الرقابة الذاتية
ربّى الإسلام أتباعه من أصغرهم إلى أكبرهم، ومن أدناهم في المسئولية إلى أعلاهم تربية صالحة، فأحيا ضمائرهم، وأيقظ نفوسهم، ونمّى فيهم ما يمكن تسميته “الرقابة الذاتية”، وأشهر ما يضرب من مثل في هذا المعنى تلك القصة التي تقول إن امرأة قالت لابنتها: قومي، فأضيفي شيئا من الماء إلى اللبن (الحليب)، فقالت لها البنت الواعية، ذات الضمير الحي والمسئولية الملتزمة، التي تعلم أن الإسلام اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان: يا أماه، إن أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) قد أمر أن لا يخلط اللبن بالماء..
قالت المرأة التي “تخشب” قلبها، ومات ضميرها، ولم تعد ترى إلا ما يدخل “صرّتها” من مال غير التفات إلى مصدره: ومن أين لعمر أن يعلم؟ ومن ينبئه بما فعلت، إنه لفي سبات عميق..
وهنا كان الجواب الذي أفحم تلك المرأة الكبيرة في العمر، الصغيرة في العقل من تلك الكاعب الصغيرة في السن الكبيرة في العقل: إن كان عمر نائما، فإن رب عمر “لا تأخذه سنة ولا نوم“..
لقد قدر الله – عز وجل– أن عمر كان مارا في تلك الليلة أمام ذلك البيت الذي جرى فيه هذا الحوار بين الفتاة وأمها، قائما بالمسئولية، مؤديا الأمانة التي هي عند كل شريف قديما وحديثا، مسلما كان أو غير مسلم “تكليف لا تشريف“؛ وعلّم عمر على ذلك البيت، فلما أسفر النهار، وأشرقت الأرض قال لأبنائها أيكم يريد زوجة صالحة.. فتزوج أحد بنيه تلك الفتاة.
لقد تذكرت هذه القصة عندما سمعت “الوزير الهمام“، الذي لم ينجح إلا في “سبّ الجزائريين” والتملق لصاحب “المخ” للاحتفاظ بما هو فيه – ؛ سمعته يتحدث عن عدد المراقبين الذين وزعهم عبر الأسواق لمراقبة الأسعار!!! ولكننا لم نسمع “معاليه” يذكر التجار بما جاء في شأنهم في دينهم.. وسيقول بأنه “ليس إماما” كأن الإسلام جاء للأئمة فقط…
إن ما يعرفه “معاليه” هو أن كثيرا من المكلفين بالمراقبة في جميع المجالات هم أفسد من الفاسدين، ولأن الأكثر فسادا هو هذه “المظلومة” التربوية التي لا تنمي عقلا، ولا تزكي نفسا، ولا تقوّم اعوجاجا.. وسنرى عما قريب، إن لن يتداركنا الله برحمته – أن كثيرا من إطارات “الدولة” كلهم مختصون في أساليب الغش.
وقديما جاء في أمثالنا “جِبْ الصابون نغسلو الصابون”، وحينئذ “نَفْتَجِئُ” على لغة أختنا ابن غبريط التي “افْتَأَجَتْ” لما رأت، ولما سمعت…