الحلال الذي تحوّل إلى حرام؟
لا خلاف بين كل الجزائريين على أن الديبلوماسية الجزائرية كانت خارج مجال التغطية، منذ اندلاع الثورات العربية، رغم أن هذه الثورات اندلعت في البيت المجاور لبيتنا، حتى كدنا نسمع أزيز رصاصها، ونشم شياط نارها…
-
ولا خلاف بين كل الجزائريين، على أن موقف خارجيتنا بقي مبهما، رغم أن كل دول العالم بما في ذلك البهاماس ولوزوتو واللاووس ونيكاراغوا، أفتت في شأن ثورات يجمعنا بدولها الدم واللغة والدين والتاريخ والجغرافيا، لكن كل الذين حاولوا إنقاذ أو انتقاد هذا الموقف المبهم، نسفوا مجال التغطية نهائيا، وخرجوا عن المنطق وعن الدين والدنيا، ومنهم الحزب المحظور الذي صار يصوم في زمن الإفطار، كما فعل زعيمه منذ سبع سنوات، عندما صام تضامنا مع صحفيين فرنسيين اختطفوا في العراق، رغم أن العراق بأكمله اختطف، ويُفطر في زمن الصيام، كما هي بياناته المنتقدة للجزائر عندما استقبلت بعض الأفراد من عائلة معمر القذافي المكوّنة من امرأة حامل وعجوز جاوزت الستين..
-
خرجة للأسف تؤكد أنه بقدر ما تخطئ السلطة عندنا، وتصنع الفراغ في الحدث الداخلي والخارجي، بقدر ما تعجز المعارضة داخل وخارج الوطن، عن تقديم بديل يرفع الرأس ويملأ هذه الفراغات، كما حدث مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، التي اعتبرت استقبال أفراد من عائلة القذافي غير مطلوبين قضائيا وأمنيا من ليبيا ومن غيرها جريمةً وخيانة للثورة الجزائرية وللشهداء، ولا يوجد في كل الشرائع ما يمنع استقبال عائلة، ذنبها الوحيد أنها تنتمي لديكتاتور، ولو كان فرعونَ أو هامانَ أو هتلر، ولا يوجد في كل القوانين ما يحاسب الزوجة على ذنب اقترفه زوجها، أو الابن على ذنب اقترفه والده، والحزب المحظور الذي اختار لنفسه كلمة “الإسلامية”، يعلم أن القرآن الكريم والسيرة النبوية، قدما لنا نماذج من التسامح ومن طبيعة الحياة، مثل قوله تعالى: “وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربي ابنِ لي عندك بيتا في الجنة ونجنّي من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين” وقوله أيضا “وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين”، ووصف في أبدع سورة، صورة المرأة التي يجيئها المخاض، وهي مريم البتول “فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت: يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا” وكلها أمثلة وعبر كما قال تعالى للأولين والآخرين، ودستور اجتماعي وسياسي يسيرون عليه، لا أن يستعملوه زورقا لبلوغ مآربهم.
-
وإذا كنا نعلم أن طواغيت العصر، ومنهم الزعيم الليبي الذي أباد وأحرق شعبه قد يكونون أشد طغيانا من فراعنة الزمن القديم، ونعلم أيضا أن ابنة القذافي وزوجته لا يمكنهما أن يكونا بمرتبة البتول وامرأة فرعون، ولا حتى النساء العاديات في العالم، وحاشاه الخليل أن يكون مثل أبناء صاحب “زنقة زنقة”، ونعلم أن “أبا الحكم” الذي سماء خاتم الأنبياء أبا جهل، ترك ابنا هو عكرمة رضي الله عنه، تاب وحوّل هزيمة معركة اليرموك إلى انتصار بصموده وصيحته الشهيرة، عندما هرب بعض الجنود، فاستشهد وفتح المسلمون سوريا ولبنان، وبعدها مصر وليبيا، كما أصيب صفوان بن أمية ابن خلف بالعمى في الفتوحات الإسلامية، نعلم أيضا أن أي دار عجزة في العالم، لا يمكنها سوى أن تستقبل صفية القذافي، وأن أي مستوصف لا يمكنه سوى أن يستقبل عائشة الحامل، فما بالك أن يصبح هذا العمل الإنساني العادي جدا الذي جعل الأردن تستقبل ابنة صدام حسين، وفرنسا زوجة شاه إيران، وبلجيكا بنات بوكاسا، يوصف بالخيانة لمليون ونصف مليون شهيد، كما جاء في بيان الحزب المحظور.
-
المثل العربي الشهير يقول: “إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب” ولكن في موقف الجزائر من سلطة ومعارضة، اختفت كل المعادن النفيسة وغير النفيسة، فلا كلام المعارضة كان فضة، ولا صمت السلطة كان ذهبا، فذاب صوت بلد كان من المفروض أن يتكلم وحده ويصمت الآخرون.