-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من أرشيف الفكر الجهادي (3)

الجماعة الإسلامية.. نشأتها وأفكارها ومراجعاتها

الجماعة الإسلامية.. نشأتها وأفكارها ومراجعاتها

تعتبر الجماعة الإسلامية المصرية من أشهر الجماعات التي انتهجت سبيل العنف والإرهاب في سنوات السبعينات والثمانينات، وسنحاول معرفة مساراتها الفكرية وشيئا من مستنداتها الشرعية من خلال النقاط التالية.

النشأة والتأسيس 

نشأت الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية في أوائل السبعينيات على شكل جمعيات دينية إبان فترة ركود الحركات الإسلامية، تلف ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة في محيط الطلاب، ومع ذلك فإنها كانت قليلة العدد، ضعيفة المجهود في هذا الوقت الذي كانت تسيطر فيه الاتجاهات الماركسية والقومية الناصرية على الحياة الجامعية. 

وبدأ أن تيارا أخذ ينمو في جامعات الصعيد يدعو إلى التغيير بالقوة، حتى أصبح مستحوذا على كل الجامعات تقريبا.

واستمرت الجماعة الإسلامية في مواجهتها مع مجتمع الجنوب، وبدأت تسبب إزعاجا لجهاز الأمن، لما في أعمالها من عنفٍ يُدخلها في نطاق الجريمة، وتذكر الجرائد في تلك الفترة أخبارا كثيرة من اعتداءات على محلات النصارى، ومشاجرات بلغت حد الاقتتال مع نصارى المنطقة أيضا فيما عرف بأحداث المنيا عام 1979 واعتداءات متكرّرة على محلات الفيديو، وأماكن بيع الخمور، وعلى المارة في الشارع. 

ومع تورط الكثيرين من شباب الجماعة آنذاك في عمليات عنف ضد الأهالي المسلمين منهم والمسيحيين على السواء، بالإضافة إلى الضجة التي كانوا يثيرونها في مظاهراتهم وخطبهم ضد سياسات الحكومة، دخل عام 1981 وأكثرهم هارب أو مطارد، أو مطلوب القبض عليه. 

أفكار الجماعة الإسلامية

لم يكن للجماعة حتى أوائل عام 1981 كيانٌ إداري منظم، ولم تكن لها خطة عمل واضحة، بل لم تكن لها مراجع فقهية معينة تستقي منها أساليبها في المعارضة السياسية، أو يتعلم عليها دون غيرها المنتمون الجدد، بل يرجَّح أن أكثر الأعضاء لم يكونوا في الحقيقة يعلمون إلى أين سيتجهون بمؤسستهم الدينية الصغيرة؟! 

ويؤكد كمال حبيب المتخصص في الحركات الإسلامية و”الجهادي” السابق أن الشباب لم تكن له أي مراجع فقهية صادرة من قياداته حيث يقول: لم يكن لهم أي مؤلف، كل الكتب كانت كتبا قديمة، لكن أعيد نشرها،  إذ كان من مظاهر الإحياء الإسلامي في هذا الوقت عملية نشر إسلامي واسع لكتب قديمة، ومنها كتب ابن تيمية، يعني مثلا فتاواه فيما يتعلق بالتتار الجزء 28، هذا مهم لأنه تقريبا كان يمثل الإطار المرجعي،   يمكن أكثر من سيد قطب. 

ويؤكد معظم أعضاء الجماعة على أن كل مؤلفات الجماعة التي صدرت في الفترة الممتدة مابين 1981 إلى 1984 بينما كان مؤسسوها في انتظار الحكم عليهم بالإعدام، فكتبوها في ظروف نفسية وبدنية بالغة السوء، وكان قصدهم من كتابتها عرض فكرهم على المحكمة وتركه لمن بعدهم، وكان المخالف الوحيد لهذه المعلومة صفوت عبد الغني، الذي أكد أنه كانت هناك كراسات كتبها المؤسسون وضعوا فيها مبادئ فكرهم بشكل عام وإجمالي، وكان شباب الجماعة يتعلمون عليها مبادئ الجماعة،   وأنها كانت هي نواة ما كُتب في السجن، وأن العمل في السجن كان يتلخص في حشد المزيد من الأدلة وتفصيلها. 

وقد تبلورت معظم أفكار الجماعة الإسلامية في كتب ورسائل كتبت داخل سجن ليمان طرة ومن أهمها كتاب (ميثاق العمل الإسلامي) وهو دستورٌ الجماعة، ويمكن تلخيص ما ورد فيه من أفكار في النقاط التالية:

الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تراه الجماعة، والجهاد في سبيل الله من خلال جماعة منضبطة حركتها بالشرع، تأبى المداهنة أو الركون، وتستوعب ما سبقها من تجارب. 

العداء للظالمين الذين تعاديهم الجماعة، على أن الكفر منه أكبر وأصغر،   وكذا الظلم منه أكبر وأصغر، فيوالى من عنده ظلم أصغر على قدر ما عنده من خير ويعادى على قدر ما عنده من ظلم. 

ومن آراء الجماعة قتال أي طائفة تحكم بغير الشريعة، كافرة كانت أو منتسبة للإسلام، وعلى ذلك يرون حتمية الصدام كما في رسالتهم (حتمية المواجهة) للأسباب التالية:

أولا: خلع الحاكم المبدِّل للشريعة لـ”كفره” بهذا التبديل. 

ثانيا: ترك الحكم بالشريعة والحكم بالقوانين الوضعية “كفرٌ بواح”. 

ثالثا: الحاكم المستبد “الكافر” يجب على المسلمين القيام عليه وقتاله وخلعه. 

رابعا: وجوب قتال الطائفة الممتنِعة عن شريعة من شرائع الإسلام، وإن أقرَّت بوجوب ما امتنعت عنه ونطقت بالشهادتين. 

خامسا: وجوب تنصيب خليفة للمسلمين، وإقامة الخلافة الإسلامية. 

سادسا: وجوب تحرير بلاد المسلمين المغتصَبة، واستنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الأعداء، ووجوب الجهاد لنشر الدين. 

ومن آراء الجماعة أن بلاد المسلمين اليوم ليست بدار إسلام يجري عليها أحكام الإسلام، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحق، ويقاتَل الخارج عن الشريعة بما يستحق، وعلى ذلك لا يكفِّرون الأمة، وإنما يكفِّرون ولاة أمرها، وعليه لا يحرِّمون تولي الوظائف الحكومية مثل جماعة التكفير. 

ويوجبون الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لآحاد الرعية بدرجاته الثلاث. 

تعارض الجماعة مشاركة الاتجاه الإسلامي في الحكومات العلمانية المعادية للإسلام، إذ إن هذه المشاركة كما ترى الجماعة تسبِّب مفاسد كثيرة، وتوقع الجماهير العريضة في الحيرة والشك والتضليل وتضفي شرعية على الحكومات المعطِّلة للشريعة.

هذه هي خلاصة فلسفة الجماعة ونظرتها للدين والحياة والدعوة والحكم،  وهي كما نرى نظرات مغرقة في التشدُّد والتكفير وهو ما دفعها إلى ارتكاب جرائم في حق أبرياء لا يقرها دين ولا خُلق.

وحدة ثم انشقاق

تمّ توحيد جماعتيْ تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في صيف سنة 1981 م تحت اسم “جماعة الجهاد” وهي التي قامت باغتيال الرئيس السادات في العرض العسكري المقام بمناسبة ذكرى 6 أكتوبر سنة 1981، كما سعت الجماعة الجديدة الموحدة إلى القيام ببعض العمليات التي كان لها صدى إعلاميٌ كبير داخل مصر وخارجها. 

والوحدة بين الجماعتين وُلدت في الحقيقة وهي تحمل أسباب موتها نظرا لكثير من الفروق بينهما في الرؤى وظروف النشأة ليس هذا مجال الخوض في تفاصيلها.

لقد ظهرت كل تلك الفوارق والتمايزات بين الجماعتين بعد أن انفض التحالف القائم بينهما عام 1984 على إثر خلافات كبيرة بين قيادات كل منهما أثناء وجودهم معا في السجون المصرية، وترجع أسباب الشقاق إلى ثلاث قضايا رئيسية: 

أولا: قضية العذر بالجهل، وهي مسألة تتعلق بطريقة النظر والحكم على المجتمع المصري.

ثانيا: طبيعة العمل الذي يجب أن تقوم به كل من الجماعتين، وهل يجب أن يكون عملا سريا تماما؟ أم خليطا من السرية والعلنية كما تذهب إليه الجماعة الإسلامية؟ 

ثالثا: الخلاف المتعلق بمن تجب مبايعته أميرا للجماعة الموحدة حينذاك،   حيث انحازت قيادات الجهاد إلى ضابط المخابرات العسكرية السابق عبود الزمر، بينما انحازت قيادات الجماعة الإسلامية إلى الشيخ الأزهري الضرير عمر عبد الرحمن، وقد نتج نتيجة ذلك خلافٌ فقهي بين الجماعتين حول شروط الإمارة، فرفع أعضاء الجهاد شعار “لا ولاية لضرير” في الإشارة إلى الشيخ عمر، بينما رفع أعضاء الجماعة شعار “لا ولاية لأسير” في إشارة إلى عبود الزمر الذي بقي في السجن بينما أفرج عن الشيخ عمر عبد الرحمن.

ونتيجة لتلك الخلافات النظرية العلمية انشقت جماعة الجهاد الموحدة من جديد لتعود مرة أخرى إلى جماعتين هما: الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد.

الجماعة الإسلامية والمراجعات 

منذ إصدار الأحكام القضائية في حق أعضاء تنظيم الجماعة الإسلامية قيادات وقاعدة، وعلى مدار أكثر من ثمانية عشر عاما أثيرت دعاوى الحوار معها، ومحاولات التوسُّط بينها وبين بعض الأجهزة الرسمية في الحكم، والمفاتحة في تصحيح أفكارها ومراجعتها، ولقد قيلت آراء كثيرة في مدى تقبُّلها للحوار وتقبُّل أعضائها للوساطة وشروطها، فضلا عن تقبُّلهم لخيار العدول عن العنف والصدام المسلح.

خلف تلك القضبان البائسة كما يقول الأستاذ ماهر فرغلي، وسنوات العمر الطويلة تتساقط في زنازين العزلة تاركة وراءها ربيع العمر، كانت المفاجأة التي أذهلت البعض، وأثارت الكثير من الشكوك والتساؤلات لدى آخرين، في ظل ما عرف بـ(المراجعات) وهي حالة جديدة انطلقت من السجون المصرية، وتمددت إلى بلدان أخرى فيما بعد، حيث حذت حركاتٌ وشخصيات أخرى حذو الجماعة الإسلامية في قراءاتها ومراجعاتها لأصولها وقواعدها ومنطلقاتها الفقهية في التغيير

في الخامس من يوليو سنة 1997، وأثناء النظر في محاكمة بعض أعضاء الجماعة إذا بأحد المتهمين في القضية يقف ليلقي بيانا مذيَّلا بتوقيع القيادة التاريخية للجماعة الإسلامية، تدعو فيه إخوانها إلى إيقاف العمليات القتالية وحقن الدماء. 

وبعد ذلك أصدرت الجماعة سلسلة من المراجعات الفكرية والفقهية تبين فيها مواطن الخطأ، والتراجع عن التهور باسم نصرة الإسلام، وتحكيم الشريعة، والندم على ما صدر من أعضائها من أعمال أساءت فيه للدين نفسه. 

وبذلك أسدل الستار على تاريخ واحد من أشد التنظيمات دموية في تاريخ الفكر التكفيري الحديث. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • نحن هنا

    معرفة الجماعت الإسلامية في الجزائر تمر عبر دهاليز ملغمةمحروسة بعفاريت فمن يفامر بالخوض فيها؟

  • ههه

    ما حاجتنا نحن الان لمثل هذه التنطعات لمن يريد ان يظهر بمظهر الخبير ماذا ستفيدنا هذا اللغو في حياتنا اليومية عاد اللي يجي يقول راني خبير في الجماعات الجهادية غير تعمار ورق

  • فوضيل

    ما يمكن للآخرين (امثالنا) أن يآخذونه على هاته المراجعات الفكرية هو كيف يمكن تأويل نفس النصوص لتتحمل الشيء ونقيضه؟ الى اي حد يمكن تعميم هذا "الخراب" الفكري للمنتمين لهذا الفكر، هل هم جميعا خلايا نائمة ستتحول في لحظة ما الى كائن ارهابي.. لا استطيع تخيل ان هناك ملايين من (..... ) تعيش بيننا ونحن لا نشعر بها، لا بد ان يكون هناك خلل ما في هذا التعميم!

  • عابر سبيل

    لما قرات العنوان حسبت انك تكتب عن الجماعة الاسلامية الجيا او جماعة بويعلى الميا
    ربما نحن كقراء جزائريين لاتهمنا الجماعات المسلحة مصرية كانت او يمنية فنتمنى ان تكتب عن المغرر بهم من بني وطننا وتعرفنا بهم عن كثب فتخبرنا عن الميا وعن الجيا وزعمائهم ومصادر افكارهم ......الخ

  • بدون اسم

    كل المراجعات التي تتم تحت الإكراه هي من باب التقية وليست من باب القناعة طبقا لقل الرسول صلى الله عليه وسلم:"وإن عادوا فعد" فالمراجعات الحقيقية هي التي تتم في كنف الحرية وبالتي هي أحسن