-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يتفنّن في الملابس التقليدية والمفارش والوشاحات

الطرز الإلكتروني.. نافذة المعاقات لتطليق البطالة وتحقيق الذات

الشروق أونلاين
  • 2548
  • 1
الطرز الإلكتروني.. نافذة المعاقات لتطليق البطالة وتحقيق الذات
يونس أوبعيش

لطالما كان توفير منصب شغل، حلما يراود فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، فطموحاتهم كغيرهم من البشر هي إيجاد وظيفة يجسدون من خلالها أفكارهم ووجودهم، وبعد سنوات عسر وتضييق وبطالة إجبارية، هاهي الرقمنة تتيح لهم تحقيق أحلامهم… فالطرز الإلكتروني احتوى عشرات الفتيات “المعاقات” ومنهن محدودات المستوى التعليمي، فقدّمن منتجا ذا جودة نافسن به أرقى معروضات المحلات، وقمن بتسويقه إلكترونيا.
فاطمة، مريم، نفيسة… وغيرهن، فتيات في مقتبل العمر وُلدن بإعاقات مختلفة، حالت دون التحاقهن بمقاعد الدراسة مثل قريناتهن، فبقين حبيسات المنزل يقتلهن فيها الروتين ألف مرة في اليوم، إلى أن وُلد مشروع جمعية التحدي والعزيمة بالقبة المتخصص في خياطة وطرز الملابس التقليدية باستعمال التكنولوجيا الحديثة، أو ما يسمى “الطرز الإلكتروني”.
وهو ما أوجد بصيص أمل لهن، استشعرناه خلال مرافقتنا لهن في الورشة، التي كانت أقرب إلى خلية نحل.
ومع أنّ تقنية الطرز الإلكتروني مازالت حديثة في الجزائر، حيث اشتهر السوريون بإتقانها، إلا أنّ فتيات الجمعية بالرغم من إعاقتهن صمّمن على تعلمها وإجادتها والتفنن في استخدامها، رغم أن بعضهن لم يتلقين تكوينا في المجال واكتفين بالتعلم عن طريق المشاهدة فقط.

رئيسة جمعية التحدي: الطّرز الإلكتروني أنقذ “المُعاق” رغم صعوبة البدايات

رئيسة-الجمعية

“لم تكن البداية سهلة، لكن التكنولوجيا سهّلت الكثير على ذوي الاحتياجات الخاصة”.. هكذا باشرت رئيسة جمعية التحدي والعزيمة دباري علجية، حديثها معنا، مضيفة: “من خلال عملي السابق كإطار في التكوين المهني، لاحظت أن المعاق بطيء في إنجاز منتج ما لاعتماد مراكز التكوين المهني على الخياطة التقليدية، فيستغرق مدة أطول”، وهو ما يجعل منتجه يقدم في المعارض فقط، لذا فكرت محدثتنا في الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة، حيث يكون فيها الكمبيوتر الوسيلة الرئيسة للعمل، فهو يمنح الأوامر ويجسد تصميم المعاق ويتابعه، وبهذا نحصل على منتج ذي جودة عالية.
واستذكرت دباري بدايات عمل الفريق التي ساعدهم فيها لؤي وهو سوري مختص في هذا المجال، من حيث اقتناء الآلات وتلقين فتيات الورشة دروسا في استعمالها، وكان يحرص على صيانة الآلات بصفة دورية دون مقابل.
وأضافت محدثتنا: “لولا الطرز الإلكتروني لما نجحت التجربة… فالفتيات المقدر عددهن بـ 12 فتاة من جميع الإعاقات باستثناء البصرية، لديهن الآن منتج وفير ومدخول مادي يتحدين به إعاقتهن”.

“الفلاشْ ديسْك” حاضر بقوة داخل الورشة..

نزلنا الورشة لمشاطرة الفتيات لحظات العمل، وكنا مرفوقين بالمؤطرة (لويزة)، التي تسهر بالتعاون مع (حبيبة) على الإشراف على الفتيات ومراقبة عملهن والتواصل معهن، خصوصا أن غالبيتهن من فئة الصم البكم، لذا فهي تعمل على ترجمة الحديث إلى لغة الإشارة والتنسيق بينهن. وعن طريقة العمل تقول: “يختلف الطرز “الرشام” من لباس إلى آخر ومن مفرش إلى آخر، فمثلا عندما تأتينا طلبية لباس تقليدي “كاراكو” نختار الطرز المناسب له من خلال جهاز الكومبيوتر، ونحمله في دعامة إلكترونية “فلاش ديسك” ثم نضعه في الآلة ونضع قطعة الثوب والخيط باللون الذي نرغب فيه، ثم تبدأ الآلة بالطرز، بعدها تتولى الفتيات مهمة إزالة الخيوط وتفصيل الثوب وخياطته”.
وتواصل المتحدثة القول: “أنا لم أدرس الطرز فهذه “الرشمات” من إبداعي، حيث كنت ماكثة في البيت وأمارس الطرز التقليدي، بعدها جاءتني الفرصة لمساعدة وتعليم فتيات الجمعية”.

فاطمة.. صماء بكماء تعلمت الإعلام الآلي بالمشاهدة فقط

فاطمة شابة في بداية الثلاثينيات، كانت تجلس بهدوء والابتسامة تعلو محياها أمام جهاز الكومبيوتر الخاص بها منهمكة في عملها.
رغم انتمائها إلى فئة الصم البكم لكنها استطاعت أن تكون العنصر المهم في الورشة، فهي تعمل على تطبيق كل تعليمات المؤطرة وتوجيهاتها خلال تصميمهم “الرشام”، ويعملن معا على اختيار ما يناسب القطعة المراد خياطتها.
فاطمة تحدت إعاقتها التي حرمتها من التعلم حيث تمكنت من خلال الملاحظة فقط تعلم تقنيات الكمبيوتر والتصميم باستعمال برنامج “لوجيسيال ويلكوم” المخصص للطرز، يصعب حتى على الأصحاء العمل به.
تخبرنا بأنها كانت تشاهد إحدى زميلاتها وهي تعمل بالجهاز وبعدها وجدت نفسها بارعة فيه وتعلمت “الرشامات” الخاصة بالأوشحة، الأغطية، الملابس وقد أعطاها العمل دفعا وقوة أفضل من بقائها في المنزل.

فريدة.. متخلفة ذهنيا تخيط مفارش بـ “غُرزة الحساب”

انتقلنا إلى آلة أخرى أكبر، كانت تقف بجوارها فريدة، البالغة من العمر 30 سنة، تعاني من تخلف ذهني هي صغيرة الحجم فتضطر إلى الصعود فوق الآلة التي تزن 10 أطنان لتشغلها، تقول: “البداية كانت صعبة، فأنا لم أتلق تكوينا، لكنني فرضت نفسي وموهبتي”، لتتدخل المؤطرة للحديث عن فريدة، وتؤكد أنها لا ترفض أي عمل.
تعلمت فريدة الكيّ وبعدها الخياطة، ولما برعت فيهما، توجهت إلى الطرز الإلكتروني على الآلة الصناعية الإلكترونية، وهي آلة كبيرة جدا وثقيلة لكنها لم تقف عقبة أمامها، بل تعلمت تشغيلها لتنتج مختلف القطع التقليدية مثل مفارش غرزة الحساب، مفارش طاولات وغيرها من الأغطية.

معاقات منحهن العمل ثقة عالية في النفس

(صبرينة)… هي الأخرى من فئة الصم البكم، مهمتها كي الملابس بعد طرزها وخياطتها، تلقت تكوينها في مركز التكوين المهني الطرق الأربعة، وقد استطاعت تعلّم الطرز الإلكتروني ومختلف أعمال الورشة.
تقول بلغة الإشارة، إن نظرتها إلى الحياة تغيّرت كليا بخروجها للعمل، وهو الأمر ذاته بالنسبة إلى (مريم)، دون مستوى تعليمي، تنتمي إلى فئة الصم والبكم، في الجمعية منذ 5 سنوات، تعلّمت مختلف الأعمال وهي الآن تشعر بكيانها، فالخروج للعمل غيّر شخصيتها.
عندما تشاهد إبداعات (نفيسة) وتتحدث إليها لا يخطر ببالك أنها تعاني من تخلف ذهني 100 بالمائة، لكنّها أصبحت اليوم قادرة على الإبداع تمارس الطرز الإلكتروني وتبدع في تصميم ملابس تقليدية للأطفال. قالت لنا: “في السابق لم يكن لدي الثقة في نفسي كنت أحتقرها ودائما أقول لا أستطيع، أما الآن فقد استرجعت ثقتي بنفسي أصبحت أملك عملا ودخلا وعائلة، وأقوم بتصميم ثياب وخياطتها وطرزها لأشخاص أصحاء لقد تغيرت كثيرا وكان العمل بمثابة علاج لي”.
(مريم) حالة أخرى تنتمي إلى فئة الصم البكم لكنها مكسب كبير للورشة، هي في قمة الأخلاق والطيبة، بحسب شهادة زميلاتها، تجيد جميع الأعمال من خياطة وطرز إلكتروني، تساعد جميع صديقاتها دون تردد هي و(أمينة) أيضا، التي تتحلى بروح المسئولية وتمد يد العون والتوجيهات لمن تلاقي صعوبات خلال العمل.

الاتحاد الأوروبي يختار الورشة كأحسن نموذج ناجح

كشفت رئيسة جمعية التحدي المعتمدة منذ 3 ماي 2012 المختصة في الطرز الإلكتروني، أنّ ورشتهم صنفت كمشروع ناجح من قبل ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، ضمن دراسة استراتيجية قام بها الاتحاد الأوروبي في دول شمال المتوسط، واعتبرت الورشة عيّنة ناجحة لإدماج ذوي الاحتياجات في عالم الشغل على مستوى الوطن، حيث وجدوها الأقرب إلى مراكز تشغيل المعاقين في فرنسا، ولذلك ستعمم على المستوى الوطني، مع إخضاع الورشات المزمع إنجازها لقوانين تضبطها لغرض تصنيفهم في إطار المساعدة عن طريق العمل، فهذه المراكز ستفتح باب الشغل لذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال مشروع توأمة تتولاه وزارة التضامن بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

معاقات يسعين لفتح مشاريعهن الخاصة في الطرز الإلكتروني

وفي الورشة صادفنا حالات أخرى تختلف عن سابقاتها ومنهن (جميلة)، معاقة حركيا تبتسم على الدوام، لم تمنعها الإعاقة ولم تحد من طموحها، التحقت بالورشة منذ ثلاثة أشهر وهي تود تعلم كل شيء، كانت منهمكة بتصميم طربوش أحمر وتتحدث إلينا عن ولعها بالطرز الإلكتروني، فهو بمثابة علاج للمعاقين ومصدر رزق لهم، الأمر الذي جعلها تفكر في إنشاء ورشة خاصة بها تعتمد على هذه التقنية في خياطة مختلف القطع، والأمر ذاته بالنسبة إلى (مليكة) التي تعاني من إعاقة حركية وجاءت لتتعلم الطرز الإلكتروني لتنشئ مشروعها الخاص.

المراهنة على التسويق الإلكتروني لبيع المنتجات

يُعد التسويق المرحلة الأخيرة والنهائية للمنتج، فبعد الانتهاء من طرزه وخياطته تأتي مهمة بيعه، وهو ما جعل رئيسة الجمعية دباري علجية تفكر فيه، فافتتحوا فرعا خاصا لتسويق ما تنتجه أنامل الفتيات، يشرف عليه 3 منهم، شابان وفتاة تدعى مليكة تجاوزت 50 عاما، جميعهم يعانون من إعاقات حركية، منحتهم مديرية النشاط الاجتماعي “لاداس” التابعة إلى وزارة التضامن دراجات نارية لتوزيع المنتج وإيصاله، وقد استعانت الجمعية على حد قول محدثتنا دوما بالمتاجر الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” لتسويقه، فهم يراهنون دوما، بحسب رئيسة الجمعية، على التسويق الإلكتروني الذي لا يتطلب جهدا بالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة للدعاية وبيع منتجهم.
“ولا يخلو الأمر من المشاكل والمعوقات”، تقول رئيسة الجمعية، حيث لابد من تغيير الذهنيات، فبالرغم من جودة منتجهم الذي ينافس ما يقدمه العاديون وأحيانا يتفوق عليه، لكن بعض العرائس ينفرن منه فقط لأنه مصنوع من طرف معاق”.. وهنا يجب التفريق بين المريض والمعاق الذي اكتسب إعاقة على طول الزمان فتحداها ليقدم هذا المنتج عالي الجودة بحسب تعبيرها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • امينة

    الله يبارك فيكن منبعد اتجي وحدة معاقة ذهنيا من هذوك الوحايد اتقول المعاق عالة على المجتمع