-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجمارك .. بالخطوة السريعة تجاه الخوصصة

الشروق أونلاين
  • 3235
  • 1
الجمارك .. بالخطوة السريعة تجاه الخوصصة

في الوقت الذي يلاحظ فيه كثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين والقانونيين وكل المتتبعين للشؤون الوطنية والدولية عموما بأن الجزائر قد أقدمت مؤخرا -أو هي في الطريق إلى ذلك- على مراجعات كبيرة وجذرية للعديد من قوانينها وسياساتها وبرامجها وخططها واستراتيجياتها…

  • بما فيها تلك المتعلقة بالاستثمار وبخوصصة المؤسسات الاقتصادية العمومية وبصلات وعلاقات الإدارة، كمرفق عام، بالمواطن… وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه، بفارغ الصبر، من إدارتنا الجمركية تحديدا لكونها المعنية أكثر من غيرها في هذا المقام، أن تساير بتوأدة وتناغم حادين هذه المراجعات المتسمة بديناميكيات وطنية فريدة من نوعها في تاريخ الجزائر، فتبادر مثلا إلى انتهاج خطة محكمة أو استراتيجية حديثة، واقعية وفعالة، يكون من شأنها أولا: التقليل -كأضف إيمان- من حدة ظواهر التهريب والغش والتزييف أو التزوير الخطيرة والعديدة (2) التي استفحلت عندنا، خاصة في المدة الأخيرة، بشكل ينذر بخطورة كبيرة لا سيما على شبابنا واقتصادنا ومجتمعنا، بل وعلى دولتنا ككل، وثانيا: تيسير التدابير القانونية وتبسيط الإجراءات الإدارية أمام المواطنين والسياح والمستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين وكل المتدخلين في التجارة الخارجية بعدل ومساواة “أي بغض النظر عن كونهم وطنيين أم أجانب، ينتمون للقطاع الخاص أو العام، وثالثا: استرجاع صلاحياتها القانونية الأصيلة التي استولت عليها بتواطئ منها- تشريعا وتنظيما (3)- بعض المصالح والأجهزة والهيئات الوطنية (4)، رابعا: التكفل، فعلا وحقيقة، بالطموحات الكبيرة والانشغالات المتزايدة، لا سيما منها الموضوعية المطروحة عليها بحدة بالنسبة. كتوفير الأجواء الملائمة وتحسين الظروف الاجتماعية اللازمة لموظفيها وعمالها بشكل يحمي قدرتهم الشرائية ويحفظ كرامتهم الإنسانية، تكوينهم مهنيا وترقيتهم وظيفيا وإسكان عديمي السكن أو محتاجيه منهم، التنازل عن السكنات الوظيفية وغيرها من السكنات المماثلة لتلك التي سبق أن تنازلت عنها لفائدة هؤلاء الموظفين والعمال ومن كان من قبل في حكمهم أو على شاكلتهم…
  • في هذا الوقت بالذات، وعوضا عن كل ما سبقت الإشارة إليه آنفا، ها هي إدارتنا الجمركية، بعد تفكير عميق وجهود مضنية، تصدم الرأي العام (الوطني خصوصا) بمفاجأة غير سارة بطبيعة الحال، وذلك بإقبالها “تقنينا” وبالخطوة السريعة على خوصصة ذاتها بنفسها! أو على الأصح تخريب بيتها بيدها. ولتوضيح الرؤية وتقريب الفكرة التي تنطوي عليها هذه الصدمة “الجمركية” المقيتة بشكل جلي، نقول بأن إدارتنا الجمركية لم تكتف لا بالتعديلات التي أدخلتها سنة 1998 على قانون الجمارك (5) والتي أقرت بموجبها صلاحيات واسعة لفائدة المصلحة الوطنية لحراس السواحل على حسابها هي نفسها، ولا بالتعديلين الخطيرين الذين أدخلتهما مؤخرا على هذا القانون “قانون الجمارك”، التعديل الأول تم من خلاله إضافة مادة جديدة “المادة 92 مكرر” إليه، بموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2009 (6)، والتي سمحت بأن تكون البضائع قبل إرسالها إلى الإقليم الجمركي، محل مراقبة، لحساب إدارة الجمارك من طرف شركات معتمدة، كما سمحت بأن تقع هذه المراقبة خصوصا على عناصر التصريح الجمركي، محيلة شروط اعتماد شركات التفتيش قبل الإرسال، وكذا كيفيات تطبيق ذلك إلى التنظيم، والتعديل الثاني تم من خلاله إضافة مادة جديدة أيضا “المادة 238 مكرر1” إليه، بموجب نفس قانون المالية التكميلي لسنة 2009 المذكور أعلاه (6)، والتي رخصت من جهتها لإدارة الجمارك أن توفر، مقابل أجر للغير، هكذا بصفة عامة أي ولو كان هذا الغير أجنبيا، أختامها ومراقباتها الجمركية سواء عن طريق الأجهزة الكاشفة للبضائع، أو عن طريق كل وسيلة أخرى لضمان سلامة العمليات والوثائق الجمركية، محيلة كيفيات تحديد هذه الإتاوى والآليات المتعلقة بتطبيق ذلك إلى التنظيم.
  • قلت لم تكتف بكل ذلك، بل استصدرت أيضا ومؤخرا فقط مرسوما تنفيذيا (7) أكثر خطورة من التعديلات المشار إليها آنفا، حيث ستتنازل إدارتنا الجمركية، وبمقتضى هذا المرسوم التنفيذي الجديد المشؤوم، عن أهم الصلاحيات التي ما وجدت إلا لها ومن أجلها، إنها صلاحيات الحراسة، التفتيش والمراقبة بمختلف أشكالها وأنواعها (8)، إذ صار مسموحا لهذه الإدارة -التي نحسبها وإلى وقت قريب، من بين الأجهزة الأمنية الحساسة والمرافق العامة الشبه عسكرية الهامة- أن تستأجر أختامها المتعلقة بهذه الرقابات المتنوعة وكذا أجهزتها الكاشفة للبضائع والأشياء المختلفة بما فيها تلك المحظورة حظرا مطلقا من متفجرات وأسلحة عسكرية ومعدات وتجهيزات حربية ومخدرات وتحف فنية، وعملات ومعادن نفيسة… بمقابل أجر!.
  • ياسادة ياكرام إذا كنا قد سكتنا قبل هذا التاريخ محاولين تفهم تلك التنازلات التي قدمتها هذه الإدارة فيما يخص بعض مهامها واختصاصاتها الإقليمية والموضوعية، على طبق من ذهب وبقوة التشريع والتنظيم، لفائدة هيئات ومؤسسات ومصالح وطنية أخرى مثل المصلحة الوطنية لحراس السواحل، فلأننا نعتبر ذلك وبصدق شأنا وطنيا داخليا “أحنا في احنا، وطاحت من الفم جات في الكم”. أما الآن وبما أن هذه التنازلات الجديدة التي أقدمت عليها إدارتنا الجمركية، بسبق إصرار وترصد، ستستفيد منها لا محالة الشركات الأجنبية التي ستعتمدها وفقا للمادة 92 مكرر من ق. ج المذكورة آنفا، الأمر الذي سيفرغ هذه الإدارة من أي محتوى ماديا كان أم معنويا، وما الذي سيبرر بقاءها أصلا إن هي تخلت طواعية و”تقنينا” عن دورها الرقابي أو حتى جزء منه الذي يعتبر أهم سبب في نشوئها ووجودها؟ أوليس باطن الأرض أفضل لها من ظهرها في هذه الحالة؟، ثم وبالنسبة لزملائنا الجمركيين أليس الأجدر بهم أن يسعوا إلى إدماجهم معززين مكرمين مثلا في الجيش الوطني الشعبي، لا سيما وأن له سابقة حديثة جدا في هذا الميدان حيث أدمج عناصر الحرس البلدي ضمن صفوفه، بدلا من أن يبقوا في إدارتهم هذه ناقصي حتى لا أقول عديمي الصلاحيات مكتوفي الأيدي متفرجين على هذه الإدارة وهي تمر بأصعب أوضاعها وتعيش أسوأ أيامها نتيجة لتسرعها وعدم تقديرها للعواقب الخطيرة لما أقدمت عليه.
  • لقد عانينا الكثير والكثير جدا من آفات الغش والتزييف والتهريب بمختلف أشكاله ونحن في ظل إدارة جمركية كانت تمارس جميع صلاحياتها ومهامها واختصاصاتها المكانية والموضوعية المختلفة، الرقابية والأمنية، الاقتصادية والمالية، الجبائية والصحية!، فكيف سنغدو إذا أصبحت هذه الإدارة نفسها إدارة عليلة مشلولة بفعل فقدانها الإرادي لأهم الصلاحيات “المعاينة، التفتيش، الرقابة” التي كانت السبب الأصلي في وجودها!، لنتصور فقط ما يمكن أن يترتب عن ذلك من مخاطر سواء بصحة مستهلكينا أو باقتصادنا الوطني أو باستقرارنا الأمني أو بسيادتنا الوطنية!، أقول هذا وأؤكد عليه لأن الأمر فعلا صعب الهضم للغاية وطالما هو كذلك فلم يعد بمقدورنا لا تفهم مثل هذه التنازلات الخطيرة وغير المسبوقة في جميع المسارات المختلفة لهذه الإدارة على الإطلاق، كما لم يعد بإمكاننا السكوت عنها لأننا وببساطة شديدة ننتمي إلى أمة قال فيها الله عز وجل: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”، وقال نبيها محمد صلى الله عليه وسلم: “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، وقال أيضا: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.      
  • وعلى أية حال النصوص القانونية الجمركية، المعدلة أو المستحدثة، كما أشرنا إليها أعلاه، والتي استخدمتها إدارتنا الجمركية بغية تحقيق مأربها الاقتصادي الكبير “عفوا إنجاز هدفها الوطني العظيم”، كلها منشورة في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، بمعنى أنها في متناول الجميع، ولمن أراد التفصيل والاستزادة، أو الرد والإفادة، آثرنا الإشارة إليها بالدقة العلمية اللازمة في هوامش هذه المقالة.   
  • والسؤل الكبير المطروح وبقوة على المخلصين من بنات وأبناء الإدارة الجمركية الأقحاح خصوصا وعلى كافة الجزائريين الغيورين على وطنهم من أبناء جزائرنا الحبيبة عموما، أيرضينا حميعا تصرف كهذا؟، أنقبل خوصصة إدارة وطنية هامة وحساسة، استراتيجية ومركبة، شبه عسكرية وأمنية، اقتصادية وجبائية… مثل إدارتنا الجمركية، وبهذه الطريقة المهينة “تعتمد شركات أجنبية لتقوم بدورها الرقابي بديلا عنها!، وتستأجر أختامها وخدماتها مقابل إتاوات!؟”، ألا يكفينا ما أقدمنا عليه، ونحن في كامل قوانا العقلية، من تفكيك متتالي لتعريفتنا الجمركية حتى تنسجم مع مقتضيات اتفاقية الشراكة الجزائرية الأورومتوسطية، والذي أدى إلى حرمان خزينتنا الوطنية من موارد مالية “حقوق ورسوم جمركية” هائلة؟، ألم نتعض ونستوعب الدرس بعد، خاصة من قضايا تهريب رؤوس الأموال وتبييضها من خلال ما يعرف بقضايا التجارة الخارجية عموما وبإشكالية النفايات الحديدية وغير الحديدية خصوصا؟!، على أن الدولة قررت أخيرا التمسك بزمامها وفك طلاسمها باسترجاع التعامل فيها من الخواص إليها، ثم أين الوطنية بصفة عامة والوطنية الاقتصادية خاصة التي أضحى البعض يتبجح بها لا سيما في الآونة الأخيرة؟.
  • في النهاية، أقول هذا غيض من فيض -لأن ما خفي بشأن تصرفات هذه الإدارة لا سيما في الآونة الأخيرة أعظم بل أدهى وأمر، مع استسماحي من هؤلاء أو أولائك الشرفاء الذين قد يشعرون بأنني أسأت إليهم من خلال تحليلي المتواضع للنصوص القانونية المنوه عنها آنفا، متمنيا أن أكون مخطئأ فيه، وقد أدليت برأيي بشأنه انطلاقا من ممارستي للمواطنة النزيهة وتطبيقي للموجبات الإسلامية الحقة، التي تفرض علينا جميعا أن نصدح بالحق ولو كان مرا على أنفسنا، ونقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت. ولا نبغ من وراء ذلك إلا الخير، كل الخير، لإدارتنا وشعبنا واقتصادنا ودولتنا ككل، عملا بقول الله عز وجل “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله”.
  • ــــــــــــ    
  • (1): إطار سام وبرلماني سابق،
  • (2): هذه الظواهر الخطيرة والمتفشية عندنا، لا سيما في الاونة، الأخيرة، تتمثل -على سبيل المثال لا الحصر- في تهريب السلع والبضائع والمنتجات والمواد الفلاحية والغذائية والصناعية وغيرها، تهريب المواشي، تهريب السجائر والمخدرات، تهريب العتاد العسكري والأسلحة والمواد الكيماوية والمتفجرات، الغش والتزييف أو التزوير في الفواتير والوثائق الجمركية والبنكية وفي الملكية الفكرية من علامات الصنع والعلامات التجارية، تهريب البشر، تهريب الآثار والتحف الفنية، تهريب العملات والمعادن النفيسة، تبييض الأموال…،
  • (3): راجع القانون رقم 79 – 07 المؤرخ في 26 شعبان عام 1399 الموافق 21 يوليو سنة 1979 المعدل والمتمم سواء بموجب القانون رقم 98 – 10 الصادر في ج. ر رقم 61 بتاريخ 29 ربيع الثاني 1419 الموافق 22 غشت سنة 1998 أو بموجب العديد من قوانين المالية الأساسية والتكميلية المختلفة الصادرة في هذا الشأن،
  • (4): هذه المصالح والهيئات والأجهزة الوطنية التي نقصدها في هذا المقام تتمثل -على وجه الخصوص- في المصلحة الوطنية لحراس السواحل وهيئة حرس الحدود التابعتين لقيادة كل من القوات البحرية والدرك الوطني، على التوالي، والمصالح المختصة التابعة لوزارة التجارة على مستوى الموانئ، المطارات والحدود البرية،
  • (5): يمكن العودة إلى نفس الموضوع المشار إليه في الهامش رقم (3) أعلاه،
  • (6): راجع المادتين 46 و 49 من القانون رقم 09 – 01 الصادر في ج. ر رقم 44 بتاريخ 29 رجب عام 1430 الموافق 22 يوليو سنة 2009 المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009، المستحدثين لهتين المادتين “المادة 92 مكرر والمادة 238 مكرر1” من قانون الجمارك،
  • (7): راجع المرسوم التنفيذي رقم 11 – 186 الصادر في ج. ر رقم 26 بتاريخ 10 ربيع الأول عام 1432 الموافق 13 فبراير سنة 2011،
  • (8): مما لا شك فيه أن الرقابات التي نريد الإشارة إليها ولو مجرد إشارة تتمثل أصلا وأساسا في الرقابة القبلية والبعدية، وفي الرقابة المادية والوثائقية، وفي الرقابة بالأهداف والفجائية أو “العشوائية كما يسميها البعض” ونحوها.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • douanier

    كلمة حق أريد بها باطل
    لماذا الأن يا سي موسى