-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الكيف قبل الكم

الكيف قبل الكم

حتى إذا استيأسنا، أو كدنا، بسبب ما منعنا من القطر، فجفت الأرض، وغاض الماء، بعد ذلك أدركتنا رحمة الرؤوف الرحيم، فأرسل علينا السماء مدرارا، وسالت الأودية، وامتلأت حتى فاض بعض السدود، وسلك جزء من ذلك الماء المنهمر ينابيع في الأرض إلى قدر معلوم.. فالحمد لله على أنعمه التي لا يعدها عاد، ولا يحصيها إلا الذي أحصى كل شيء عددا، فاللهم اجعلنا من الشاكرين لما أنعمت به علينا.

لقد صاحب هذا السيل من الماء المنهمر بعض الخسائر البشرية، فالرحمة لمن جاءهم اليقين، والصبر لأولي أرحامهم، كما تضرّر كثير من السيارات، والطرق، والبنايات، وبعضها حديث الإنشاء، ولكنه أسس “غير هاك” كما يقول ممثلنا مصطفى الوهراني..

إن كثيرا مما نقيمه من منشآت يقام على أسس غير سليمة، وعلى قواعد غير علمية، سواء في الطرقات، أو في مختلف البنايات، فقد صار “الغش” هو “العملة” الرائجة بين أكثرنا.. فلا دراسات جادة، ولا مراقبة صارمة.. فإذا حلت بنا أبسط مصيبة أتت على ما بنيناه من الأسس، وعلى ما شيّدناه من القواعد..

إن الدليل الأقطع، والبرهان الأسطع على ما أقول هو أن سجوننا “الفاخرة” تعج بـ”كبار” المسئولين الذين “لا يعرفون العيب إذا امتلأ الجيب” كما يقول حكيمنا الإمام الإبراهيمي.

وإنني لأسبح في العرق عندما أتذكر أن ثلاثة رؤساء حكومات في عهد “عبد القادر المالي” هم الآن يقبعون في السجون، ولا أتحدث عن الوزراء، والمديرين، وكبار الضباط.. حتى لا يخيل للرائي أن الجزائر نالت قصب السبق في الفساد، وكثرة الفاسدين.. ولو نسأ الله – عز وجل- في أجل المسئول الأول لكان قابعا في أحد السجون.. وإن نجا بعض الفاسدين في هذه الدنيا لما لهم من العلائق والأنساب فما هم بناجين عند رب الأرباب، حيث لا مناصب، ولا أقارب، ولا أحباب، وإنما هو ميزان قسط يزن الذرة فما فوقها من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة التي حيزت بالرشوة والغش..

لقد ذكّرني ما شاهدته من خسائر نتيجة الغش في البناء والمواد ما كتبه الأستاذ أحمد رضا حوحو في “ميزانه” في جريدة البصائر عن الشيخ أحمد حماني – رحمهما الله- وهو أن الشيخ حماني يؤمن “أن الله سبحانه لا يحاسب عباده على عدد ما أنجزوا من المهمات في هذه الدنيا، وإنما يحاسبهم على إتقان ما أنجزوا”. (البصائر في 19 مارس 1954. ص6).

إن ديننا الإسلامي الأقوم قائم من أول أمره على الإتقان والإحسان في كل شيء، ابتداء مما خلق الله – عز وجل- وأن يقيموا كل ما يقيمونه على قاعدة “الإتقان”. ولكن لأننا نقول في الإيمان – أو أكثرنا- بألسنتنا ما لا تصدقه أعمالنا، قال الله – عز وجل- لنا في كتابه الكريم “يا أيها الذين آمنوا آمنوا”. فمتى نؤمن حق الإيمان، ونسلم حق الإسلام، وننبذ سياسة “كعور واعط للعور” التي نقيم عليها حياتنا في مختلف الميادين من البنايات إلى الامتحانات إلى الانتخابات، ثم نزعم أننا نحسن صنعا، ونحن في الحقيقة نخدع أنفسنا، ونخرب بيوتنا بأيدينا ونحن نعلم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!