الرأي

الفكرة والوثن..الدولة والصنم

محمد سليم قلالة
  • 4384
  • 5

لقد قال مفكرنا الكبير مالك بن نبي ذات يوم: لنحيي الفكرة قبل أن يقتلها الوثن، وإني أقول اليوم لنحيي الدولة قبل أن يُحطمها الصنم* .. والعلاقة بين الأمرين واضحة: كانت مشكلة بن نبي الأساسية هي كيف نحيي الأفكار في الجزائر قبل أن تقتلها وثنية الجهل، أما مشكلتنا اليوم فهي كيف ينبغي أن نبني دولة قبل أن تحطمها أصنام لا تريد أن تزول أو تَحول.

مواقف بعض السياسيين اليوم تُشبه مواقف الأصنام التي لا تريد أن تزول، في الوقت الذي بدأنا نصل إلى مرحلة يمكن معها الشروع في إقامة دولة على أساس قيم العدل والقوة، لا تزول بزوال الرجال، في الوقت الذي بدأنا نأمل أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستمكن مجتمعنا من الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدما في مجال تطوير الإنسان وتنمية الأرض، وتدارك ما ضاع من الزمن… في هذا الوقت الحرج تماما الذي بدأت تتسع فيه لدينا دائرة الأمل أننا سندخل انتخابات لا تُباع فيها أوراق التصويت كما كانت تُباع وتُشترى وتستخدم الحروز في زمن الجهل والجهالة، ولا تُحوَّل فيها حلقات النقاش إلى”زردات” لا غاية لها سوى ملء البطون وإفراغ العقول… في الوقت الذي اعتقدنا أن “شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع، وستعلن قريبا انتصار الفكرة ـ الدولةـ وانهيار الأصنام…” (مالك، شروط النهضة)، في الوقت الذي كنا ومازلنا نتطلع إلى خوض معارك على جبهات الصراع الفكري والاقتصادي والاجتماعي لتستعيد الدولة عافيتها تماما… تحركت من جديد بيننا معارك الأوثان والأصنام وظهر دراويش جدد يزعمون أنهم “سياسيون” يسعون إلى اختلاس العقول بعد اختلاس الأموال والحقول، في محاولة لإفساد تجربتنا السياسية القادمة التي كنا ومازلنا كلنا ثقة أنها ستتم، ولو في الحدود الدنيا، في صورة من الشفافية والسلم والقانون تعيد الأمل للناس وتقضي على حالة اليأس القاتلة التي كادت تعم كل الفئات وجميع الأجيال..  

ولذا أصبح لزاما علينا اليوم أن نمنع قتل الفكرة وتحطيم الدولة، ولزاما علينا أن نمكن المجتمع من اختيار أفضل بديل يُطرح أمامه، بل لا بديل لنا على تمكين كل جزائري من أن يفاضل بين الأفكار والبرامج والرؤى المستقبلية بعيدا عن كل ضغط أو ممارسة غير أخلاقية، لأن في ذلك ليس فقط قتلا للفكرة وتحطيما للدولة إنما إعادة لنا، لزمن اليأس، زمن الأوثان والأصنام والحروز والزردات بكل ما يحمل ذلك من دلالات على تلك الفترة الغابرة التي كانت تسمى حقبة الاستعمار (الاستدمار) الفرنسي…

*ما كان له صورة فهو صنم وما كان غير صورة فهو وثن. 

مقالات ذات صلة