-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نشاط "اليد الحمراء" عزز التعاطف الألماني مع جبهة التحرير

الدّعم الألماني للثورة الجزائرية.. القصّة المغيبة

دحو ولد قابلية
  • 4128
  • 4
الدّعم الألماني للثورة الجزائرية.. القصّة المغيبة
ح.م
دحو ولد قابلية

في شريط وثائقي، بثّته القناة الوطنية الثالثة الناطقة بالفرنسية، تم تسليط الضوء بشكل واسع على قصة اليد الحمراء، المنفذة تحت “غطاء رسمي”، للتستر على الممارسات الإجرامية التي ارتكبتها مصالح المخابرات الفرنسية ضد قياديي جبهة التحرير الوطني وداعميهم في الإقليم الألماني.

ومع ذلك، لم يبرز الشريط الوثائقي مخلفات هذه الأعمال الإجرامية على الرأي العام الألماني، بكل فئاته، لكون الحقيقة أن هذا الأخير تلقى صدمة إزاء تصرفات إرادية وإجرامية تعدّت على القانون الدولي وتجاوزت سيادة ألمانيا وأمن مواطنيها.

هذه الأحداث التي بدأت في نهاية سنة 1956، كانت مصدر التشنج المتصاعد الملاحظ لعدد من الفاعلين في الحياة السياسية الألمانية، وتصلّب مواقفهم تجاه فرنسا، وفي نفس الوقت سمحت بإحداث التقارب مع وجهة نظر جبهة التحرير الوطني وتنامي الدعم لها في هذا البلد.

لذا، فضلت الكتابة في هذا الموضوع، لإبراز الدعم الألماني للقضية الجزائرية، فمواقف ألمانيا عند اندلاع ثورة التحرير الوطني في نوفمبر 1954 لم تكن موحدة، فقد اختلف موقف الحكومة الفدرالية عن الذي اتخذته القوى المعارضة ذات التوجهات الاشتراكية واللبرالية عموما.

وبدعم من حزبه (الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني)، صاحب الأغلبية في البرلمان الفدرالي (بوندستاغ)، لم يكن للمستشار “كونراد آدناور” أي هدف سياسي ذي أولوية ما عدا إعادة توحيد بلاده وإعادة تسليحها، على اعتبار أنه الضمان الوحيد لأمنها ضد خطر الشيوعية. وفي هذا المسعى، كان المستشار الألماني يعتمد على الدعم الفرنسي.

أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض فقد كان مسايرا أكثر لرياح التاريخ الدافعة للشعوب، الواقعة تحت التسلط الاستعماري، إلى الرغبة المشروعة للانعتاق واسترداد هويتها المسلوبة. وقد استقبل قائد هذا الحزب، “إريش أولنهاور” بالرضا القرار الشجاع الذي اتخذه رئيس الحكومة الفرنسية، “بيار مانديس فرانس”، الذي وضع حدا لحرب الهند الصينية في ماي 1954. وكان “أولنهاور” يترجي نفس الشأن بالنسبة لشمال إفريقيا.

ولكن خاب أمله في خليفة “مانديس فرانس” على رأس الحكومة الفرنسية، غي مولي، الأمين العام لحزب “القسم الفرنسي للأممية العمالية”، العضو في الأممية الاشتراكية مثله مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني.

وخلافا لكل التوقعات، وعلى نقيض تعهداته المعلنة في حملته الانتخابية المتمثلة في جلب السلم إلى الجزائر، وبمجرد توليه المنصب في جانفي 1956، وضع “غي مولي” سياسة حربية متهورة بمنح صلاحيات خاصة ومفرطة للسلطات المدنية بالجزائر كما قدم وسائل بشرية ومادية أكبر للسلطات العسكرية.

ورغم أن القسم الفرنسي للأممية العمالية، مثل الحزب الاشتراكي المسيحي الألماني، قد أيّد في اجتماع الأممية الاشتراكية في 1951، الموقف المبدئي الذي يؤكد بشكل إلزامي لكل الاشتراكيين بأن جميع الشعوب الواقعة تحت الاستعمار لها الحق في تقرير مصيرها مع رفض أي شكل من أشكال الاستعباد أو استغلال الشعوب.

وبالتالي، فإن الحزب الاشتراكي الديمقراطي قام بتحليل الظرف في شمال إفريقيا على أنه مسألة استعمار، لكنه احتفظ في البداية كل تدخل في هذا الاتجاه. وفي الواقع تبلور الراهن السياسي الألماني آنذاك حول انشغالات حيوية أخرى اهتم بها الحزبان الكبيران، حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. ومن بين هذه الانشغالات ما يلي:

 – إعادة توحيد ألمانيا

– التأكيد الر سمي على أن ألمانيا الغربية (الجمهورية الفدرالية الألمانية) هي الممثل الوحيد للشعب الألماني في إطار حدودها التاريخية السابقة

– إرادة مواجهة عمليات ضرب الاستقرار التي يحاول تنفيذها النظام الشيوعي لألمانية الشرقية (الجمهورية الديمقراطية الألمانية)

– ضرورة الحصول على الاعتراف كشريك جاد ومسؤول في منظمة حلف شمال الأطلسي للدفاع عن الغرب في سياق الحرب الباردة

– الاهتمام بالحفاظ على النفوذ الاقتصادية من خلال حماية حصص ألمانيا في أسواق دول الشرق الأدنى والأوسط، وهي دول طالما كان قادتها يقدّرون جودة منتجات ألمانيا الصناعية وخبرتها التكنولوجية. كما أن العلاقات المميزة مع العالم العربي تدفع ألمانيا إلى ضرورة اعتبار شمال إفريقيا جزءًا لا يتجزأ من هذا العالم.

ومع كل هذا، فرضت المسألة الجزائرية نفسها لتُطرح في الساحة السياسية الألمانية، من خلال وقوع ثلاثة أحداث رئيسة:

– وصول أول اللاجئين الجزائريين إلى ألمانيا.

– اختطاف طائرة القادة الجزائريين الخمسة في المجال الجوي الدولي في 22 أكتوبر 1956.

– العدوان الفرنسي-البريطاني-الإسرائيلي على مصر بعد تأميم قناة السويس.

وفي صيف 1956، سعى قادة ومناضلو جبهة التحرير الوطني، الذين كانوا محل بحث ومتابعات وضغط الأجهزة الأمنية، إلى مغادرة الأراضي الفرنسية والانتقال إلى الدول المجاورة. فبعد بلجيكا، أول أرض لجؤوا إليها، اتجهوا إلى ألمانيا، باعتبارها دولة أكبر بكثير. وتبع هؤلاء القادة والمناضلين العديد من الطلاب والعمال المضربين الباحثين عن عمل. وقد منحهم حق اللجوء المنصوص عليه في الدستور الألماني ضمانًا أمنيا.

وكان اختطاف طائرة القادة الخمسة لجبهة التحرير الوطني ثاني حدث مستقطب للدعم، حيث تصدرت هذه القرصنة غير المسبوقة عناوين جميع الصحف في ألمانيا فتم إدانتها دون لبس ولا تحفظ. ولم يتردد أحد الدبلوماسيين الألمانيين الموظفين بباريس في الإشارة إلى أن ارتكاب عملية القرصنة عززت صورة حركة التحرير الجزائرية من باب أن سمعة فرنسا قد تأثرت سلبا.

كما أثار الحدث الثالث، وهو العدوان الفرنسي البريطاني الإسرائيلي على مصر، العديد من التعليقات. فالصحافة، وهي مرآة مخلصة للرأي العام، شجبت هذا الهجوم واعتبرته محاولة عمياء ويائسة لمعاقبة مصر على دعمها لكفاح جبهة التحرير الوطني. كما أدانت المعارضة الألمانية في البرلمان (بوندستاغ) استخدام القوة في العلاقات الدولية.

وقد جلب عنصر آخر انتباه الرأي العام الألماني، والمتمثل في إعادة إلى الوطن مئات الفارين من الفيالق التابعة لقوات جيش الاستعمار في الجزائر. وكانت هذه العودة بفضل عمل مواطن ألماني، “وينفريد مولر” الملقب بسي مصطفى، الذي انضم للثورة الجزائرية عام 1956. وتبعا لهذا، تم إنشاء جمعية لإعادة إدماج هؤلاء الأبطال، وإسناد إدارة الجمعية إلى هانز “بيتر رولمان” المتعاطف مع القضية الجزائرية.

وخلال عام 1957، ارتفع عدد اللاجئين الجزائريين بألمانيا وأصبح الدعم ملموسا أكثر. فإذا بقيت الحكومة الفدرالية صامتة حينذاك، فإن الدعم كان متأتيا من النقابات والشباب الاشتراكي والطلاب والمسيحيين التقدميين وكذلك العديد من المنظمات المهنية والخيرية.

وبرز رجلان في هذا المسعى، رئيس قسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) في كولونيا، “هانز يورغنفيشنسكي” وصديقه بول فرانك المسؤول عن إدارة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية.

وأطلق الأول، الذي اتصل بمسؤولي جبهة التحرير الوطني في كولونيا، حملة توعية وتعبئة إعلامية كبرى، وقام مع مساعدة اتحاد النقابات الحرة الذي يقوده “ويلي ريتشلر” بتنصيب الطلاب المتحصلين على منحة دراسية. وفي نفس الوقت، اعتنى بالعمال الجزائريين في الشركات الألمانية بينما تم تقديم وظائف التدريب المهني للآخرين.

والثاني “بول فرانك” فقد تخلى عن قاعدة الحياد التي اعتمدها الجهاز التنفيذي الفدرالي. وأجاز منح وثائق التنقل للجزائريين غير المستفيدين من حق اللجوء.

وبعد استقبال الاتحاد العام للطلاب الجزائريين المسلمين (UGEMA) والاتحاد العام للعمال الجزائريين (UGTA)  المعترف بهما كنقابات تمثيلية، تم السماح للجنة التوجيهية لاتحاد فرنسا لجبهة التحرير الوطني، بقيادة عمر بوداود، بالاستقرار في مدينة دوسلدورف الألمانية والنشاط هناك بحرية. كما تم الاعتراف بشكل غير رسمي بالمحامي آيت أحسن، ممثل لجنة التنسيق والتنفيذ  (CCE)، وهي الهيئة الإدارية لجبهة التحرير الوطني. وأنشأ آيت أحسن مكاتبه في مقر السفارة التونسية في بون. وفي حقيقة الأمر، تمثل الدعم الأكبر في رفض طلبات تسليم المسلحين الجزائريين المقيمين في ألمانيا، وهي طلبات قدمتها السلطات القضائية الفرنسية بذريعة جرائم الاعتداء على الأمن الداخلي لفرنسا.

وبرر بول فرانك موقفه المذكور بأحكام المادة 16 من الدستور الفدرالي التي تمنع تسليم المتهمين لأسباب سياسية.

وبعد مساهمة هذين المسؤولين، شاركت شخصيات أخرى في دعم القضية الجزائرية خاصة نواب البرلمان من أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي وأعضاء أحزاب الائتلاف اليساري. كما قدم قادة المنظمات الخيرية (لجنة الصليب الأحمر، مؤسسة فريدريش إيبرت) المساعدة الإنسانية للجزائريين الذين عاشوا في ألمانيا وللاجئين الذين فروا من الجزائر نتيجة كفاحهم واستقروا على الحدود الجزائرية التونسية والجزائرية المغربية.

وشرع هانز يورغنفيشنسكي بمساعدة أوتوبرونر، رئيس جمعية الصحفيين، في طباعة وتوزيع عبر المدن الرئيسية لهذه الدولة الأوروبية، النسخة الألمانية من جريدة المجاهد التي كانت تصدرها جبهة التحرير.

إن جبهة التحرير الوطني، التي اعترفت بالدعم الذي قدمه عدد كبير من المسؤولين الألمانيين، تمسكت بموقف احترام قواعد وعادات البلد المضيف. ولم ترد على الاعتداءات التي تعرض لها أعضاؤها.

وكان رئيس بعثة البحث عن الأسلحة وشراءها لفائدة جبهة التحرير الوطني، عبد القادر نواصري، الذي تم تنصيبه في فرانكفورت منذ عام 1956، قد تمكن من إقامة علاقات مثمرة مع تجار عاملين في هذا النشاط المعترف به قانونًا في ألمانيا.

وبالنسبة للمسؤولين الألمانيين، كانت مواقفهم حتى ذلك الحين مواقف براغماتية متمثلة في الحياد الإيجابي الذي لم يكن له تداعيات كبيرة على العلاقات الفرنسية الألمانية. غير أن هذا لم يمنع السلطات الفرنسية من اغتنام أدنى فرصة لممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية مستمرة على السلطة الفيدرالية. وتمثلت إجابة السلطات الألمانية دائما في أن الدولة الفدرالية لا تملك وسائل الإكراه على شخصيات أو أحزاب أو هيئات معتمدة ما دام أنها تتصرف بامتثال صارم للقانون الألماني.

ومع فشل إحراز نتاج من استخدام الضغوط، أمرت الحكومة الفرنسية، بقيادة رئيس الوزراء “غي مولي” مصالح التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس  (SDECE)، الموضوعة تحت إشرافها، بالتحرك المباشر مع استخدام العنف عند الحاجة لتحييد ممثلي جبهة التحرير الوطني ومؤيديهم السياسيين واستعمال نفس الوسيلة لمنع أي حركة للأسلحة أو المعدات العسكرية لمصلحة الجبهة.

وقد حدد رجال تلك المصالح(SDECE)  أول أهدافهم في تاجر أسلحة في “هامبورغ أوتوشلوتر” فحاولوا اغتياله ثلاث مرات وكانت في ديسمبر 1956، وفي فبراير وأكتوبر 1957. وقد نجا بأعجوبة من الموت. غير أن القنبلة الأولى الموضوعة في مكتبه تسببت في وفاة شريكه “فيلهيم سورينزن” والثانية أدت إلى وفاة والدته التي كانت بجواره في سيارته أما الثالثة، التي استهدفته في سيارته أيضا، فتسببت في أضرار مادية دون المساس بحياته.

كما تم قصف تاجر آخر في “لهيمبسمنر” في نفس الفترة، مما تسبب له في إصابات خطيرة.

وفي سبتمبر 1958، فإن سفينة الشحن الألمانية “أطلس”، التي استأجرها جورج بوشيرت، الوسيط الرسمي لجبهة التحرير الوطني، غرقت في ميناء هامبورغ إثر انفجار لغم وضع تحت هيكلها. فاتهم الجنرال جيهلين، رئيس المصالح الخاصة الألمانية، القوات الخاصة لمصالح التوثيق ومكافحة التجسس الفرنسية دون أس تردد مع الاعتبار أن القنبلة تم وضعها باحترافية أدت إلى غرق السفينة مع إشارته إلى أن أربعين طنا من الديناميت لم تنفجر وإن تم ذلك لكانت العواقب والنتائج أكبر مما هو متصور.

ولرفع اللبس وإبعاد الشكوك عن السلطات الفرنسية، تم استخدام الصحافة الفرنسية على نطاق واسع لإيهام الرأي العام إلى أن هذه الهجمات ارتكبتها منظمة غير معروفة وهي “اليد الحمراء” قامت بأعمالها للدفاع عن شرف فرنسا التي كانت محل استهزاء جبهة التحرير الوطني.

ومع ذلك، واصلت مصلحة التوثيق ومكافحة التجسس الفرنسية أعمالها على الأراضي الألمانية. ففي ديسمبر 1958، كان الممثل غير الرسمي لجبهة التحرير الوطني آيت أحسين هدفاً لهجوم تعرض له أثناء قيادته لسيارة في ضواحي العاصمة بون. وتمكن قناص من إصابته بعدة طلقات. توفي إثرها بعد أربعة أشهر في تونس ليتم بعدها إعادته إلى وطنه.

وكان أهم عمل إجرامي أثار ردة فعل الألمانيين بالإجماع هو اغتيال جورج بوشيرت في 3 مارس 1959 في فرانكفورت. وقد تلقت السلطات الفدرالية والإقليمية علاوة على الشخصيات السياسية والصحافة والرأي العام صدمة بسبب الاستفزاز المفرط، الذي قامت به السلطات الفرنسية. وعلى الرغم من إنكار هذه السلطات لما ارتكبه رجالها إلا أنه لا يزال يُنسب إليها ما يسمى “اليد الحمراء”.

وقد ناشد النائبان الديمقراطيان الاشتراكيان “هيلموت كالبيتزر” و”والتر مينزيل” الحكومة الفدرالية لحثهما على اتخاذ تدابير لحماية مواطني المانيا وممارسة الأنشطة التجارية القانونية بحرية.

أما بالنسبة للقضاء الألماني، المعتاد أن يكون ذا قابلية للتواصل، فإن المدعي العام لفرانكفورت، هاينز وولف، وفي مؤتمر صحفي عقد في أبريل 1959، بعد يوم من اغتيال جورج بوشيرت، قام بالتبليغ عن عشرة اغتيالات في أراضي ألمانيا الاتحادية منذ عام 1956 على أساس أنها عمليات ارتكبتها منظمة تعمل في اتصال مع أو بالنيابة عن مصلحة مكافحة التجسس العسكرية الفرنسية.

وفي مواجهة الرفض العام الناجم عن وجود نشطاء لمصلحة التوثيق ومكافحة التجسس الفرنسية على الأراضي الألمانية، قررت إدارة هذه مكافحة التجسس الفرنسية التحرك من خلال عن طريق أحزمة مفخخة بالمتفجرات المرسلة انطلاقا من الأراضي الفرنسية. وفي هذا السياق، تم إرسال كتاب مفخخ إلى رئيس بعثة البحث عن الأسلحة وشرائها، عبد القادر نواصري في 30 ديسمبر 1959، فانفجر الكتاب ما تسبب في بتر يدي “نواصري”.

وأبدت الجمهورية الاتحادية الألمانية حينذاك مقاومة للضغوط ولم تول أي اهتمام بالاتهامات التي وجهتها السلطات الفرنسية إليها كونها تقوم بدعم جبهة التحرير الوطني، خاصة وأن السفن الألمانية كانت محل اعتراض قامت به البحرية الفرنسية واستمر ذلك الوضع في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي حتى عشية وقف إطلاق النار.

وأكدت رابطة مالكي السفن الألمانيين للحكومة الفدرالية أن 17 زورقًا تابعًا لشركات الشحن الألمانية كانت مستهدفة، من أكتوبر 1957 إلى ديسمبر 1960 للاعتراضات، للاعتراض والتحقق من الوثائق وعمليات البحث وأن خمسة منها تم تحويل وجهتها قسرا إلى موانئ الجيش الفرنسي في الجزائر، مع حجز ثلاث شحنات.

وقد ازداد دعم جبهة التحرير الوطني بشكل أكبر. إذ حثّ “هانز يورغن ويشنيسكي” عضو البرلمان منذ عام 1957، و”والتر شيل” ممثل الجناح الأيسر للحزب الديمقراطي الليبرالي (FDP)، النقابات الأخرى وجمعيات الطلاب أو الشباب على الالتزام سياسياً لصالح استقلال الجزائر بالاعتماد على حقيقة أن الجنرال ديغول نفسه اعترف بها في نصف كلمة.

وكان المستشار “كونراد أديناور” يشارك نفس موقف الإدانة، مستقبلا هانز يورغن ويشنيسكيفي ليقول له: “أعرف أن لديك أصدقاء جزائريين. فاعلم شيئا واحدا. لن أساعدهم ولن أضايقهم أيضًا، شريطة ألا تكون هناك محاولات اعتداء يرتكبونها وعليهم أن يحيطوا ما ينقلونه في حقائبهم بالسرية”حسب ما أورده “ويشنيسكي” للكاتبة نسيمة بوغرارة، التي أجرت معه مقابلة بعد الاستقلال. (اعتراف المؤلفة في كتابها “العلاقات الفرنسية الألمانية أمام اختبار المسألة الجزائرية، إصدار بيتر لانج 2006.

وكان خليفة أيت أحسين على رأس مكتب بون التابع لجبهة التحرير الوطني، عبد الحفيظ كرمان، مستهدفا من طرف السفير الفرنسي سيدو على اعتبار أن لديه مهارات التعامل مع شخصيات سياسية ألمانية.

وقد وُجهت إليه اتهامات بارتكاب جرائم القانون المدني، وأشار إليه وكيل نيابة مستقل في منطقة السار (سارلاند -ألمانيا) عام 1961، مع مواطنه مولود قاسم، بسبب أنشطة تمس بأمن واستقرار الإقليم.

وتمكن “ويشنيسكي” وبن فيش من التدخل وعزل القاضي ساروا وتم الإفراج على مسؤولي جبهة التحرير الوطني الاثنين.

وأصبح “ويشنيسكي” مديرًا للشؤون الأفريقية في الحكومة الفدرالية، فضاعف اتصالاته في تونس مع مسؤولي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ورحب ببعضهم خلال رحلاتهم إلى ألمانيا مع تمكينهم من لقاء كريم بلقاسم رفقة بن فيش في عام 1961 لطمأنته بشأن وضع عبد الحفيظ كرمان، ومولود قاسم وأحمد بوعتورة. وناقشوا في الوقت ذاته، مسألة تعيين عبد الحفيظ كرمان، عند الاستقلال سفيرا للجزائر في جمهورية ألمانيا الاتحادية.

وكانت المواجهة الأخيرة بين السلطات الفرنسية وإدارة ألمانيا الفدرالية متعلقة بهروب الجنود الجزائريين من الجيش الفرنسي المتمركزين في ألمانيا. وكان هذا الفرار، الذي تواصل ما بين عامي 1958 و1961، محلا لطلبات متأتية من السلطات الفرنسية بدعوى تسليم الهاربين إلى القوات العسكربة التي كانوا ينتمون إليها وإعادتهم إلى أماكن تمركزها وفقًا لأحكام اتفاقية حقوق والتزامات القوات الأجنبية المتمركزة في ألمانيا.

ووفقا للمادة 4 من هذه الاتفاقية، فإنّ الدولة الألمانية ملزمة في الواقع بتسليم الأشخاص الفارين. كانت الطلبات التي وجهتها السلطات العسكرية الفرنسية إلى السلطات القضائية المحلية الألمانية موضوعًا لتقييم خاص، بالنظر إلى أن بنود الاتفاقية المذكورة لا تنطبق إلا على المواطنين من أصل فرنسي، في حين أن القوات الفرنسية المتمركزة في ألمانيا كانت جنودًا من جنسيات مختلفة ومن إفريقيا السوداء على وجه الخصوص.

لقد أقدم القضاء الألماني على سابقة قضائية معتبرا أن الهاربين الجزائريين غير معنيين وبالتالي قاموا بطلب اللجوء السياسي فور ضمانهم الهروب من القوات المسلحة الفرنسية.

وفي الختام، وخلال أكثر من ست سنوات، حافظت جمهورية ألمانيا الفدرالية، في جميع مكوناتها البشرية والمؤسساتية، بنفس الطريقة التي اتبعها مختلف الداعمين، وهي سياسة التفاهم مع جبهة التحرير الوطني أثناء ظروف صعبة، اتسم بإرهاب الدولة الأعمى أمرت بتنفيذه الحكومة الفرنسية ما أثر على سيادتها وكرامتها.

وقد تواصل هذا الدعم وازداد، على الرغم من أن الحكومة الفدرالية الألمانية لم تعترف بالحكومة الجزائرية. إنه كان عمل صدق لرجال محبين للحرية ومناهضين للاستعمار، وظل “هانز ويشنيسكي” رمزا، تلقى من خلال جهده، بعد استقلال الجزائر، اعترافا كليا من جميع القادة الجزائريين حتى وفاته في 2005.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • moh

    لماذا تاتو بهذه الوجوه

  • xpsx

    يعجبني هذا الرجل

  • االمتأمل

    ستبقى ألمانيا العقار القاتل للفيروس الفرنسي.

  • خالد

    كرها في فرنسا لا حبا في الجزائر