-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحقُّ في الغش والتهريب والإجرام!

حسين لقرع
  • 2138
  • 7
الحقُّ في الغش والتهريب والإجرام!

منذ أيام قليلة، قام سكانُ قريةٍ حدودية غربية بالتظاهر وقطع الطريق احتجاجاً على منع السلطات لهم من ممارسة ما أسموه “حقهم” في تهريب الوقود إلى المغرب، وفي الفترة نفسها أقدم تلميذٌ في متوسطة بشرق البلاد على ضرب أستاذة إنجليزية احتجاجاً على حرمانها له مما أسماه”حقه” في الغش.

هذه الممارسات الخطيرة تذكّرنا بما وقع في بكالوريا 2013، من اعتداءات واسعة من الممتحَنين على الأساتذة والحراس، داخل الثانويات وخارجها، لأنهم منعوهم من ممارسة الغش جماعيا، والذي رأوه”حقا” لهم. أما في بكالوريا 2014 فقد قام أحدُ الممتحَنين بصب البنزين على نفسه والتهديد بالانتحار احتجاجاً على منعه من “حقه” في الغش، وطعن ممتحَنٌ آخر أستاذة بسكّين في ظهرها للسبب ذاته.

كما تذكِّرنا هذه الممارسات بإقدام سكان بعض الأحياء في العاصمة منذ أكثر من سنة على مواجهة الشرطة بالحجارة والأسلحة البيضاء، حينما حاصرت منازلَ بأحيائهم قصد القبض على متّهمين بتجارة المخدرات، ما مكّنهم من الفرار من قبضة الشرطة. وربما رأى هؤلاء السكانُ أيضاً أن المتهمين لم يخطئوا، بل قاموا فقط بممارسة “حقهم” في المتاجرة بالسموم.

سلمّ القيم تغيّر في هذا المجتمع بشكل أصبح يثير القلق على مستقبل أبنائنا، وإلا كيف يتحوّل الغش والتهريبُ وبيع السموم والإجرام من مناكر وآفات ينبغي أن يساهم المجتمعُ في محاربتها إلى”فضائل” لا تُمارس جهاراً نهاراً فحسب، بل وتجد أيضاً بين المواطنين من يعتبرها “حقوقاً” مشروعة ويناوئُ السلطاتِ دفاعاً عنها؟

الرشوة أصبحت مجرّد “قهوة” أو”حق” المسؤول الذي يمكّن المواطنَ من حقوقه، والرذائلُ والمعاصي أضحت “قفازة” لا يخجل صاحبُها من التبجّح بها أمام الناس دون حياء وكأنه إنجازٌ يفخر به، وسرقة المال العام والتزوير والاختلاسات أصبحت “شطارة” وعلامة “ذكاء وفطنة”، في حين يُنظر إلى التعفف والتورّع عن المال الحرام على أنه بلاهة و”جياحة” تجلب لصاحبها الاحتقار والسخرية..

والغريب أن المحتالين واللصوص أصبحوا يستعملون الدينَ بشكل فجّ لتبرير جرائم الاحتيال والاستيلاء على المال العامّ، فهذا”يجيز” نهب بنك أو مركز بريدي بدعوى أنّ “سرقة أملاك الدولة حلال” وآخر يزعم أن ما ينهبه من مؤسسات الدولة المختلفة “جائز” لأنه يمثل “حقه في البترول” ولا يُعتبر سرقة. ومنذ يومين فقط أقدم مواطنٌ بوهران على الاستئثار بمخمرة والده المتوفى وحرمان والدته الفرنسية من الإرث، و”أفتى” بأنه “لا يجوز لها شرعاً” أن ترث شيئاً لأنها مسيحية وليست مسلمة، وكأن أموال المخمرة جائزة شرعاً، والمشكلة فقط تكمن في ديانة الأم.

حتى بعض طلبة الشريعة لا يتورّعون عن إصدار”فتوى” بـ”جواز” الغش في اللغات الأجنبية بذريعة أنها “لغات الكفار”، في حين ضبط حراس البكالوريا منذ أيام الكثير من المتحجبات وهن يغششن بتقنية البلوتوث المخفية تحت الخمار وفي مادة الشريعة الإسلامية، أليس هذا مدعاة للعجب وصيام رمضان في رجب؟

باختصار، قيمُ المجتمع تتدهور بسرعة، وأخلاقُ أبنائه تسوء باستمرار، ولا ندري ما الذي تخفيه الأيام مع الأجيال الصاعدة التي تفتَّحت عيناها على سلوكات وآفات كانت قبل عقود قليلة مناكر مُخجلة وأصبحت الآن تُمارَس جهاراً وتُعتبر”حقوقاً” مشروعة، وتحظى ببعض الدعم الشعبي. ولعل القادمَ أخطرُ وأجلّ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • جزائرية

    يالقرع----ماذا---تتوقع-من---ذولة-كل-حكامها---شششياتون-

  • على

    بداية انالا اوافق على هذه السلوكات المنكرة الا انها عبارة عن نتاج لسلوكات قبلية قد كرستها السلطة الحاكمة بداية من انتخابات مزورة و تكريس للمحسوبية و الجهوية حتى في اعلى المناصب و باسم رجال الدولة اذن فميزان اختيار الرجال لم يبنى على الكفاءة و القدرات المهنية.
    فماذا نحصد الا اختلالا للموازين .

  • بدون اسم

    هذا هو الجيل الذي صنعوه و قاموا بتنشأته على القلة في الأخلاق و في العلم و العمل، أتى دوره ليرد لهم صنيعهم و يلتف حول عنقهم كما التف الثعبان على منقذه؟ ألم يحاربوا كل من كان يحمل العلم و الأخلاق و المثابرة في العمل؟ و طاردوهم في كل مكان كما يطارد المجرمون؟ فمنهم من هجر و ترك لهم كل شيء...ألم يمكنوا لفاسدي الأخلاق و ناقصي العلم و اصحاب المصالح؟ فخربوا كل جميل و مكنوا لكل قبيح فاسد؟

  • عبد الرحمن

    بسم الله الرحمن الرحيم.لك كل الاحترام والتقدير أيها الأستاذ الفاضل،لقد فضحت المستور الذي استفحل منذ مدة طويلة وبتدعيم من كثير من طبقات المجتمع،وخاصة أولئك الطفيليون الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في أعلى عليين،في نظرهم،فراحوا يكرسون الرداءة بل يفرضونها على الجميع،حتى أن أحد الصحفيين يرى بأن التمسك باللغة العربية وبالثوابت الوطنية يعد تخلفا وتقليدا وتحجرا،لأن هذه الثوابت في رأيه تمنع من ممارسة الموبقات وتحد من حرية الإنسان،فهو يدعو إلى الانسلاخ من جميع القيم باسم التقدم والحداثة.ربي رحماك بنا

  • عبدالقادر

    2/ من المالوف نتيجة الحشو السياسي بلغة الخشب التي تبرر ذلك حتى وصلت الى الصندوق بسلب ارادة الشعب عن طريق الغش بمصطلحات واهية كالاحفاظ على استقرار البلاد و محاربة الارهاب وسد الطريق امام الفساد والاصلاح والتغيير وكان من يفسد قابل ان يصلح ما افسده كماهو نظامنا الحالي بعهداته الاربعة ... ليس غريب ابدا من ان نجد اليوم يطلب حقه في الغش مادام احسن قدوة له عهي من يحكمه و الذي غشه باسم الحق الدستوري و القانوني وحتى استخدام الحق الديني. نسي الحكام و المحكومين بانهم مسلمون قول الرسول" ص": من غشنا ليس منا

  • عبدالقادر

    1/ موضوع رائع و الاروع هو الحق في الغش. من اين اتى هذا الحق في الغش الذي هو عمل لا ديني و لا دستوري و لا قانونون و ترفضه الاعراف و التقاليد في كل المجتمعات ولدى كل الامم من مختلف الاديان و الاعراق قديما و حديثا؟ لانه ببساطة عمل لا اخلاقي و لا انساني بسببه تتهاوى القيم الانسانية التي تسير المجتمعات مما تؤدي الى انهيارالامم و الدول سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا و في كل المجالات بما فيها القضائية و الامنية و الدفاعية التي تعتبر اركان قوتها. فلما يكون الحاكم يغش المحكوم و يتفنن في ذلك حتى يصبح....

  • فراس

    الناس على دين ملوكها يا أستاذ سلطة جاءت بالتزوير وتمارس كل أنواع العهر السياسي والتظليل والنهب المنتظم لثرواتها وإفساد أجيال بأكملها عبر وزراء مسوخ تغريبييون لا يمتًّون للإسلام والوطن بصلة ،،ماذا ننتظر بعدها ..!!