن الأجهزة القوية، والخوارزميات المتطورة باستمرار في مجال الرصد الجوي والتنبؤات بالطقس تمنح نتائج قوية ودقيقة لتفسير الكوارث وتقدير حجم الخسائر.

جهود أخرى لا بد منها
وفي سياق الموضوع، أكد الخبير في الأرصاد الجوية، الشيخ فرحات، لـ”الشروق”، أن البحث عن حلول للكثير من العقبات في مجال التنبؤ بالطقس والمناخ، والكوارث الطبيعية، تستدعي مزيدا من الاجتهاد في مجال التكنولوجيا الجديدة، مشيرا إلى أن الأرصاد الجوية في الجزائر واكبت إلى حد بعيد الثورة التي أحدثتها هذه التكنولوجيا، إلا أن هذا لا يكفي من أجل تحقيق التنبؤ الآني لكل الظواهر المتعلقة بالمناخ، والرصد المنهجي الفائق الدقة للتقلبات المناخية المحتملة على المدى الطويل.
وقال إن المؤتمر العلمي الاستثنائي للأرصاد الجوية الذي عقد في أكتوبر 2021، قد وافق على إستراتيجية وخطة عمل جديتين وشاملتين للهيدرولوجيا وإنشاء تحالف جديد من أجل المناخ، هذا يحتم على الجزائر تسخير موارد برية وتقنية كبيرة في مجال الرصد الجوي والتنبؤ بالطقس والمناخ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!