الرأي

الرّئيس صدّام.. هل تخذله الأمّة ميتا كما خذلته حيا

سلطان بركاني
  • 2753
  • 72

مرّت في بحر الأسبوع المنصرم الذكرى الثّامنة لاستشهاد الرّئيس العراقي صدّام حسين؛ وكعادتها كلّ عام، لم تحض بأيّ اهتمام يذكر في وسائل الإعلام، باستثناء بعض الإشارات المحتشمة لبعض الصّحف الخاصّة، وهو ما يشي بأنّ هناك نية مبيّتة لدفن تاريخ الرّجل، ليس فقط على مستوى الأنظمة والأوساط الرّسمية، وإنّما أيضا على مستوى بعض الأوساط الخاصّة، والأوساط الشّعبيّة.

قد يكون مفهوما أن تتعمّد الأنظمة العربيّة دفن تاريخ صدّام، لأنّه أوقعها في حرج بمواقفه الشّجاعة في حياته وعند مماته، لكن أن تنسى الشّعوب العربيّة والإسلاميّة صاحب اليد البيضاء في نصرة قضايا الأمّة، فذاك ما لا يمكن فهمه.

كيف للأمّة المسلمة أن تنسى الرّئيس العربيّ الوحيد الذي قصف تل أبيب بـ49 صاوخا، وتحدّى العرب أن يطلقوا الصّاروخ الـ50، ولكن دون جدوى؟! وكيف للفلسطينيين خاصّة أن ينسوا الرّئيس الذي أمر بكفالة عائلة كلّ شهيد فلسطيني، بتخصيص منحة قدرها 25 ألف دولار، تصل حقيقة إلى العائلات الفلسطينية وفي أسرع وقت ممكن، ما جعل وزير الدّفاع الأمريكي يقول بعد إحدى العمليات الاستشهادية: “حتّى تعرفوا أيّ عدوّ لنا هذا الرجل؛ إنّه يغري الصّغار بالمال كي يقتلوا أنفسهم”، كما كان يعطي كلّ من يُهدم بيتُه 25 ألف دولار بشرط ألاّ يخرج من فلسطين. بل أمر بتسجيل كلّ عائلة فلسطينية في البطاقة التموينيّة العراقية ليتكفّل بها كما يتكفّل بالعائلات العراقيّة، على أن تذهب الشّاحنات إلى الحدود الأردنية ويتمّ استلامها هناك وإيصالها إلى أهل فلسطين، ولكنّ الحكومة الأردنية أوجدت كلّ المعوقات للحيلولة دون وصول تلك المساعدات في وقتها المناسب. هذا إضافة إلى مقاطعته كلّ الشّركات اليهودية في العالم ولو لم تكن في إسرائيل، وقد اشترط ـ من بين رؤساء دول العالم جميعًا ـ على أيّ شركة تريد أن تعمل في العراق ألاّ تعمل في إسرائيل وتوقّع على تعهّد صريح بذلك. كما نادى صدام مرارًا بوجوب قطع النّفط والغاز عن إسرائيل ولم يلتفت إليه أحد، وقد باشر قطع النفط فعليًا عن أمريكا إبان الانتفاضة الفلسطينية وأذاع الخبر بنفسه في خطاب وجّهه إلى العالم، وبرّر الخطوة بأنّها جاءت ردا على دعم أمريكا للصّهاينة، ومدّد القَطع شهرًا كاملا، ولكنّ العرب ـ كعادتهم دائما ـ تداعوا لتعويض النّفط العراقي!

وقبل هذا وذاك، هل يمكن أن ينسى العرب والمسلمون أنّ الطائرات الأولى التي عبرت خطّ بارليف ودكّت الخطوط الإسرائيلية في حرب العرب مع إسرائيل كانت طائرات عراقية؟

مواقف كثيرة وقفها صدّام نصرة لقضية فلسطين، دفع ثمنها أنّ الصّهاينة خطّطوا لقتله أكثر من مرّة، ولمّا أعياهم ذلك، أغروا به الأحلاف والأجلاف فكان ما كان. فهل يليق بالأمّة المسلمة عامّة وبالفلسطينيين خاصّة أن ينسوا كلّ ما قدّمه الرّئيس الرّاحل صدّام حسين، ويتنكّر له بعضهم ويضعوا أيديهم في أيدي من تواطؤوا مع الأمريكان وأعدموه صبيحة عيد الأضحى على وقع الهتافات الطائفية التي قابلها بإعلان الشّهادتين في أصعب موقف يمكن أن يمرّ به الإنسان؟

كيف يمكن للأمّة المسلمة أن تنسى ما قدّمه صدّام إلى السّودان المسلمة ضدّ زحف القوات النّصرانية المتمرّدة؟! يوم تخاذل جيران السّودان ولم يحرّكوا ساكنا، حتى كادت القوات الصليبية تصل الخرطوم، فتدخّل صدام وفتح جسرًا جويًا عسكريًا إلى السودان، وسيطر طيرانه على سمائها، واندحر الصليبيون، واستتبّ التمكين للسودانيين إلى أن حوصر العراق.

كيف للأمّة المسلمة أن تنسى ما قدّمه صدّام في حرب اليمن، يوم كان للطّائرات العراقية التي أرسلها نصيب الأسد في تحرير اليمن من الشيوعيين وطردهم إلى الأبد حتى عاد اليمنان يمنًا واحدًا؟ والعجيب أنّ أكثر من ثلاث دول عربية أرسلت أسلحتها ودباباتها يومها تناصر الجيش الشيوعي الجنوبي في حربه مع اليمن الشمالي وأرسلت معها بعض الخبراء أيضا! كيف يمكن لليمنيين أن ينسوا كلّ هذا ويرضوا بتسليم بلادهم للحوثيين عملاء الدّولة التي أعدمت صدّام؟

وأخيرا وليس آخرا، كيف للأردنيين أن ينسوا أنّ صدّام أعطى الأردن أرضًا طويلة في العراق، في وقت كانت دويلات ملوك الطوائف من حوله تتصارع على الحدود؟ وكيف لهم أن ينسوا أنّ صدام أعطى بلادهم البترول وجعل نصفه هبة والنصف الآخر بسعر رمزي وفي شكل بضائع.. وهكذا كان يمنح البترول لسوريا أيضا.

الأنظمة العربيّة كافأت صدّام بتعاونها مع الأمريكان لإسقاطه، فهل ستكافئه الشّعوب العربيّة والإسلاميّة بأن تنساه وتطوي مآثره بعد استشهاده؟

مقالات ذات صلة