الرأي

الرجل .. الكتيبة

حسن خليفة
  • 1015
  • 2
ح.م
الشيخ الورتلاني على اليسار

“الإهمال” واحد من الجرائر التي ينبغي أن نعمل ونسعى بجدّ لتجفيف منابعها ومحاصرتها، وحين يتصل “الإهمال” بأعلامنا ورموزنا العلمية والثقافية، فإن الجريرة /الجريمة تكون مضاعفة؛ لأنها تكون حينئذ بمثابة قتل متعمد وطمس مقصود وتقصير عن سبق إصرار وتعمّد.

أسوق هذا الكلام وأنا بصدد الحديث عن علَم من أعلامنا الكبار الشامخين الذي لم ينل ما يستحقّه من التقدير والتعريف ولم يتم الاهتمام به على النحو المطلوب، فهو لا يُعرف إلا على نطاق محدود، ولا تعرف عنه الأجيال الحالية من الطلبة والتلاميذ، والتي قبلها، شيئا تقريبا، كما ثبت في بعض الفعاليات والمسابقات. وليس ذلك بالأمر اليسير لشخصية عظيمة جاهدت وكافحت، على أكثر من مستوى، وفي أكثر من مكان.

وما يؤلم أن يجد رموزنا التقدير من غيرنا. في كتاب صدر قبل مدة بعنوان: “الفضيل الورتلاني: نصوص من آثاره وشهادات العارفين بجهاده” من إعداد الأستاذ الدكتور محمد العيد تاورته بمعية الأستاذ حسنين الورتلاني، وهو كتاب يستعرض الكثير من جهود الأستاذ الفضيل، في مجالات عدة، وفي نواح مختلفة مما كان يقوم به رحمه الله.

في هذا الكتاب نجد رسالة خاصة من الدكتور مصطفى الشكعة المفكر والباحث والأستاذ الجامعي والكاتب الكبير (1917-2011) وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس لجنة الدعوة والتعريف بالإسلام في وزارة الأوقاف المصرية، جاء في رسالته المعبرة والمؤثرة وصفه لشخصية الأستاذ الفضيل الورتلاني قوله: “..كان بمثابة كتيبة كاملة”. وليس هذا مجرد توصيف وليس أيضا مديحا فخيما، لكنه إقرار وشهادة بقدر الرجل (الورتلاني) الذي عرفه الدكتور الشكعة وعاش معه لمدة غير قصيرة، عرفه خطيبا مصقعا، ومتحدثا بارعا مؤثرا، وكاتبا صحفيا في صحافة القاهرة وما أدراك ما القاهرة سنوات الأربعينيات والخمسينيات وما تلاها.

كان الفضيل رجلا ثوريا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما كان رجلا رساليا عالي الطراز…

• كان الصحفي المتجول الذي رافق العلامة ابن باديس في جولاته وزياراته إلى مناطق الوطن يسجل ويكتب وما أجمل ما تركه مما يليق بالبحث فيه من طلبتنا وباحثينا وباحثاتنا.

• كان المربي والمعلم والمشرف على إنشاء النوادي، وقد أنشأ منها أكثر من عشرين في باريس وحدها لفائدة العمال المهاجرين الجزائريين، وهو صنيع لم يفعله غيره.

• كان الثائر الذي لا يخشى ولا يهاب، وكتابه “الجزائر الثائرة” دليل بسيط على جهود كبيرة بذلها في سبيل وطنه، ونداءاته وكتاباته وصدعه بالحق في المحافل والمجالس والندوات دليل آخر. وبيانه للثورة في اليوم الثاني منها (2 نوفمبر 1954) مما تقشعر الأبدان عند قراءته.

• كان رجل دولة من طراز خاص، فالكتاب المشار إليه أول هذه السطور يكشف عن برامج كان يقدمها للقادة والزعماء في بعض الأقطار العربية ومنها اليمن؛ في سبيل نهضتها، برامج متكاملة سياسية، زراعية، ثقافية، دينية إلخ… مبادرة منه وحرصا على النهضة والتقدم وتحقيق آمال الشعوب؛ حيث لم يكن يرى هذه الحدود المصطنعة بين الأشقاء العرب.

بالجملة حياته تصلح أن تكون منارة وقدوة للأجيال.. فهذا الرجل المسلم الأمازيغي ترك وراءه تراثا نابضا مضيئا وأمورا كثيرة تشير إلى ما يمكن أن يصنعه الجزائري الحرّ في هذه الحياة بصلابته وقوة شخصيته وعلمه. فمتى نعيد لهذا الرجل / الكتيبة قيمته؟

مقالات ذات صلة