-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“المثقفون” …الخيبة مرة أخرى..

حسن خليفة
  • 301
  • 0
“المثقفون” …الخيبة مرة أخرى..
ح.م

قد يكون الوقت مبكرا ـ بعض الشيء ـ لإصدار حكم أو أحكام ما بشأن مواقف بعض الفئات والشرائح المجتمعية المفترض أنها “طليعية” على نحو أو آخر، ولكن الواقع يبرز بشكل واضح غياب “النخبة” وبالأخص منهم (المثقفون) وانحسار أدوارهم إلى أقل هامش ممكن.

فإذا كنّا نرى في صدارة الميدان ـ في سياق هذه الجائحة الكاشفة ـ رجال ونساء قطاع الطب والصحة، بمختلف رتبهم ومواقعهم وميادين عملهم، وكذلك نرى أصنافا أخرى من الناس تجتهد وتقدّم ـ قدر استطاعتها وبإرادة حرّة منها ـ ما يجب أو ما يقتضيه واجب الوقت والظرف، ومنهم من يركب المصاعب ويخاطر بحياته، في سبيل مساعدة الناس، وفي سبيل أداء ما يراه واجبا إنسانيا وأخلاقيا ودينيا فإن الغائب الكبير في هذه المعمعة هم “المثقفون” بمختلف أصنافهم ومختلف تخصصاتهم وأيضا بمختلف رتبهم.

فما السبب في ذلك يا تُرى؟ وهل هذا أمر جديد بالنسبة لهذه النخبة عندنا أم هو أمر “متعوّد” وموقف نمطي تقليدي منتظم؟

أستعين هنا بكلام علمي دقيق أورده الدكتور سعيد عيادي الذي توفي قبل أيام قليلة في البليدة (رحمة الله عليه) وهو أحد علماء هذا الوطن، وأحد المثقفين الرساليين الملتصقين بالشعب، في كتابه “أثريات المسألة اللغوية في الجزائر” يتحدث عن ظاهرة النخبة في الجزائر والموقف من حالتها الفكرية ويسجل بأسف اختلاف النخبة الجزائرية زمن الحركة الوطنية، ما قبل الثورة وما بعدها؛ حيث أدت النخبة (القديمة) أدوارا مهمة في حياة الأمة، اندمجت معها وسايرت تشوّقها إلى الانعتاق والتحرر وكل القيّم الإنسانية الرفيعة، فأدت ما عليها أو قاربت..

على حين لم تكن النخبة بعد الاستقلال كذلك أبدا، بل ركنت إلى “الراحة” إلا من قلة أيديولوجية راحت تنغرس في مفاصل الدولة تبحث عن مسارب للتحكم والانتفاع والتمكين لأفكار غربية وهو ما ينسحب على تاريخ الجزائر في الميادين الاجتماعية واللغوية والاقتصادية إلى اليوم تقريبا .

إن ملاحظة الدكتورعيادي تتصل بأمر هام يسجله في ملاحظته عن “افتراق النخبة عن خطها التاريخي وابتعادها عن ضبط علاقتها العضوية بالمشروع الوطني، وهو سبب من أسباب تراجعها وانكفائها على نفسها في نطاق ضيق…. وهو ما تسبب في ضعف مواقفها وضعف حضورها ومساهماتها الوطنية في المحطات الكبرى في مسيرة الدولة الجزائرية…(….) حيث صارت هذه الأخيرة (الدولة) تنجز أمورها في مسائل وقضايا كبرى تهمُ مستقبل الأمة، دون العودة إليها (النخبة)”.. كما سجل على النخبة أيضا انغلاقها وبُعدها..” (ص36)

وأيّا يكن الأمر فإن المتابع الملاحظ يستطيع ـ بالفعل ـ أن يستيقن من هذا الغياب الغريب لنخبة، وهي كتلة كبيرة ذات حجم ووزن وتعداد ـ لو أرادت ـ لكانت في الصدارة، لكنها بقيت على الهامش، ومال أكثر أفرادها إلى الاختباء وراء شاشات الكمبيوتر أو الهواتف الذكية يسجلون يومياتهم ويتندّرون ويقصون أقاصيص فارغة، وفيهم من تملّكته النرجسية فصار يتحدث عن بطولاته وبعض مغامراته ..

أين العلم؟ أين قوة الاقتراح؟ أين الخبرة؟ أين الفكر المتوقد الوهّاج؟ أين المبادرات الإنسانية الكبرى؟ أين التحفيز ومرافقة الشعب في صراعه مع الحياة ومع الوباء؟ أين ما تم اكتسابه من القراءات (العميقة) أين الإسهام اللامع للتحفيز والإنجاز؟ أليست وظيفة النخبة ووظيفة المثقف أن يقاوم…؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!