-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الشروق ترصد أجواء رمضان في باريس

الشربة والبوراك يحبسان الأنفاس في باربيس، ورائحة الجزائر في كل مكان

الشروق أونلاين
  • 3406
  • 3
الشربة والبوراك يحبسان الأنفاس في باربيس، ورائحة الجزائر في كل مكان

صحيح أن صوم شهر رمضان في الخارج مؤلم جدا بالنسبة للجاليات لاسيما منها المقيمة ببلدان الغرب، حيث لا نكهة ولا طعم هناك للشهر الفضيل، وحيث أيضا لا مكان للعادات والقيم الإسلامية التي غالبا ما تسود البلدان الإسلامية هذا الشهر، وهو السبب الذي يجعل العديد من المهاجرين يفضلون الهرب في شهر الصيام إلى بلدانهم للصوم ولو بضعة أيام وسط تلك الأجواء التي تواكب هذه الشعيرة الدينية التي تعد واحدة من أركان الإسلام الخمسة.

  • ورغم صعوبة الأجواء وقوة الإحساس بالغربة في هذا الشهر، إلا أن معظم الجاليات المقيمة في الغرب، خصوصا في فرنسا تعكف بمفردها على صناعة الأجواء الرمضانية في نفسها خصوصا في المدن الكبرى مثل باريس ومرسيليا المعروفتين بالتواجد الكبير للجاليات المغاربية التي تعودت في بلدانها على إحياء بعض العادات في هذا الشهر تظهر من خلالها تمسكها بالقيم الروحانية والرمضانية أكثر من غيرها من الجاليات.
  • ورغم أن الكثير من العائلات تفضل البقاء منزوية في ركنها وتأدية شعيرة الصيام بعيدا عن الأجواء ربما لتعودها على الصوم في فرنسا وانغماسها في نمط العيش الأوروبي، إلا أن غالبية المقيمين في فرنسا خاصة لازالوا متمسكين بتلك العادات والقيم التي تربوا وترعرعوا عليها في الأكل وتأدية الشعائر الدينية مثل الصلوات والعبادات الأخرى، وهو ما وقفنا عليه من خلال الزيارة التي قادتنا إلى باريس، حيث حاولنا لمدة أسبوع كامل الوقوف على تلك الأجواء الرمضانية وإبراز مدى تمسك المسلمين، وفي مقدمتهم المغربيين بهذه الشعيرة الروحانية، فالتقينا جزائريين، مغاربة وتونسيين وحتى أفارقة من مالي والسينغال يحرصون كلهم على تعظيم هذه الشعيرة والحفاظ على القيم التي تعلموها وكبروا عليها في بلدانهم بالرغم من أن لا شيء يوحي من حولهم أنهم يعيشون واحدا من أعظم الشهور عند الله.
  • الأجواء غائبة ورمضان في القلوب فقط
  • ولعل ما يثير انتباه الزائر لدى نزوله أحد مطارات فرنسا، هو غياب تلك الأجواء الرمضانية، حيث كل المقاهي، المطاعم والمخامر مفتوحة، وحتى طرق تعامل ولباس الغرب تختلف عن البلد الأم، فهذا يحمل سيجارة في يده وذاك زجاجة خمر، في حين يلتزم المسلمون السكوت وهم يكتمون إسلامهم وإيمانهم، وجلهم لا يستفيدون لا من تفضيل ولا رخص من أجل مغادرة أماكن عملهم قبل الإفطار، مما يجعل القيم الرمضانية تغيب عن نمط حياتهم، فبعضهم يفطرون ليلا وآخرون يأخذون معهم للعمل بعض الفواكه وقارورات ماء صغيرة ليرووا عطشهم على أن يفطروا بعد العودة من العمل، فالتقينا أحدهم وهو يتناول بعض حبات التمر في الميترو، فلما سألناه عن سبب إفطاره هناك، رد علينا: “لسنا في الجزائر حتى نغادر مكان عملنا قبل الإفطار، هنا الأمر يختلف، فلما تنهي عملك على الساعة منتصف الليل، فأنت مطالب بالبقاء هناك دون إفطار، فتكون دائما مضطرا لاصطحاب بعض المأكولات معك لسد رمقك، وفي بعض الأحيان يمنع عليك حتى تناول الأكل أثناء العمل، ناهيك عن تأدية الصلاة في مكان العمل فهذا من بين المستحيلات السبع”.
  • ونحن ننتظر الميترو بإحدى المحطات ساعة الإفطار، شاهدنا أحد السائقين وهو يتناول بعض الأطعمة، فممنوع عليه مغادرة مكان عمله رغم الصوم، مما يعني ان الصوم في بلاد تختلف كليا عن البلد الأم في الديانة والعادات والتقاليد يفقد كلية نكهة هذه الشعيرة الربانية التي تحظى ببالغ الأهمية في البلدان الإسلامية.
  • الآذان في الهواتف فقط والتروايح لمن استطاع
  • وإذا كان الآذان السمة الأساسية لأجواء رمضان في الدول الإسلامية، حيث يزيد الشهر الكريم متعة، خصوصا وأنه الوسيلة الأولى للنداء إلى الإفطار، فإنه غير موجود تماما في باريس وضواحيها وحتى ولو كان موجودا في بعض المساجد، فإنه لا يتعدى صوت المؤذن باب المسجد بسبب القوانين هناك، لذا فسماع آذان الصلوات عند الجاليات غالبا ما يكون بواسطة الهواتف النقالة جد المتطورة، خصوصا آذان المغرب.
  • ولأن المساجد بوسط مدينة باريس ضيقة ولا تتسع لأعداد كبيرة من المصلين وزوارها، فإن غالبية أعضاء الجليات يصلون في بيوتهم ونفس الشيء بالنسبة لصلاة التراويح التي تقام بمسجد باريس الكبير ومسجدي باربيس، حيث يضطر الكثيرون للعودة من حيث أتوا بسبب التوافد الكبير على تأدية الصلاة خصوصا في الأيام الأولى من الشهر الكريم.
  • والمثير حقا للتساؤل وأنت بباريس أن ثمة ثلاثة مواقيت لآذان المغرب، ولكل جالية قال لنا محمد ابن المدنية والمقيم هناك منذ عشر سنوات، فكل جالية تنتظر توقيتها، ولا أحد يدرك السبب الرئيسي لهذا الإختلاف، لذا قال محدثنا أنه وعدد كبير من المسلمين يفضلون الإفطار على التوقيت الثالث، أي في نظرهم هو الأصح أوالأقرب للتوقيت الحقيقي.
  • وأكد لنا محمد من جهة ثانية أن جوهر الخلاف في التوقيت صنعته تلك الوثائق التي وزعت هنا وهناك في فرنسا والخاصة بشهر رمضان بكل وثيقة تتضمن توقيتا مخالفا للأخرى، فبات كل واحد يفطر حسب الوثيقة التي سلمت له
  • وذهب عبد الرحمان بعيدا في كلامه وهو مقيم في فرنسا لأكثر من عشرين سنة، حيث صرح لنا أن هذه المواقيت هي نتاج للخلاف بين الجاليات، وكل جالية تحاول أن تفرض نفسها في الساحة، وبالتالي وضعت كل واحدة توقيتا حسب اجتهادها وانتهى الأمر بوجود ثلاثة مواقيت، على الصائم ان يختار واحدا منها.
  • شربة باربيس تحبس الأنفاس ورائحة الجزائر في كل مكان
  • وإذا كانت أجواء الشهر الفضيل غائبة تقريبا في كل أحياء وأزقة العاصمة باريس، فإنه حارة وبقوة في حي باربيس التقليدي، حيث تتجمع فيه أغلب الجاليات، لاسيما المغاربية، فرائحة الشربة تشد انتباهك من أول وهلة تطأ فيها قدمك هذا الحي، رائحة تنبعث من المطاعم التقليدية المتواجدة بأعداد كبيرة في هذا الحي والتي تتحول خلال شهر رمضان إلى مطاعم إسلامية تقترح أطباقا رمضانية وبأسعار معقولة جدا، حيث بلغ سعر الطبق11 أورو ويتكون من “الشربة” وطبق إضافي، بينما لو تطلب قطعة بريك فأنت مطالب بإضافة 3 أورو.
  • والملاحظ في حي باربيس أن كل الجاليات المغاربية مضطرة لتناول الأطباق الجزائرية دون غيرها، فالتواجد الجزائري بارز وبقوة في أزقة وشوارع الحي الذي يزوره يوميا حوالي مليون مغترب أو أكثر خلال الشهر الفضيل من أجل تذكر أجواء بلدانهم والحنين إلى الأوطان لاسيما بالنسبة للذين لم يزوروا بلدانهم مدة طويلة من الذين لم يسووا إلى يومنا هذا وثائقهم الإدارية، كما يزورها آخرون من أجل اقتناء بعض الحاجيات من المواد الغذائية ذات الإستهلاك الواسع في شهر رمضان
  • قلب اللوز، زلابية بوفاريك على كل الموائد
  • وتحتكر الحلويات التقليدية الجزائرية حيزا هاما من موائد الجالية الجزائرية في فرنسا عموما وفي باريس وضواحيها خصوصا، حيث تعج المحلات ببيع هذه الحلويات كل مساء بباربيس بالمشترين الذين يتوافدون من أجلها من كل مكان كونها تحضر في نفس المكان وتصل أصحابها ساخنة وبالضبط مثلما يحدث عندنا في الجزائر، عكس المدن الفرنسية الأخرى، حيث تباع في المساحات الكبرى وهي غير طازجة.
  • وإذا كانت هذه الحلويات في متناول كل الجزائريين هنا، فالأمر يختلف في الجزائر، فقطعة قلب اللوز تصل إلى الواحد أورو ونصف والكيلوغرام من زلابية بوفاريك يتراوح سعره بين 7 و8 أورو وهوما تعجز كل العائلات عن اقتنائه بسبب ظروف العيش هناك والتكاليف الأخرى.
  • صور التضامن حاضرة وفضل الجمعيات الخيرة كبير
  • وما أثار انتباهنا أيضا خلال تواجدنا بباريس وضواحيها هو الحضور القوي للجمعيات الخيرية المتواجدة تقريبا في كل مقاطعة سواء وسط العاصمة او بالمقاطعات المجاورة، حيث وصل عددها في وسط مدينة باريس إلى ست أو سبع جمعيات تقدم كلها مجتمعة حسب مصادرنا ـ ما بين 1500 و2000 وجبة يوميا لفائدة عابري السبيل والفقراء والذين يعيشون بمفردهم هناك ولا تتح لهم فرصة تناول وجبة إفطار ساخنة، فالأجواء جيدة للغاية ـ قال لنا مصطفى المتعود على الإفطار ـ على مستوى الأماكن التي خصصتها هذه الجمعيات، وتحية خالصة للمشرفين على العمليات وأيضا للنساء اللائي يتكفلن بالطهي وهن كلهن متطوعات، وتحية أكبر للمحسنين الذين يساهمون في عملية الإطعام، مقابل ذلك قال لنا مصطفى يجب الإكثار من هذه الجمعيات، لأن الطلب بات كبيرا وفي بعض الأحيان قد لا يجد رواد هذه المطاعم المكان للجلوس من كثرة روادها، ومهما يكن قال محدثنا فالمبادرة حميدة، فهي متواصلة ولم تنقطع منذ حوالي عشر سنوات ويجب فقط أن تتدعم بجمعيات أخرى تنشط في نفس المجال وتقدم نفس الخدمة خلال الشهر الكريم.
  • آكلو رمضان يفسدون الفرحة
  • ونحن بباريس لاحظنا أن ثمة أعدادا كبيرة من الشبان ممن لا يعرفون شيئا عن الشهر الفضيل، هم الذين لم يتربوا ولم يتلقوا في صباهم التعاليم والقيم الإسلامية، بل تشبعوا بالقيم الغربية بفعل احتكاكهم المفرط بهذه الحضارة وخصوصا بتقصير أوليائهم في تلقينهم قيم أصولهم، وهوما جعلهم يطلقون كل ما له علاقة بالدين الإسلامي وفي مقدمة ذلك الصيام، فهم يتجولون في باريس والسيجارة في فمهم ويجلسون في المقاهي والمطاعم، يأكلون ويشربون، وكأن الأمر لا يعنيهم، ناهيك عن الفتيات اللائي فضل بعضهن الانغماس في حضارة ما وراء البحر، ومهما يكن فهؤلاء لا يمثلون الأغلبية، بل فئة قليلة لا يقاس عليها، والمؤكد أن ثمة صحوة واضحة وسط الجاليات في فرنسا، بدليل أن الحكومة الفرنسية وغيرها من الحكومات الغربية باتت تخشى اليوم من انتشار المد الإسلامي ومعتنقي الديانة المحمدية. ومهما كانت المظاهر الخارجية للشهر الكريم في فرنسا ومختلف البلدان الأوروبية، إلا أن لا شيء يغنينا عن مظاهر هذا الشهر في البلاد الإسلامية، لأنها منطق ومنبع شخصية الفرد والتي على ضوئها تبنى عقيدته.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • بدون اسم

    الله يهدي من يشاء ...

  • بدون اسم

    ارجوا ان تنشر الشروق تحقيقا حول حياة الطلبة الجزائريين الذين يدرسون في جامعة باريس ٨ علي وجه الخصوص

  • شهادة حق والله علي ما اقول شهيد

    أنا مقيمة بفرنسا منذ سبع سنوات تقريبا كما انني عدت لمقاعد الدراسة في الجامعة السنة الماضية اين رايت العجب العجاب ابناء مغتربين محافظين علي القيم الاسلامية من صلاة في وقتها والحجاب بينما ما لم افهمه هو انسلاخ بعض الذين وصلوا منذ اشهر قليلة لفرنسا من قيمهم وتقاليدهم بنات من منطقة القباءل علي الخصوص يتنافسن علي العري والخروج مع اول من ينظر إليهن يأكلوا ويشربوا المحرمات وفوق هذا كله لا يتوانوا في سب الوطن كما يدعوا بانهم من اصول أوربية والعرب ما هم سوي مستعمرين كما ان رمز البربر ما هو سوي صليب حسب