الرأي

الحلول المرنة.. خاصية المرحلة!

محمد سليم قلالة
  • 808
  • 8
شوتر ستوك
رئيس ديوان المستشارية الألمانية هيلغه براون قال "من لم يرد تلقي اللقاح يتعين عليه تحمل خطورة العدوى بنفسه"

على خلاف ما يُبشِّر به البعض أن عصا الدولة ستكون أكثرُ غِلظَةً بعد “كورونا”، وأنَّ البَطْشَ سيحل مَحل التساهل في الحياة السياسية، أو ينبغي أن يحدث ذلك، أرى أن العكس هو الذي سيحدث أو ينبغي أن يحدث.

لن تتمكن القوة، في قادم الشهور أو السنوات أو حتى العقود من فرض منطقها، مهما كانت الدولة ومهما كان المجتمع. العكس هو الصحيح، لن يكون هناك سلاح أقوى من سلاح المرونة واللِّين والإقناع والحجة لحل المشكلات المختلفة.

يبدو لي، ومن خلال مؤشرات عدة، أن عهد القوة المادية قد وَلَّى، أو هو على الأقل في طريق الزوال، لتحل محله ما أصبح يُعرَف منذ أكثر من عقد من الزمن بالقوة الناعمة، المصطلح الذي استخدمه الصينيون بقوة، ونظَّر له الأمريكي “جوزيف ناي” في كتابه الذي يحمل عنوان “القوة الناعمة” منذ سنوات، رغم محاولات الكثير من القادة السياسيين مواصلة استخدام القوة المادية التقليدية، وأحيانا الإفراط في ذلك، لفرض منطقهم.

وكما يُمكن أنْ نَستخلِصه من مختلف تجارب العالم، لم يتمكن مستخدمو القوة المادية من التأثير في السياسات المختلفة، ولا من تحقيق أي من أهدافهم ومصالحهم.

أكثر الدول لجوءً للقوة في العالم، الولايات المتحدة، لم تَتمكن من فرض مكانتها فيه، في حين استطاعت ذلك الصين من غير دخول أية حرب.

وأكثر الدول العربية لجوء للقوة لم تحقق أهدافها، ولن تحققها، رغم الخسائر الكبيرة التي تسببت فيها، البشرية منها والمادية، كما في سورية واليمن ومصر وليبيا، حيث ازدادت الأوضاع سوءا في كل منها لاختيارها منطق القوة، أو دُفعت لذلك دفعا من قبل صُنّاع الحروب، لحل أزماتها، فحدث ما حدث، وانعكس ذلك على الجميع…

وها نحن نرى اليوم أن أكثر مناطق العالم تدهورا، هي التي تُستَخدم فيها القوة المادية لحل المشكلات… وما يَحدث اليوم في أمريكا أو فرنسا، ناهيك عن دول الجنوب، إلا دليل على ذلك، خلافا لتلك الدول التي ما فتئت تحل مشكلاتها المختلفة من خلال كل ما لديها من حكمة ولا عنف وحوار مثل ماليزيا واندونيسيا والجارة تونس حتى لا نضرب المثال بالبلاد الاسكندنافية البعيدة عَنَّا من حيث مجال المقارنة.

ولعل بلادنا اليوم تعيش في مرحلة مفصلية من تاريخها، حيث أمامها فرصة كبيرة لتخطي الصعوبات التي تعرفها، وتجاوز الخلافات التي تشهدها، والتغلب على كل ما من شأنه إعاقة تقدمها، من خلال الوسائل المرنة وأدوات الإقناع المختلفة من غير قهر لأي طرف ومن غير محاولة إنزال الهزيمة الكلية به كما يفعل المحاربون ضد بعضهم البعض، ذلك أن زمن الحرب التقليدية واستخدام الوسائل الكلاسيكية لإسقاط الخصم، في عصر الجماهير والاتصال قد وَلَّى، كما أن إمكانية إخضاع الطرف الآخر ماديا وقهرا بأي وسيلة كانت، قد ولّى أيضا.

إن الزمن اليوم هو زمن استخدام الوسائل اللِّينة، التي تأخذ بعين الاعتبار الجوانب العقلية والروحية والثقافية والنفسية والسلوكية لدى الانسان وتُحسِن التعامل معها…

فَلِيُكَيِّف كل طرف نفسه مع ذلك، وليُبدِع كل طرف ما استطاع من الإبداع في هذا المجال…

إننا في حاجة إلى خوض معاركنا القادمة بوسائل غير قهرية، ولا تسلطية، وعلينا أن نُبرِهن ذلك ميدانيا فيما نتخذه من قرارات، وما نقوم به من أعمال.. ولا يَكفي أن نُعلِن ذلك شفاهة، إنما علينا أن نُقِّره بداخلنا كقناعة وخيار استراتيجي لا رجعة فيه، يُلزِمنا جميعا… وبذلك فقط نستطيع تأكيد أننا سَلكنا طريق اللِّين في حل مشكلاتنا، ولن يكتم أحد  أنفاسَ أحد بعد الآن … كل الناس تريد أن تتنفس فلندعها تفعل وتستعيد الأمل…

مقالات ذات صلة