-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (26): خداع سجع الكهّان

خير الدين هني
  • 622
  • 0
الحلقة (26): خداع سجع الكهّان

المخادعون في كل فنّ يستعملون الحيل للتشويش على عقول الناس، وسجع الكهان نوع من الخداع اللفظي، يستعمله الكهان لإرباك المستمعين واستغفالهم، إذ تكون النغمة الصوتية الصادرة عن الجرس الموسيقي المميز عند سماعه، وهو الذي يستهوي الكهان كثيرا فيميلون إلى الإكثار من استعماله، كي يحققوا مرادهم أمام السامعين، لأن أجراس السجع المموِّهة تصرف المستمعين عن التفكير في المعنى، وعلى هذا  فإنّ سجع الكهان ليس له رصيد معنوي كبير، خلافا للقرآن الكريم الذي يأتي السجع فيه واضحا لا تعمية فيه ولا لبس في معناه، وهو يحوي كما جمّا من العلوم والمعارف.

القرآن الكريم حيث إنه منزل من الله تعالى الذي لا يعجزه شيء إذا أراد أن يقول له كن، فالقدرة المطلقة التي هي صفة لازمة للباري سبحانه لا يعجزها البحث عن كلمة مسجوعة أو لفظة تعبر عن معنى جديد، لذلك نرى السجع في القرآن يتغير من قافية إلى قافية ومن نغمة إلى نغمة بحسب ما يقتضيه المعنى الجديد، خلافا للبشر الذين يتّصفون بالضعف والعجز والنقصان، فحين يعسر عليهم وجود ألفاظ مسجوعة بحرف واحد، حين يطول كلامهم أو تكون المعاني عميقة، فيلزمهم السجع بأن يأتوا بكلمات غريبة غامضة مبهمة غير معروفة في الاستعمال لتلبية احتياجات السجع، مثلما يفعله الكهان في أسجاعهم، فيكون السجع على حساب المعنى وهذا من عيوب السجع في علم البلاغة.

ولكن المشكلة عند بعض مشايخ المسلمين المعاصرين، حينما يُعجزهم الدفاع عن القرآن المفترى عليه من المرجفين والشكّاك، ومن  قولهم بأن القرآن نص جاهلي جاء مسجوعا على نحو ما كان شائعا في العصر الجاهلي، فتقودهم الحماسة الدينية وهم يظنون أنهم على حق ويتوخون الخير والنفع حين يدافعون عن القرآن، بمناهج علمية خاطئة فينفون السجع عن القرآن الكريم، ظانين أنهم ينافحون عن قدسية القرآن الكريم وكذلك ليتجنبوا الوقوع في حرج ما يروجه المرجفون، مما وقع في وهلهم من أن القرآن الكريم، صيغ على منوال ما كان يأتي به الكهان من السجع، وهؤلاء المرجفون تحاملوا على القرآن حين اعتبروا ما جاء في بعضه، إنما جيء به لتتوافق الفواصل مع بعضها في الجرس الموسيقي، على نحو كلمة سنين، لتتوافق النغمتان في نهاية كل فاصلة، في قوله تعالى، ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِين﴾، (التين: 1) ، مما جعل السجع -حسب زعمهم- يأتي على حساب المعنى، حيث إن القرآن قام بليّ كلمة سيناء إلى سنين لتتوافق الفاصلتان في الوزن والنغم.

ولفظة سنين كما جاء معناها عند المفسرين (الطبري، القرطبي، الخازن، وغيرهم)، مع شيء من الاختلاف بينهم تعني في مجملها الجبل الذي به حسنٌ وبركة، وعليه فلا يوجد تحريف للكلمة ولا لِيّ لبنيتها جريا وراء السجع، على غير ما فهموه وهم يتقصدون التضليل، حين أعرضوا عما جاء في التفاسير المختلفة، وفسروا الكلمة بأهوائهم المغرضة، وقال عكرمة عن ابن عباس وغيره، أن كلمة سينين كلمة سريانية تدل على الخير واليمن والبركة، لأن اللغة العربية بها كلمات كثيرة من الفارسية والحبشية والآرامية والسريانية، والكثير من الناس لا يعرفون ذلك. من ذلك أن كلمتي “أستاذ” و”سندس” أصلهما فارسي، ومنبر أصلها حبشي، ودرْب أصلها سرياني وسينين أصلها سرياني، وهكذا، والتفاعل بين اللغات أمر طبيعي تقتضيه عوامل كثيرة، كالتجارة والسفر والتواصل الاجتماعي بين الأمم والشعوب، منذ أن وجد البشر على هذه البسيطة، كما أن كلمة جيب “JUP” بالفرنسي أصلها عربي من الجبة، وكلمة “DOUANE” الفرنسية أصلها عربي من “الديوان”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!