-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الغاز الطبيعي: للتنمية المشتركة أم لإشباع الأنانيات؟  (الجزء الأول)

عمار تو
  • 1112
  • 0
الغاز الطبيعي: للتنمية المشتركة أم لإشباع الأنانيات؟  (الجزء الأول)

عكس ما كانت تخشاه الدول المستوردة للغاز من مخرجات المنتدى الدولي  السابع لمصدّري الغاز الذي عُقد في الجزائر من 29 فيفري إلى 2 مارس 2024، جاءت القرارات مطمئنة وتدعو إلى مزيد من الحوار  والتقارب والتشاور والتفاهم بين المصدّرين، من جهة، وبين المصدّرين والمستوردين من جهة أخرى.

ذلك ما تضمنته الكلمة التي وجهها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للمنتدى في اختتام أشغاله، إذ أشار إلى  “العهد الجديد للتعاون والحوار الذي يساهم في رسم  رؤية جماعية  تكرس مبادئ  تقاسم المخاطر والمنافع”. إلا أن روح التفاؤل لم تغفل المخاوف بشأن التهديدات الناجمة عن عديد بؤر التوتر في العالم. فجرى، من ذلك، التركيزُ على دعم الحقوق السيادية للدول الأعضاء في المنتدى على مواردها من الغاز وعلى تأمين منشآتها الحساسة وعلى ضمان سلامة خطوط الإمداد وعلى حماية مداخيلها.

ولعل الدعوة، في اختتام أشغال المنتدى، لتعزيز  أمن الطاقة وسط مخاوف من تذبذب  أسعار الغاز عالميا لدى المصدّرين والمستوردين، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على ‘غزة’ بفلسطين المحتلة والأزمة الأوكرانية، تعبّر، بصدق، عن هذه الانشغالات. كما يشكل تزايد الطلب على الغاز في العالم وتركُّزُ الصادرات بين أيدي عدد محدود من المصدّرين، مصدر مخاوف لدى المستهلكين من تحوّل هذا المنتدى إلى منظمة للغاز شبيهة بمنظمة الدول المصدّرة للبترول  تخضع، بموجبه، أسعار الغاز إلى قانون العرض والطلب، رغم تطمينات مخرجات المنتدى ورغم  البدائل المنافسة للغاز الطبيعي على المدى المتوسط والبعيد، ورغم الجنوح التهديدي، خطابا عند البعض، بالعودة إلى النووي والفحمي والمتجدد من الطاقات، فالقلق والمخاوف عند  مستوردي الغاز، لها منطقيا ما يبررها، نظرا لقوة المنتدى المتزايدة التي  تجسدها  حوزة أعضاء المنتدى  على 70 %  من  مجموع الاحتياطي  العالمي للغاز الطبيعي، وعلى أكثر من 40 % من الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي المسوَّق، وعلى  47 % من صادرات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب، وعلى أكثر من 50 % من الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي  المسال.(1).

للرد على هذه التساؤلات والمخاوف المشروعة، سنحاول، من خلال هذه المساهمة، استجلاء الآفاق، إنتاجا  وصناعة وتسويقا،  في ظل معطيات المنظورة وتحت وطء الجيوستراتيجيات  المتصارعة في علاقة مع  هذه المعطيات. وسنخصص، ضمن هذا الخضم، حيزا مفيدا لحالة الجزائر. ولهذا سنبوّب المساهمة إلى خمسة أبواب: إنتاج الغاز عالميا، الصناعة الغازية في الجزائر، صادرات الغاز عالميا، سوق الغاز، الجيوستراتيجيات وليدة الأزمة الأوكرانية.

1 إنتاج الغاز الطبيعي، عالميا:

بلغ الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي نحو 4000 مليار متر مكعب (م3)  في سنة 2023، حسب اسقاطات 2022 ، مصححة بالنسبة للجزائر.  وتتبوأ الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى بـ1027 مليار م3، تليها روسيا بـ699 مليار م3 وإيران بـ244 مليار م3 والصين بـ219 مليار م3، وكندا بـ205 مليار م3، وقطر  بـ170 مليار م3 واستراليا بـ162 مليار م3 (2) والجزائر  بـ132,7 مليار م3 (136 مليار م3 في (2023) (3)، والنرويج بـ128 مليار م3 والعربية السعودية بـ105 مليار م3، تليها ماليزيا بـ76 مليار م3  ومصر بـ68 مليار م3  وغيرها… مع الإشارة إلى أن إنتاج الجزائر عرف قفزة كبيرة بلغت أكثر من 25 % بين 2012     و2023  متصدّرة  الدول الإفريقية. وكان إنتاج الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدّرة للغاز قد بلغ في سنة 2022 نحو 1657 مليار م3 في مقابل إنتاج الدول غير الأعضاء في المنتدى الذي بلغ 2394 مليار م3. أي ما مجموعه عالميا: 4051 مليار م3.  ولا يبتعد إنتاج 2023 عن هذا الرقم، إسقاطا.

وتجدر الإشارة  إلى أن إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي المسال قد  بلغ سنة 2023 ما مقداره 13 مليون طن وبلغ إنتاجُها من غاز البترول المسال 9,4 مليون طن وإنتاجها من المكثفات الغازية 8,3 مليون طن (4).

2-  الصناعة الغازية في الجزائر:

تمتلك الجزائر، حاليا، احتياطيات مؤكدة من المحروقات (الهيدروكربونات) من كل المنتجات مجتمعة (بترول، غاز، مكثفات غازية وغاز البترول  المسال) ما يقدَّر بأكثر من 4300 مليون طن من المكافئ النفطي (أو ما يفوق 12 مليار برميل من النفط)  ومنها 55 % من الغاز الطبيعي.

وتتركّز هذه الاحتياطيات في أهم الحقول والمناجم المستغلة، حاليا. وهي: حقل حاسي الرمل الأقدم اكتشافا (1956) واستغلالا (1961) وغنًى (2400 مليار م3 من الغاز الطبيعي)، وحقل روض النوس بولاية إليزي والذي بدأ استغلاله سنة 1961،  ومنجم كريشبة الواقع شمال ولاية عين صالح والذي بدا استغلاله سنة 1957 والذي يشكل مع مجموع المناجم العديدة الأخرى لمنطقة عين صالح، مجمعا  كبيرا للغاز الطبيعي، من دون احتساب الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الصخري والمرتبة الثالثة عالميا، وحقل حاسي بركين المكتشَف سنة 1995 والمستغل ابتداء من سنة 1998، وحقل الرار، وحقل عين اميناز وتنهيرت ومنزل لدجيمات (شرق) بولاية إليزي، والحقول الجديدة لحاسي باهامو وحاسي موينة بولاية تيميمون، وحقول رقان وتوات بولاية أدرار كمناجم جديدة أيضا، وحقول الغاز لقاسي الطويل وبئر بركين في ولاية ورقلة. (5).

أما صناعة تسييل الغاز الطبيعي (تحويله من غازي إلى سائل)، فقد كانت الجزائر من السباقين في الميدان؛ فقد أنجزت في 1963 في ميناء أزيو (وهران) أول مصنع للغاز المسال في العالم. وقد شحنت من هذا المصنع، آنذاك، أول باخرة من هذا الغاز الطبيعي المسال نحو الولايات المتحدة الأميركية. وتملك الجزائر حاليا، اثنين من هذا النوع من المصانع، يقع ثانيهما في ميناء سكيكدة الذي استلمت توسعة مينائه المتخصص في مارس 2024 لاستقبال أضخم بواخر الغاز المسال.(6) وإذ تعرف، حاليا، سوق الغاز الطبيعي المسال وغاز البترول رواجا متزايدا في العالم، فإن التنافس حوله يتعاظم، مما يحتّم على الجزائر التسلح الكافي لخوض غمار هذه السوق. وذلك ما سنفصّله، أسفله، في موضوع الاستراتيجيات.

القلق والمخاوف عند  مستوردي الغاز، لها منطقيا ما يبررها، نظرا لقوة المنتدى المتزايدة التي  تجسدها  حوزة أعضاء المنتدى  على 70 %  من  مجموع الاحتياطي  العالمي للغاز الطبيعي، وعلى أكثر من 40 % من الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي المسوَّق، وعلى  47 % من صادرات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب، وعلى أكثر من 50 % من الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي  المسال.

ويطرح، من جهة أخرى، استغلال الاحتياطيات الاستثنائية من الغاز الصخري (أو غير التقليدي) إشكالات لا تزال مستعصية، نظرا للانعكاسات البيئية الخطيرة وأهمها، بالنسبة للجزائر، الانعكاسات التلويثية على ‘المخزون المائي الجوفي غير المتجدد الذي حظاها به الله. فتطور التكنولوجيا المنتظر في ميدان استغلال هذه الاحتياطيات الغازية من دون المساس بطبيعة هذه الثروة، ستقدِّم الحلول الملائمة للإشكالات المطروحة.

3-  صادرات الغاز الطبيعي عالميا:

تتركز في الدول العشر الأوائل الآتية :

في الولايات المتحدة الأميركية (187 مليار م3)، وروسيا (165,5 مليار م3)، وقطر  (134,2 مليار م3)، والنرويج (120,5 مليار م3)، واستراليا (112,5 مليار م3)، وكندا (82,1 مليار م3)، والجزائر           (49,9 مليار م3)، وتركمانيستان (40,7 مليار م3)، واندونسيا (21,8 مليار م3)، ونيجيريا (19,6 مليار م3)، علما أن الجزائر تخصص كميات هائلة من متوفراتها من الغاز الطبيعي للاستعمال المنزلي في كل مناطق البلاد، حضرها وريفها ووهادها وجبالها وجنوبها الكبير وبسعر موحد. وقد بلغت تغطية حاجات السكان الجزائريين من الغاز الطبيعي ما نسبته   في المتوسط، حاليا، نحو 62 %، مع بلوغها التغطية الكاملة في بعض المناطق، لسهولة تضاريسها النسبية، على أن تُعمَّم التغطية الكاملة على كل المناطق السكانية في آجال منظورة. (7).

تمتلك الجزائر، حاليا، احتياطيات مؤكدة من المحروقات (الهيدروكربونات) من كل المنتجات مجتمعة (بترول، غاز، مكثفات غازية وغاز البترول  المسال) ما يقدَّر بأكثر من 4300 مليون طن من المكافئ النفطي (أو ما يفوق 12 مليار برميل من النفط)  ومنها 55 % من الغاز الطبيعي.

وإذا كان الترتيب العالمي على مستوى لإنتاج، يكاد يتكرر على مستوى التصدير، إلا في استثناءات قليلة جدا، وأهمها الصين، فهي الرابعة عالميا على مستوى الإنتاج ولكنها تختفي تماما في ترتيب المصدّرين. وتترتب، في المقابل، من بين أكبر المستوردين للغاز الطبيعي  المسال أساسا،  إلى جانب أوروبا مجتمعة والتي تستورد الغاز الطبيعي على حالته الغازية عبر الأنابيب وتستورد أيضا الغاز الطبيعي المسال بالبواخر. يجري هذا  في سوق أصبحت أقلَّ استقرارا من ذي قبل. كما لا تقلُّ اضطرابا عن سوق البترول. وهذا ما أصبح يؤرِّق الدول المصدِّرة والمستوردة للغاز، لكن في تضارب متشنِّج متصاعد لمصالح أولئك وهؤلاء.

تخصّص الجزائر كميات هائلة من متوفراتها من الغاز الطبيعي للاستعمال المنزلي في كل مناطق البلاد، حضرها وريفها ووهادها وجبالها وجنوبها الكبير وبسعر موحد. وقد بلغت تغطية حاجات السكان الجزائريين من الغاز الطبيعي ما نسبته   في المتوسط، حاليا، نحو 62 %، مع بلوغها التغطية الكاملة في بعض المناطق، لسهولة تضاريسها النسبية، على أن تُعمَّم التغطية الكاملة على كل المناطق السكانية في آجال منظورة.

لقد حيكت جيوستراتيجيات للدفاع عن هذه المصالح، يتظافر فيها الاعتبار الاقتصادي والاعتبار السياسي وحتى الاعتبار العسكري تهديدا مقنعا بغرض ضمان الإمداد بالغاز بالنسبة للمستوردين وبأقل الآثار وبغرض ضمان سوق مستقرة بأحسن الأسعار الممكنة بالنسبة للمصدِّرين. وكثيرا ما يتعذر حل هذه المعادلة المعضلة، على غرار ما عرفته وما تزال تعرفه سوق البترول من أزمات لا تلتقي فيها مصالح الطرفين بالشكل الذي يرضيهما، معا، على الدوام. لهذا، فإن شبه الاستقرار النسبي منذ 2021 لسوق البترول، لا يرضي بالقدر الكافي، لا  المصدرين ولا المستوردين، رغم امتلاك المصدرين أداة ”منظمة الدول المصدرة للبترول” بأعضائها المنتمين وبالأعضاء غير المنتمين الذين تضمن لهم مجالا  مريحا للمناورة، رغم التقلبات المزاجية الفجائية لمكوّناتها،  فهل سترقى منظمة الدول المصدرة للغاز الطبيعي إلى نفس هذا الحد الأدنى من الفعالية النسبية رغم هشاشتها، بالنظر إلى المزاجات المتقلبة للمصدرين تحت الضغوط والمساومات  المتنوعة التي تلجأ إليها الدول المستوردة، فرادى وجماعات تحت مظلات التهديدات الاقتصادية تلويحا والتهديدات العسكرية تلميحا؟ ولنا في العلاقات الغازية بين روسيا والاتحاد الأوربي المثل الأفصح، نظرا لانعكاساته الوخيمة على سوق الغاز العالمية وعلى الاستثمارات في نقل الغاز عبر الأنابيب وبواسطة البواخر المؤهَّلة.  فكانت، ضمن هذا المنطق، أزمة أوكرانيا مبعثا  لجيوستراتجيات معقدة الحبك ومتعدِّدة المداخل والمخارج، حاليا ومستقبلا، على سوق الغاز  ونقله  في شكليه الغازي والمسال، في أوروبا وآسيا وأمريكا، وفي الجزائر في علاقتها مع أوروبا وإفريقيا.

يُتبع

المراجع

(1)  وكالة الأنباء الجزائرية. المنشور بتاريخ 17 ديسمبر 2023 على الساعة 16:46على الموقع الإلكتروني للوكالة.

(2) Ekwateur. Fr- 2024  الإنتاج العالمي الإجمالي من الغاز الطبيعي  وأهم الدول المنتجة للغاز العالمي وترتيب العشر الأوائل منها  ومجموع الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي وأهم الدول المصدرة له.

(3)  وكالة الأنباء الجزائرية. المنشور بتاريخ 02 مارس 2024 على الساعة 17 :2246 على الموقع الإلكتروني للوكالة.

(4)  الرئيس المدير العام لسوناطراك. 29 فبراير2024. Rédaction AE.

(5)  وكالة الأنباء الجزائرية. المنشور بتاريخ 02 مارس 2024 على الساعة 17 :22.

(6)  عبد المجيد عطار، مدير عامّ سابق للشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك ووزير جزائري  سابق للطاقة.

(7) وزارة الطاقة والمناجم    http//wwwenergy.gov.dz

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!